مقالات

“الاردوغانية”.. كيف تم ترويض الجنرالات وإخضاعهم لسلطة الشعب؟ – 9 من 13

جمال سلطان

كاتب وصحفي مصري
عرض مقالات الكاتب

خلال مسيرة اردوغان السياسية ، والتي بدأها كناشط سياسي صغير في حزب “نجم الدين أربكان” ، ثم من خلال تحمله المسئولية المبكرة والمصغرة بفوزه في الانتخابات البلدية ، ورئاسته لبلدية اسطنبول ، أهم وأضخم مدينة تركية على الإطلاق ، والتي أتاحت له وضع بصماته عليها في مرافقها وخدماتها مما حقق له شعبية مبكرة كبيرة ، ثم حكم سجنه بعد ذلك بسبب أبيات شعر قالها ، ثم فرض العزل السياسي عليه عدة سنوات ، كل ذلك جعله عندما أسس حزب “العدالة والتنمية” يعرف جيدا الخريطة السياسية في تركيا بكل دقة ، وعصب السلطة الحقيقي ، ومصادر القوة والخطر في الدولة .

كان اردوغان يدرك أن مصادر القوة والخطر على الديمقراطية والإصلاح في البلد يأتي من ثلاث جهات ، أولها الجنرالات الذين يقفون في الظل لكنهم يقبضون على السلطة الحقيقية ويهددون السياسيين ويوظفون مؤسسة العدالة والقضاء لإعادة هندسة الأحزاب وحل ما يشاءون وحبس ما يشاءون دون أن يظهروا في الصورة ، وكان العسكر هم مركز الثقل في “الدولة العميقة” ، كما كانوا قد نجحوا منذ الانقلاب الأول 1960 في تشكيل جماعات مصالح داعمة لهم في الجامعات ورجال الأعمال والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني ، كما كانت لهم أذرع إعلامية قوية يستخدمونها في تحطيم أي سياسي أو التمهيد لأي انقلاب يقررون القيام به .
ثم يأتي الخطر “الثاني” من جانب فساد مؤسسة العدالة ، ونجاح العسكر في تحقيق اختراق واسع فيها وتوظيف آلاف من المدعين العموم والقضاة الذين يدينون لهم بالولاء الكامل ، خوفا أو رجاء ، كما كانت لهم سيطرة شبه تامة على المحكمة الدستورية العليا ولهم ممثلون فيها أيضا .

ثم الخطر الثالث يأتي من الحركات الدينية ذات الطابع السري والغامض ، وخاصة حركة “الخدمة” وهي تنظيم سري غير معلن يتزعمه رجل الدين المعروف “فتح الله جولن” المقيم في الولايات المتحدة منذ أكثر من عشرين عاما ، وهو تنظيم ضخم ويملك إمكانيات مالية هائلة واستثمارات داخل البلاد وخارجها ، كما أنه استثمر الفراغ السياسي في تركيا والاحتراب السياسي للتقرب من الجنرالات ومن القيادات الحزبية خاصة العلمانية ، مما أتاح له تحقيق اختراقات سهلة وسريعة في قطاعات شديدة الحساسية في الدولة ، فكان هناك آلاف القضاة الذين يتبعون الجماعة والمدعين العموم “النيابة” كما كان لهم اختراق خطير في الجيش من خلال ضباط يدينون لهم بالولاء الكامل ، وأيضا في جهاز الشرطة والاستخبارات فضلا عن نفوذهم الإعلامي وشبكة ضخمة من المؤسسات التعليمية في مختلف المراحل ، من الروضة إلى الجامعة ، كانت الجماعة تمثل دولة موازية بالفعل في تركيا .

لم يكن بوسع اردوغان ، ولا غيره ، أن يواجه كل تلك الديناصورات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والقضائية دفعة واحدة ، فعمل بتخطيط سياسي ذكي وهادئ وطويل النفس على تحييد بعضهم ، وخاصة حركة الخدمة ، مؤخرا الصدام معها ، وبدأ في تفكيك النفوذ العسكري في الحياة المدنية وسيطرته على مفاصل الدولة تدريجيا ، من خلال إصلاحات دستورية ، وإجراءات ذكية للغاية وتكشف عن رجل دولة من الطراز الرفيع ، واعتبر أن تفكيك سطوة العسكر على الحياة المدنية سيتيح بسهولة تطهير الفساد في مؤسسة القضاء التي تستند إلى قوة الجيش في نفوذها .

بدأ الصدام مبكرا بين القائد المدني المنتخب القوي ، وبين الجنرالات الذين ورثوا الهيية التاريخية والحصانة والحق الدستوري ـ نص في دستور الدولة ـ في التدخل لحماية النظام العلماني منذ العام التالي مباشرة لتوليه رئاسة الوزراء ، وكما يقولون في لغة كرة القدم ، دخل الفريقان أجواء المباراة بدون فترة جس نبض ، فمن جانبهم حرك الجنرالات رجالهم في الإعلام وفي الجامعات لتحريك موجة غضب وانتقادات ضد الوزارة الجديدة والحزب الوليد ، وكانت هناك تحريضات علنية ، ومانشتات صحف كبرى تقول : الضباط الشبان قلقون ، وهي النص الحرفي لنفس العبارة التي سبقت انقلاب 1960 ، من جانبه كان اردوغان وحزبه يقومون بعملية هيكلة هادئة وطويلة النفس ، بدأت بإعادة ترتيب مجلس الأمن القومي الذي كان يهيمن عليه الجيش ، فألغى اجتماعه الشهري وجعله كل شهرين ، وغير مكانه فلم يعد في رئاسة الأركان وإنما في رئاسة الوزراء ، للتأكيد على مدنية الدولة ومؤسساتها ، كما جعل الأمانة العامة لمجلس الأمن القومي من اختصاصات نائب رئيس الوزراء ، وليس عضوا بالمجلس العسكري ، وعدل في لائحة المجلس بما يقلص من النفوذ العسكري فيها ، كما رفع وصاية مجلس الأمن القومي عن المجلس الأعلى للجامعات وعلى المجلس الأعلى للإذاعة والتليفزيون ، كما ألغى محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية إلا في أيام الحرب ، وضيق جدا من اختصاص المحاكم العسكرية ، كما أخضع اقتصاديات الجيش للمراجعة المدنية من خلال محكمة حسابات خاصة مفوضة من البرلمان ، على أن تبقى قراراتها سرية وغير معلنة للرأي العالم .
وفي العلاقات الخارجية اهتم “اردوغان” بشكل استثنائي بمفاوضات انضمام بلاده للاتحاد الأوربي ، لأنه كان طموحا تركيا وأشواق شعبية أيضا ، كان يدرك في قرارة نفسه ـ وهو ما كشف عنه بعد سنوات ـ أن الاتحاد ناد مسيحي ، وأنهم لن يسمحوا لتركيا في النهاية بالانضمام ، لكن أحد شروط الانضمام للاتحاد إبعاد الجيش عن السياسة ، وهي الورقة الدولية التي استخدمها اردوغان بذكاء شديد في ترهيب الجنرالات من مغبة التفكير في الانقلاب من جديد ، ويبدو أنه نجح ـ إلى حد ما ـ في توظيف تلك الورقة .

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. اللهم انصر تركيا وانصر جيشها المظفر وانصر رئيسها المفدى السيد رجب طيب اردوغان حفظه الله.
    اللهم انصر قطر وانصر جيشها المظفر وانصر اميرها المفدى الشيخ تميم آل ثاني حفظه الله.
    اللهم واخزي الكلاب العرب آل سعود وآل نهيان والسيسي وحفتر.
    اللهم العن القردة آل سعود والعن كل من والاهم.
    اللهم العن القردة آل نهيان والعن كل من والاهم.
    اللهم العن القرد السيسي.
    اللهم العن القرد حفتر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى