مقالات

وقفة مع لوحة (الحقيقة) للفنان عماد حسين

د. مصطفى عبد القادر

أديب وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

ليس بخاف على كل متابع لمعارض الفن التشكيلي أن عدد الحضور مازال ضئيلا رغم تفاوته بين بلد وآخر،ومدينة وأخرى،وذلك تبعا لثقافة كل مجتمع، ومدى اهتمامه وفهمه لمفردات وتفاصيل هذا الفن القابل للتطور والارتقاء بتنوع مدارسه، وإبداعات أساطينه ((المتسارعة التحطيم والقفز) فوق كل ماهو سائد ومألوف. ويبدو أن سبب ضآلة المتابعة والحضور ينطلق بداية من حالة الاغتراب بين المتلقي واللوحة حيث يشعر (عوام الزوار) بانفصام آني، وتشتت ذهني حين يقفون أمام لوحات يحتاج تفكيك شيفراتها إلى ارتفاع منسوب الذائقة الفنية المبنية على ثقافة عامة قادرة على هضم واستيعاب دلالات العمق الفكري المطروح،واكتشاف ماخلف الخطوط والألوان عبر امتلاك لغة بصرية مواكبة لكل ماهو جديد وجاد…

الفنان التشكيلي عماد حسين

في لوحة (الحقيقة) للفنان عماد حسين (والتي لاقت رواجا واسعا وكتب عنها الشاعر المكسيكي أوكتافيو باث) نجد اتساع مساحة القهر،وصعوبة الغوص والسبر،ذلك تبعا لطرحه قضايا كبيرة سياسية، تاريخية، ميثيولوجية، فلسفية، إنسانية… إن ريشة الفنان في لوحة (الحقيقة) راحت باتجاه المزاوجة بين التكعيبي والسوريالي كي يرينا خيباتنا وانكساراتنا،ويقرع جرس الخوف القابع في دواخلنا،متجاوزا الكثير من الجماليات الفنية عن سابق تصميم وإصرار،مبتعدا عن فانتازيا زخرف المنمنمات، مبديا رفضه القاطع الجمع مابين (البشاعة والجمال)،لاغيا مقولة (والضد يظهر حسنه الضد). فالجمال لديه تم تغيبه وتشيعه إلى مقابر خربة لتحتل البشاعة مساحة أعم وأشمل فوق سطح الأرض العاجة، والضاجة بالتسلط، والاستلاب، والظلم ماضيا وحاضرا… فالحلم لدى عماد حسين يتجلى بالبحث الدائم عن فضاءات تستوعب أفكاره المتزاحمة جغرافيا وفنيا….
تتميز لوحة (الحقيقة) بالتناغم الملحوظ في تركيب طبقات الألوان، وفاعلية ضربة الفرشاة عبر منحنيات وخطوط وأشكال تعبيرية كشفت عن حساسية مرهفة، وقلق مستدام حول مايحصل في هذا العالم المتآكل أخلاقيا، وبالرغم من أن اللون عند الفنان عماد حسين ليس مستقلا عن الخط فهو يتعامل معه بحرية مطلقة تجعله يطوعه ويستخرج منه كل إمكانيات التوظيف، محلا لنفسه صياغة جديدة وفق رؤية أقرب إلى (الشوبنهاورية) في بعدها المر القاسي وصولا إلى مراميه الفنية الغنية المسكونة بالهم الإنساني إذ يحيل الصخب إلى موسيقا مؤنسة مرة، والموسيقا إلى صخب صارخ مرات ومرات… مايجعل المتلقي في مواجهة أسئلة كبرى تتناسل أولا بأول… مستدعية إجابات قد لاتكون شافية لكنها بالضرورة تقارب نزفنا، وتعمل على امتصاص صديدنا، وتكشط الغشاوة عن أعيننا المشبعة بكل ماهو قبيح ومستقبح ولو بشكل مؤقت….

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. الف شكر وتقدير للكاتب والاديب والناقدالدكتور مصطفى عبد القادر على هذا التحليل في سبر وترجمة هذه المدونةالفنية السرياتكعيبية التي اردت من خلالها ان ادمج بين مدرستين فنيتين لاوسع افق التعبير الفكري فنيا واكسر اطار التقييد المدرسي الفني لانطلق بحرية فضاءات التعبير بكل اريحية واتخذ لنفسي مسار فني تعبيري عبر التشكيل والتعبير الحر .
    جزيل الشكر والتقدير ل(رسالة بوست) في اتاحة وتوسيع الافق للمتابعين عبر الانارات على الاعمال الفنية لما تحمل من بعد فكري وثقافي راجيا لهم المزيد من النجاح والتقدم

  2. حقيقة انتما مبدعان، الاستاذ مصطفى يجيد الرسم بالكلمات، والاستاذ عماد يتقن بحرفية وريشة متمكنة رسم الافكار. دمتما بخير اصدقائي الاعزاء والشكر موصول للمحرر والمشرف على رسالة بوست الاستاذ المتميز احمد هواس الذي يجيد الانتقاء والحريص جداً على التدقيق والمتابعة والمثابرة على عمله.

اترك رداً على الفنان التشكيلي:عماد حسين إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى