بحوث ودراسات

القوميون العرب وحركات اليسار العربي (1920-2020) – من حركات وحدوية مناهضة للاستعمار إلى طابور خامس

فهد السالم صقر

محلل سياسي وباحث في العلاقات الدولية
عرض مقالات الكاتب

في مقالي السابق بعنوان : ” مئة عام على سايكس بيكو ؛ هل رُوض الوحش الكاسر ليصبح حيوانا أليفا. شَرحت و أشرت فيه إلى ظاهرة إختفاء” الإسلام السياسي” عن الساحة السياسية في حقبة ما بعد  الحرب العالمية الأولى،  وإنتشار وتفشي الخطاب القومي اليساري بدلا منه كتعبيرا إجتماعيا سياسيا (Sociopolitical manifestation) جاء أولا ، كردة  فعل على سياسات التتريك التعسفية لحزب الإتحاد والترقي الحاكم بعد العام 1908 ، وثانيا وهو الأهم ، كتعبيرا جمعيا ناتجا عن الهزيمة المفصلية التي لحقت  “بالإسلام” ، ممثلا  بالدولة العثمانية أمام القوى الأوروبية بعد صراع دام قرونا . أعقب ذلك إلغاء وزوال مؤسسة  الخلافة  كليا في العام 1923 على يد كمال أتاتورك ،  وذلك لأول مرة منذ وفاة الرسول عليه السلام في العام 733 ميلادي.  

 أضف إلى ذلك،  الدور الذي لعبه الإستعمار الأنجلو- فرانكفوني قبل و بعد العام  1920 في إذكاء روح القومية و تشجيع التمدد القومي،  تارة بالتحريض المباشر، كما فعلت بريطانيا مع الشريف حسين والثورة العربية الكبرى عام 1916 .  وتارة بالتورط السلبي،   وأعني بذلك،  قيام السلطات الإستعمارية بلعب دور الميت أمام إنتشار الفكر القومي ، وعدم تجريمه أو منعه.  بل على العكس قامت بشرعنته ،  وسمحت بتشكيل الأحزاب القومية وترخيصها، وعقد المؤتمرات والتجمعات الحزبية بمنتهى الحرية، تحت نظر وسمع عساكرهم.  

وبالمقابل ، تَبَنت الحركات القومية اليسارية ، والنُخب السياسية العلمانية بشكل عام،  خطابا  تصالحيا متواطئا مع الإستعمار الأنجلو-فرانكوفوني قبل الإستقلال  (المزعوم)  عندما تعايشت معه ومع ممثليه وووكلاءه ، وتعاملت معه سياسيا Peaceful engagements   ، ولعبت في ملعبه ، ووفقا لأجنداته.  وكان قيام بريطانيا بتأسيس جامعة الدول العربية عام 1945 تتويجا لذلك التعايش الخائب والتواطئ المُخزي لتلك النُخب ليقولوا لنظام سايكس بيكو لا مساس . فالجامعة العربية أُسُسَت أصلا لتكرس نظام الدويلات الوظيفية البئيس ، وسٌميت “جامعة” على عادة العرب بتسمية الشئ بضده ، فالمريض يسمونه مُتعافي ، والأعور عينه كريمة، وسرير المرض هو سرير الشفاء و “المُفرِقة” سموها جامعة وهكذا.   

 وثانيا ، وَفَرت الحركات والأحزاب القومية فيما بعد – ولا زالت – غطاءا إعتذاريا  apologetic  للأنظمة التي تشدقت بالخطاب القومي الوحدوي الزائف ، ولكنها كانت  فعليا ألد الخصام، أنظمة غارقة في الفساد و العمالة حتى أذنيها . كنظام الأسد في سوريا، و القذافي في ليبيا ، وجمال عبد الناصر في مصر. تشدقت هذه الأنظمة بخطاب خشبي تدليسي طوال عقود ، بررت به قمع شعوبها وتجويعهم بحجة أن لا صوت يعلو على صوت المعركة.   الفارق الوحيد اليوم،  هو أن هذه المعركة التي صدًعوا رؤوسنا بها ،  لم تعد ضد الإمبريالية والصهيونية ، بل ضد الإسلام السياسي.   

فهذه  المعركة التي  لا يعلو عليها صوت ، أعادوا تسميتها الآن في خطابهم وأبواقهم الإعلامية  بالحرب على الإرهاب ( code name ). وهذا  يضع تلك االأنظمة والنُخب التي تدور في فلكها عمليا وواقعيا ، في نفس الخندق الصهيوني الأمريكي المعادي للإسلام، فنظام عبدالفتاح السيسي مثلا يقدم سبب وجوده Raison d’etre) )   بكونه الحرب على الإرهاب ، التي هي الحرب على الإسلام.      

عندما خرج الإستعمار (إسميا) من بلادنا في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن العشرين ،  إختارهذه النُخب على علم .  وسلمهم مقاليد الأمور، بعد أن إشترى ذممهم ، وصنعهم على عينه.    و تأكد من “ضلالهم” وفسقهم وولائهم وطاعتهم العمياء له .  سواءا أكانت هذه النخب يسارية أو يمينية محافظة .  و قام الإستعمار قبل مغادرته عسكريا ، بربط هذه النُخب العلمانية بالمركز ككلاب صيد،  ليقوموا بأدوار مرسومة بدقة .  تلخصت أدوارهم  بتنفيذ رغبات و أجندات الإستعمار التي لا علاقة لها من قريب أو بعيد بتطوير وتنمية  الأوطان.  وتم برمجتهم  ليكونوا سماسرة مخلصين  لمصالحه ويأتمرون بأمره كعبيد دون نقاش.  ففي التحليل النهائي وعند التمحيص والتدقيق ،  تجد أن أجندات هذه النُخب الحاكمة  هي تدمير وإفساد الأوطان ،لا إصلاحها. و تتلخص مهمتهم بالحؤول دون حدوث أي نهضة إقتصادية أو صناعية أو علمية، وخنق أي محاولة للإنعتاق السياسي.  ( سوريا ، مصر، ليبيا، الجزائر مجرد أمثلة).

وإن ما نلمسه اليوم و نراه  في العالم العربي بأم أعيننا من تخلف في كل مناحي الحياة، هو حصيلة مائة عام من حكم وإدارة هذه النخب العلمانية ( اليسارية واليمينية) .  فمثلا أعضاء نادي أصدقاء الفُرقة والتشتت، المُسَمى زورا وبهتانا (جامعة) الدول العربية  المختلفون دائما، والمتفقون فقط على أن يختلفوا.   يعملون بلا كلل ولا ملل ، ليلا ونهارا على تخلف أوطانهم  وتكريس تبعيتها ، بحكم المهام المُناطة  بهم.  حتى عندما يختلفون فيما بينهم ، فإن هذا الإختلاف يكون عبارة عن  توزيع أدوار لهم  في ال film casting )) ، داخل سيناريو إستعماري واحد في التحكم والسيطرة (Master Scenario) .  والملاحظ  دائما أن خلافاتهم  لا يكون له أي  تأثير سلبي  على المصالح الغربية بتاتا، وإنما كل تأثيره وتبعات خلافاتهم يتحملها بنسبة 100% شعوب المنطقة المقهورة.   

فعلى سبيل المثال ، يتدفق الغاز الجزائري من حقل حاسي الرمل  بحرية عبر المغرب إلى قرطبة في إسبانيا  تحت البحر المتوسط  ، ومن ثم إلى  بقية أوروبا  منذ عشرات السنين بسلاسة دون أية عوائق أو إنقطاع .  علما بأن ما بين المغرب والجزائر ما صنع الحداد .  فبالرغم من  أن حدود البلدين مغلقة معظم الأوقات  و العلاقات مقطوعة بينهما بسبب أزمة الصحراء الغربية المزمنة .  فإن الآثار السلبية  لا تطال إلا  مواطني البلدين فقط . كذلك الأمر بالنسبة للخلاف القطري -الخليجي  الحالي  ( حصار قطر)   فإن درجة تأثيره السلبي على المصالح الغربية في منطقة الخليج  العربي هو صفر.  بينما ضرره الأكبر هو على أهل المنطقة من مواطنين ورجال أعمال وشركات  وأهل الدول المعنية.  

ومن المفيد التذكير بهذا الصدد ، أنه  في التسعينيات من القرن الماضي ، عندما أرادت أمريكا إسقاط  نظام صدام حسين، إلتزمت كل دول مجلس التعاون الخليجي بالحصار الأمريكي – البريطاني المفروض على النظام بنسبة 100% ولم يشذ عن القاعدة أحد. وكانت تطالب العراق بالإنصياع لمقررات “الشرعية الدولية بالكامل” بما في ذلك إطلاق سراح الأسرى الكويتيين، الذي تبين لاحقا أن لا وجود لهم .  ولم  يحصل إجماع كامل في تاريخ مجلس التعاون الخليجي على قضية من القضايا  مثلما حصل في قضية الحصار الإقتصادي الجائر ضد عراق صدام ما بين أعوام 1990- 2003، فهكذا إقتضت المصالح الغربية آنذاك ،  وهكذا نفذ التابعين من غير أولي الإربة دون نقاش. ومن يعتقد أن ذلك كان مصادفة أو سياسة خليجية موحدة  فليتفحص قواه العقلية.

حاضرا ،  وخاصة في حقبة ما بعد أحداث أيلول 2001 في نيويورك ، تماهت الحركات االقومية والنُخب العلمانية الحاكمة عامة ، مع الموقف الأمريكي-الصهيوني من الإسلام السياسي بشكل كامل.  لقد قدمت أحداث 11 سيبتمبر الذريعة لأمريكا  لمحاربة الإسلام على طبق من فضة ، وإستمرأت الأنظمة هذا الأمر،  وإستغلته لصالحها أبشع إستغلال.  فقمعت المعارضة الإسلامية ، وحظرتها تماما عن الساحة السياسية بحجة مكافحة الإرهاب.  لأن المعارضة الإسلامية هي التي تشكل التهديد الحقيقي الوحيد  للأنظمة الوظيفية المتلونة  كالحرباء  بكل ألوان الطيف السياسي وبالتالي النفوذ الغربي في الوطن العربي.   أما الحركات والأحزاب القومية العلمانية واليسارية ، فلا خوف عليهم  ولا هم يحزنون،  فجميعها تتماهى مع الأنظمة التي تتبنى الموقف الأمريكي من الإسلام  كما هو بكل أريحية .

هذا الموقف الأمريكي  الذي لا يرى في  الإسلام  إلا الإرهاب والعنف وقتال الآخر.  و أنه  ليس دين  سلام وعدل ، بل هو دين حرب ونزاع ، إنتشر بحد السيف ( من سخريات القدر أن معظم الأمريكان يعتقدون أن الإسلام  نشأ في 11 أيلول/ سيبتمبر 2001) . هذه هي درجة السذاجة  التي وصلوا إليها .  ويؤمنون أيضا  بأن هناك علاقة طردية بين التدين والعنف ،   فكلما زاد التدين عند الأفراد  زاد نزوعهم إلى العنف والإرهاب ، والعكس صحيح.  وعليه ،  فلا  بد من إحتواء هذا التدين  ( تجفيف منابعه) ، أو  إقصائه  وقمعه  بكل الوسائل الممكنة .  وتماهت الأنظمة والنخب العلمانية ( يسار ويمين) مع هذا التوجه،  فالأنظمة والنخب العلمانية مبرمجة أساسا و جاهزة لأي طارئ ولا تحتاج أمريكا إلا لتفعيل الخدمة وكبسة الزر. وبعد تفعيل الخدمة ، سارعت الأنظمة والنخب العلمانية لطلب الرضا الأمريكي-الصهيوني ، مقابل مكاسب دنيوية ومصالح مادية.

فعلى سبيل المثال ، قامت معظم الأنظمة العربية  بإحداث تغييرات جوهرية في مناهج التعليم وأساليب التدريس لديها ، إنصياعا  للأوامر الأمريكية بذريعة ” تطوير” مناهج التعليم . بعض الأنظمة الخليجية  ذهبت إلى أبعد من ذلك  بكثير،  فلم يكتفوا بتغيير المناهج بل قاموا بتغيير المعلمين أنفسهم  ومدراء المدارس وإستبدالهم بمعلمين  ومدراء أجانب ( بريطانيين وأمريكان) .  و تطوعت بعض الأنظمة الرسمية  بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001  أيضا للعب دور المدافع عن الإسلام.  وسارع بعض القادة  العرب إلى المنابر والميكروفونات دون تفكير لأخذ موقف الدفاع وجلد الذات أمام السيد الأمريكي ، وإظهار سذاجة متناهية  في التعامل مع الحدث الجلل.   وقدموا التنازلات  تلو التنازلات  طلبا  للرضى .  بل تنافسوا فيما بينهم  من يقدم خدمات أكثر لأمريكا فيفوز فوزا عظيما.

 وكان نظام الأسد الممانع والمقاوم الأكثر إقداما وتطوعا والأنفع ( بإعتراف أمريكا وأركان النظام)  في تقديم  خدماته وخبراته للسيد الأمريكي في ” مكافحة الإرهاب”   قبل الرضا وعند الرضا  وبعد الرضا ،  ولا يزال النظام  تُصيبه بما صنع قارعة أو تَحُل قريبا من داره.  للاسف الشديد، لم  يقف ولا نظام عربي في  وجه أمريكا  ليقول لها ؛  نعم ،  نحن نُدين هذا العمل الإرهابي في نيويورك ، ولا نلتمس الأعذار لفاعليه بأي شكل من الأشكال.  ولكن أنتم أيضا عليكم أن تُغيروا وتُبدلوا،  وعليكم أن تفهموا أن  مبدأ إما معنا أو ضدنا لا يستقيم مع الواقع  ومنطق العلاقات بين الشعوب والأمم.  وأن علاج الإرهاب لا يكون بالحل العسكري فقط ،  ولا بصب الزيت على النار .  بل على العكس وجدنا سمعا وطاعة  و إنصياع رسمي عربي كامل للتوجهات والرغبات ( إقرأ الأوامر) الأمريكية  عندما شنت  أمريكا حربها في  أفغانستان ثم في العراق.

لقد تبنت الحركات والنُخب السياسية العلمانية  العربية ( داخل الحكم وخارجه) الخطاب الأمريكي -الصهيوني  من الإسلام  بحذافيره . فهم لا يُفرقون في مقارباتهم بين الأحزاب والحركات الإسلامية السياسية  المعتدلة  mainstream  التي تتمتع بدعم الغالبية الساحقة من المسلمين ، ولها ملايين الأتباع ، وبين المنظمات الإرهابية (صنائع الإستخبارات).  فالأمريكان غير مهتمين بالتمييز في مقارباتهم السياسية أو الإعلامية  الخاطئة  بين جماعات إرهابية إجرامية مثل بوكو حرام وتنظيمي داعش والقاعدة من جهة ، وبين حركة النهضة في تونس وحزب التحرير الإسلامي وحركة الإخوان المسلمين من جهة أخرى.  فالجميع في نظرهم سواء ( يعني الخاري والقاري واحد)

 و في واقع الأمر، فإن هذا الخلط المتعمد مقصود لذاته، وهو نوع من أنواع التدليس السياسي والدعائي  (  propaganda)  ، ويُسخًر لخدمة أجنداتهم السياسية ، و يُعزز خطابهم الإعلامي الخسيس في تشويه الإسلام كدين وكشريعة ومبدأ حياة.   فهم ،  أي الأمريكان،  غير معنيين البتة  بمحاولة فهم الإسلام الحقيقي و التعايش معه ،  أومع أهله،  من منطلق تعددي ثقافي سياسي،  على مبدأ الندية والإحترام المتبادل ( لكم دينكم ولي دين) .   و يتعمدون إستعمال مصطلحات إعلامية سلبية للطعن في الإسلام  ويسمون الأشياء  بغير مُسمياتها ،   فتارة  يقولون “إرهاب”  وتارة يقولون  “أصولية إسلامية”، وتارة  يقولون إرهابيين و تارة يقولون “جهاديين” Jihadists  versus terrorists   للإشارة إلى نفس الشيء.  ويفعلون ذلك عن عمد  كما أسلفت ، مع سبق الإصرار، وبتخطيط ممنهج  لخلق رأي عام عالمي  يُشيطن الإسلام كدين وكعقيدة،   ليبرروا محاربته ، ولإيجاد الذرائع للتضييق عليه. فهم يستعملون المصطلحات المتناقضة تبادليا Interchangeably، للتشويه وللطعن في قيم الإسلام  النبيلة وليس عن جهل .

على سبيل المثال ،  عندما قام عبدالفتاح السيسي  بإنقلابه على الشرعية وحُكم الإخوان المسلمين في مصر عام 2013 رفع الشعار ( مصر ضد الإرهاب) .   من هو هذا الإرهاب الذي خاض عبدالفتاح  السيسي معركته معه  بدعم أمريكي؟  لقد عطل  السيسي الدستور وسبب إنتكاسة  فظيعة  للمسار الديمقراطي في مصر وفي العالم العربي كله. ووضع البلاد في نفق مظلم ، وأعلن الأحكام العرفية،  وكمم الأفواه ، وأغلق كل وسائل الإعلام المعارضة،  وزج بالآلاف في السجون والمعتقلات.   فسارعت الحركات القومية العربية اليسارية والناصرية بقضها وقضيضها بإعلان التأييد له ،  ووصفوا السيسي بالبطل المُخلص ،  بل ذهب بعضهم ( مصطفى بكري مثلا وغيره )  إلى حد تشبيه السيسي  بالصنم  المعبود جمال عبدالناصر ،  فهذا الصنم من ذاك الصنم.

 والمفارقة العجيبة،  أنه لم يكن أحد أكثر تأييدا وإبتهاجا بإنقلاب السيسي من الكيان الصهيوني نفسه،  بإعترافات  قادة الكيان  أنفسهم . وقد صدرت تصريحات  كثيرة عن ضباط  صهاينة  قالوا فيها صراحة ،  أن إسرائيل  كانت المحرض الرئيسي على الإنقلاب ولم يخفوا بهجتهم ورضاهم به يوما . هذه حقيقة  يتعامى عنها اليساريون والناصريون والعلمانيون العرب ،  لأنهم صُم بُكمٌ عُميٌ  فهم لا يعقلون.  وعندما تَكَشف لهم الدور الصهيوني في إنقلاب السيسي ،  ما كان جوابهم إلا أن قالوا هذا مجرد صدفة أو  ” تقاطع مصالح”. !  ففي نهاية المطاف لا صوت يعلو على صوت “المعركة” … ومعركتهم الحقيقية الآن هي مع الإرهاب ( الإسم الحركي للإسلام) وليس مع الكيان الصهيوني، الذي نجح في إقناعهم أنه هو ، أي الكيان  ، ضحية هذا الإرهاب الإسلامي  مثلهم ، ولا بد من التكاتف والتعاضد معه  لدرء هذا الخطر.  ولكنها  لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.

وفي سوريا في بداية الثمانينات من القرن العشرين،  قام نظام  حافظ أسد الطائفي ،  بإرتكاب مجازر دموية  و قتل مئات الألاف  من المدنيين في مدينة حماة  بدم بارد.  ولم يفرق سفاحو النظام  بين طفل وإمرأة ، أو بين حزبي وغير حزبي.  فقد قاموا بإستهداف المسلمين السُنة على أسس طائفية ، فدمروا مدنهم وأحياءهم.  كان واضحا في مجزرة حماة  1982 أن النظام قام  بالإنتقام  كنوع  من العقاب الجماعي بسبب تمرد قامت به جماعة الإخوان المسلمين،  وسط تعتيم إعلامي دولي وعربي مُخزي ومتواطئ. وإستخدم النظام الفاشي الطيران وسلاح المدفعية ،  وكل الأسلحة التي لم يستخدمها قط  ضد العدو الصهيوني، وحاصر المدينة  قرابة الشهر ،  وكانت التقديرات تشير إلى 20 ألف قتيل ( حسب روبرت فيسك) بينما قدرت منظمات سورية لحقوق الإنسان عدد الضحايا ب 40 ألف قتيل. (أنظر مجزرة حماة 1982) .

وإذا واجهت اليسارالقومي المزيف  بهذه الحقائق وهذه الجرائم ، يقولون لك هؤلاء  إخوان مسلمين أو متشددين أو سلفيين أو إرهابيين..!  مستخدمين بذلك الإسطوانة الأمريكية الصهيونية ، وذات الخطاب الإقصائي القذر. سبحان الله يا أخي ،   وهل الإخوان المسلمين ليسو بشر ؟  وليسوا سوريين وليسوا مسلمين ولا عرب ؟ ألا يحق لهم المطالبة بحقوقهم الإنسانية  والسياسية في الإعتقاد والتعبير والتدين ؟  ألا يحق لهم كغيرهم من الأطياف السياسية المعارضة أو الدفاع عن دينهم وشرفهم ومصالحهم ومكتسباتهم ضد نظام طائفي مجرم مغتصب للسلطة؟  وهل كل من شهد (أن لا إله إلا الله) فهو “إخوانجي” يجب إهدار دمه ؟ هل الذين قُتلوا في مجزرة رابعة عام 2013 على يد الإنقلابين ليسوا مصريين؟ هل كانوا كائنات فضائية هبطت على المجتمع  المصري من كواكب أخرى؟

في 14 أيلول / سيبتمبر 2018 أصدر القضاء المصري قرارا قضائيا بمصادرة أموال 1589 شخصا ينتمون إلى حركة الإخوان المسلمين ، وكان على رأس من صودرت أموالهم الرئيس الراحل محمد مرسي ومحمد بديع مرشد الجماعة ونائبه خيرت الشاطر وهو رجل أعمال ثري ، والقياديون محمود عزت ومحمد البلتاجي وصفوت حجازي وغيرهم. وتضمنت الأموال المصادرة 118 شركة  1133 جمعية و104 مدارس و39 مستشفى و62 موقعا إخباريا وقناة فضائية. في أي شرع وفي أي قانون وتحت أي دستور يُسمح بهذا؟.

ومن المفارقات العجيبة أن يتم  تعيين عمرو موسى ، المرشح الرئاسي لإنتخابات 2012 ، الذي جاء ترتيبه الخامس والأخير،  ليرأس لجنة وضع دستور جديد، بينما يوضع الرئيس الشرعي المنتخب الذي جاء ترتيبه الأول ، في السجن  ويتُرك ليموت نتيجة الإهمال الطبي ، وسوء المعاملة ومنع العلاج والزيارة.  ومن ثم يتم تفصيل  دستور على مقاس رئيس الإنقلاب ، يمنحه صلاحيات إله ( أيضا بحجة مكافحة الإرهاب) .   

جاء دستور عمرو موسى الأخرق ليمنح عبدالفتاح السيسي صلاحيات ملك مُتوج  لا يمكن  الإعتراض على قراراته عمليا.  فعلى سبيل المثال ، كانت إحدى بنود هذا الدستور المضحكة  أن الرئيس يُعين 50 عضوا من أعضاء البرلمان، أي 5% من عدد أعضاءه ،  في مهزلة دستورية غير مسبوقة. فالبرلمان الذي يُفترض أن يكون  رقيبا على السلطة التنفيذية ، ليكبح من تغولها ، ويمارس الرقابة  عليها،  يُعين من قبل رئيس السلطة التنفيذية نفسه . الأمر الذي لن تجده  في أي دستور من دساتير العالم، ولا حتى في دستور بوركينا فاسو أو بلاد الواق واق .

 ومن بنود الدستور المصري الجديد ( دستور عمرو موسى)  المضحكة الأخرى،  أن المحاسبة للرؤساء والوزراء و حملة المناصب العامة تشملهم هم فقط ، ولا تشمل أقرباءهم من الدرجة الأولى  ( أبناءهم أو زوجاتهم) ، بمعنى أن قانون “من أين لك هذا”  لا يُطبق إلا على حامل المنصب العام نفسه ، ولا يشمل أقاربه من الدرجة الأولى، في محاولة  واضحة مفضوحة لمأسسة الفساد  وفتح ثغرة  للفاسدين، بل لتشجيع الفساد.

ثم  عاد البرلمان الصوري المعين والمزور وعدًل الدستور  في عام 2019  وجعل المدة الرئاسية ست سنوات بدلا من أربعة ،  وبالتالي تنتهي فترة الرئيس الحالية عام 2024 بدلا من 2022 ،  ويحق للسيسي الترشح لست سنوات أخرى،  أي حتى عام 2030  وعيش يا قديش.  كل ذلك تم برضا وموافقة حركات اليسار المزيف ،  والناصريين  والعلمانيين الليبراليين بلا إستثناء،  الذين كانوا من أشد المعارضين  للرئيس مرسي  وكانوا اصحاب أعلى صراخ  وعويل على الإعلان الدستوري للرئيس الراحل محمد مرسي سنة  2013  . ذلك الإعلان الدستوري  الذي كان من المفروض أن يُحصًن منصب  الرئيس  “كمنصب ” ، بغض النظر عن الشخص. أين ذلك الآن من تغيير الدستور المصري برمته وتعديله حسب مزاج الرئيس في أي وقت. لماذا لم نسمع كلمة إعتراض واحدة؟

علما بأن كل هذه التجاوزات والتعديلات الدستورية لا تتم بمباركة داخلية فقط من الأحزاب والحركات إياها،   بل بمباركة وتحريض أمريكي خفي ،  بحجة منع الإسلاميين  من العودة إلى الحكم.  ولكن في الحقيقة هم  يريدون قتل أي بارقة أمل  في عودة أي نوع  من  أنواع  الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة إلى مصر، وإلى أي بلد عربي سواءا إسلاميين أو غيره.    فعندما سُئل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن رأيه  بعبدالفتاح السيسي، أثنء زيارة الأخير للبيت الأبيض  وصفه بأنه “ديكتاتور جيد”.  

دَعَم اليسار القومي في مصر والناصريين وغيرهم كما ذكرت ،  كل هذه الإجراءات غير الديمقراطية ،  وغير الوطنية ،  التي نفذها الإنقلاب وصمتوا عليها صمت القبور، على إعتبار أنها إجراءات ضرورية ، لابد منها لمواجهة “الخطر الإسلامي”  المتمثل بحركة الأخوان المسلمين والإسلام السياسي . فلا شيء يسمو على هذا الهدف ( ولا صوت يعلو على صوت المعركة )، و نجح الإنقلاب  في الصمود،  وبتمرير كل هذه الجرائم وتمرير كل السياسات المتصهينة ،  لأنه قدم نفسه للغرب وللعالم  كمنقذ لمصر من حكم الإخوان ، فهذا هو مبرر وجوده ( Raison d’etre).  فإسرائيل رسميا وعلنيا لم تعد العدو، بل الإسلام السياسي هو العدو المشترك لمصر وإسرائيل معا.  

 وفي العام 2020 حدثت الطامة الكبرى ، وحدث ما كنا نخشاه ونحذر منه  طويلا، عندما خذل هذا النظام مصر بتفريطه المخزي بمياه النيل  وفشله خلال أكثر من 6 سنوات من المفاوضات العبثية مع أثيوبيا من إدارة الملف و الحفاظ على حقوق مصر.    لقد أصبح واضحا أن عبدالفتاح السيسي أضحوكة  قيادية ، وألعوبة بيد الصهيونية العالمية ، وأنه رجلا فيه شركاءٌ متشاكسون ،  فهو مجرد خيال مآتة ( طرطور)  في لعبة الكبار أعضاء تحالف الخمس عيون ( Five eyes alliance) و العضو الشرفي إسرائيل.

 فَمَن هي أثيوبيا لكي تفرض إرادتها على أكبر دولة عربية ، وتهضم حقوقها التاريخية التي ضمنتها لها الأعراف والقوانين الدولية ؟   لقد تعامل هذا الإمًعة عبدالفتاح مع ملف سد النهضة الذي هو شريان الحياة لمئة مليون مصري،  بطريقة  صبيانية  بهلوانية ،  وفرط في الحقوق بطريقة مهينة.  أما موقف اليسار القومي المصري والعلمانيين المصريين من ذلك التفريط  والفشل الكارثي  فكان مثلهم  كمثل الرجل الذي قيل  له أن  زوجتك تخونك مع فلان،  فما كان جوابه إلا أن أعرب عن دهشته وإستغرابه أن فلان رجل سخيف وبخيل ، ألم تجد من تخونني معه  إلا هو.! لم يعد السؤال في موضوع سد النهضة ،  إذا كان هناك تفريط أم لا، السؤال هو هل كان هناك خيانة  أم  سذاجة وفشل ؟.  

الكاتب اليساري الناصري المخضرم محمد عبدالحكم دياب الذي قال في حكم الإخوان المسلمين ما لم يقله مالك في الخمر، وشتمهم ، وطعن في شرفهم وفي نزاهتهم،  عندما كانوا في مجلس الشعب ، وفي الرئاسة في مصر عام 2012-2013  و كتب مقالات مستفزة  في القدس العربي عام 2013  أخرج فيها كل أضغانه ، و نفث كل سموم  حقده عليهم  في فترة حكمهم التي لم تدم سنة.  كتب  مؤخرا عدة مقالات مطولة  وبإسهاب عن سد النهضة ،  مقال من ثلاث أجزاء نشر في  جريدة القدس العربي في يونيو 2020   ( لَت وعَجن)  عاد فيها بالتاريخ إلى عهد الفراعنة ،  ولكنه لم يجرؤ أن يذكر السيسي فيه بالإسم مطلقا ولو مرة واحدة  أو يلومه بكلمة واحدة… وإنما وضع جملة صغيرة في نهاية  مقاله الطويل على إستحياء ذكر فيها ” السياسة الرسمية المصرية” …وكأن الذي يحكم مصر هو “مؤسسة” وليس عميل فرد مستبد، في إستخفاف واضح بعقل القارئ العربي،  وفي موقف جبان سيسجل له للأجيال القادمة.

 ” وهكذا لم تكن فكرة بناء السد بمنع وصول مياه النيل إلى مصر ضربا من المناكفات المعاصرة، ولها جذورها التاريخية وهو ما ذكره المؤرخون عن “”الشدة المستنصرية”” التي سبق وأشرنا إلى وقوعها في العصر الفاطمي وقضاءها على آلاف المصريين ووقوف ملوك الحبشة وراءها ومنعهم وصول مياه النيل إلى مصر في ذلك الزمن. وقد تتكرر في زماننا هذا في ظل الضعف والتهافت الشديد التي تعاني منه السياسة الرسمية المصرية وعجزها عن حل مشاكل أبسط كثيرا من مشكلة المياه” ( محمد عبدالحكم دياب، القدس العربي 23 يونيو 2020).

الكاتب المحترم  يتعامل مع الكارثة كالذي يُحسس على قفا جارته ،  قال شو قال (السياسة الرسمية المصرية وعجزها عن حل المشاكل …)  هل قلت سياسة رسمية مصرية …؟؟  خجلان تحكي عبدالفتاح السيسي بالإسم ؟   هل تخاف أن يغضب عليك  كهنة المعبد أو تُغضب الصنم هُبل …؟  فعلا شر البلية ما يُضحك.  لم يكن هناك من داعي يا عبد الحكم دياب أصلا أن تعود بالتاريخ  إلى عهد الفراعنة والمماليك  وثمود و عاد  قوم هود ،  لكي تبرر خيبة رئيسك  وريث الأمجاد ، خليفة جمال عبدالناصر. كان يكفي فقط  أن تشير إلى تصريح الرئيس الراحل محمد مرسي رحمه الله عام 2013  الذي قال فيه بقوة وحزم وأمام العالم أجمع ، أن قطرة ماء من مياه النيل  ستنقص فمقابلها دماءنا….هل كان الرئيس مرسي والإخوان ليسمحوا بدولة قزم مثل أثيوبيا أن تستقوي على مصر وتهدد شريان حياتها وتسرق مياهها؟  سؤال برسم الإجابة يا يسار ويا ناصريين.

وليس محمد عبد الحكم دياب وحيدا بين الكتاب والمفكرين الناصريين والقومجيين في إلتماسه للأعذار  لنظام الإنقلاب الذي فرط بمياه النيل ، فمصطفى بكري البوق المعروف، وعبدالباري عطوان وغيرهم بالإضافة إلى أبواق النظام الإعلامية الرخيصة تقلل من أهمية  الأمر وتزين الصورة للمصريين ، وتُروج وتُهيئ الرأي العام المصري لما هو أسوأ،  ثم يلقون باللائمة على “التعنت” و”سوء النوايا” الأثيوبية …ولا يأتون على ذكر الصهيونية وأمريكا لا من قريب ولا من بعيد. وكيف يذكرون إسرائيل وهي حليفهم في مكافحة الإسلام.!  بل إن منهم من بلغت به الوقاحة والغباء حد أن يلقي باللوم على الرئيس مرسي. وذهب عبدالباري عطوان في مقالات عدة  نُشرت له في شهر يونيو 2020 في صحيفة رأي اليوم الإلكترونية إلى التقليل من شأن أزمة سد النهضة وإعتبر أن الأولوية لمصر هي الحرب في ليبيا ومواجهة تركيا في سرت والجفرة وليست سد النهضة الذي يحتاج إلى ثلاث سنوات لملء خزانه، على حد تعبيره.

 أخيرا وليس آخرا ، بعد أن كانت قوى اليسار المزيف ( حزب البعث، حركة القوميين العرب  وتفرعاتها) في بداية نشأتها  تبدي إحتراما كلاميا في أدبياتها  للإسلام ولنبي الإسلام العربي،  لزوم التقية .   إنقلبت الآن إلى بنادق مأجورة  وكشرت عن أنيابها ، في حرب مفتوحة على الإسلام.  ففي كل خندق معادي للإسلام يقف اليسار القومي العربي والعلمانيين ، متذرعين تارة بخلاف فكري وتارة بموقف وطني.   فبالنسبة لهذا التيار المُفلس،   فإن الإسلام السياسي هو المنافس والعائق الذي يحول دونهم ودون ما يشتهون هم وأشياعهم  للوصول إلى السلطة أو الإحتفاظ بمكتسباتهم الدنيوية من VIP cards ومناصب كرؤساء تحرير صحف وإعلاميين ورؤساء دكاكين وبسطات خضار سياسية وما إلأى ذلك.  

الإسلام السياسي أصبح الشماعة  الآن التي يعلقون عليها فشلهم المدوي طوال عقود. فقد وقفوا قلبا وقالبا  -ولا يزالون – مع النظام  القاتل العميل في دمشق ( الأسد الأب ووريثه القاصربشار الكيماوي) .   ووقفوا مع حزب فرنسا في الجزائر في قمعه لجبهة الإنقاذ الإسلامي في التسعينيات من القرن الماضي.  وفي مصر دعموا الإنقلاب الدموي لعبدالفتاح السيسي وأحتفلوا به ورقصوا له طربا، ولم تحرك مجزرة رابعة فيهم شعرة ، بل على العكس إعتبروها خسائر مؤسفة ( Collateral damage ) ، لا بد منها ، في معركتهم التي لا يعلو عليها صوت، ألا وهي معركتهم  ضد الإسلام السياسي.  ولا زال عبدالباري عطوان  يترحم على معمر القذافي وعلى علي عبدالله صالح، وعلى جمال عبدالناصر ويبكي على وريث الأمجاد  بشار الأسد، ويمارس طقوس العبادة والتقديس لتلك الأصنام ليلا نهارا في مقالاته وتخرصاته على اليوتيوب.

 وفي فلسطين،  يقف مرتزقة أوسلو  وعبيد التنسيق الأمني،  مع الكيان الصهيوني في حربه وحصاره التجويعي الجائر  ضد غزة المحاصرة،  مطالبين بكل وقاحة و بلا أدنى حياء أو خجل ، ودون أن يرف لهم جفن،  بأن  تسلم المقاومة الإسلامية أسلحتها البدائية  البسيطة  لسلطة التنسيق الأمني ،  وتعود إلى بيت الطاعة  إلى حضن السلطة التي يقودها محمود عباس وعصابة بطاقات ال VIP.  وتبريرهم لذلك هو،  ضرورة إنهاء الإنقسام وتوحيد المرجعية الفلسطينية ،  بينما هم في حقيقة الأمر يتبنون المطلب الصهيوني الأمريكي كلمة بكلمة.

ونتساءل ، هل إنهاء الإنقسام لا يكون إلا بتسليم المقاومة الفلسطينية سلاحها الهزيل أصلا؟ وهل ما تملكه حماس من أسلحة بدائية  للدفاع عن نفسها يعتبر سلاح أو ترسانة سلاح بالمقارنة بما تملكه إسرائيل؟  لماذا تخشى إسرائيل سلاح المقاومة الهزيل وهي التي تملك من القوة التدميرية مئات أضعاف ما تملكه المقاومة في غزة؟ أم أن المطلوب أن تقدم المقاومة الفلسطينية رقابها ليهود كالخراف لكي يرضى عنها السيد الأمريكي الصهيوني؟ ويتصدق عليها ببعض فتات سلام ويسمح لها بتنفس الأكسجين؟.

لا يفتأ اليساريون العرب بالمناداة من على كل المنابر جهارا نهارا إلى عدم  “زج الدين”  في الصراع  مع  الكيان الصهيوني .  وان على المقاومة أن لا ترفع  شعارات دينية ، بحجة أن هذا الأمر  يُسيء  للقضية  الفلسطينية في العالم ، ويخسرنا تعاطف الغرب ( قال يعني). السؤال الذي يطرح نفسه هو :  وما شأنكم أنتم بشعارات المقاومة الدينية ؟ وهل يتدخل أحد في في شعاراتكم ؟ هل المطلوب أن نتصدى للهجمة الصهيونية والغربية على بلادنا بشعار واحد وموحد ومتجانس ،  تختارونه أنتم ؛ مثل وحدة حرية إشتراكية ، أو أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ؟ وعندما نودع  شهدائنا علينا  ندعو له بالمجد والخلود لا بالجنة والمغفرة ؟  ثم من هو هذا الغرب الذي تريدوننا أن نكسب تعاطفه ؟ الغرب الذي غزا العراق ودمره وأهلك حرثه ونسله؟  الغرب الذي خلق الإرهاب وخلق داعش في سوريا والعراق والقاعدة في أفغانستان؟  أم الغرب الذي دمر سوريا وليبيا واليمن ولبنان؟  

ولأن الشيء بالشيء يُذكر ، من حقنا كمسلمين ( وليس كإسلاميين) أن نتساءل هل اليسار في أمريكا وفرنسا وبريطانيا يلعب دور الطابور الخامس ضد حكوماته اليمينية عندما يخسر الإنتخابات؟   أم يدين بالولاء والإخلاص لوطنه بغض النظر عن الحاكم ؟ هل تحالف السيناتور اليساري  بيرني ساندرز(  Bernie Sanders)  مع روسيا أو الصين ضد الرئيس دونالد ترامب اليميني الكريه ، أو ضد منافسه في الحزب الديمقراطي جو بايدن Joe Biden  لكي يشكل معارضة له ويطيح به ويتمرد عليه ويفوز هو بترشيح حزبه أو بالإنتخابات؟

عندما يجعل البعض من أنفسهم  ثغرة و رأس حربة لأمريكا في عداءها للإسلام ، ويوجدون لها الأعذار و المبررات لمحاربته . وعندما ينبري بعض الجهلة  بمهاجمة أعلام وعلماء  مسلمين أجلاء كالإمام البخاري  وشيخ الإسلام إبن تيمية ،  ويدعون أن فكر وفتاوى إبن تيمية هي سبب الإرهاب الذي تمارسه داعش والقاعدة ( صنائع السي آي إيه)، وبالتالي يجب إدانتها ونبذها، وإستئصالها فهم طابور خامس. نقطة على السطر

لأنهم يقفون ضد إجماع الأمة وضد علماءها وضد إرثها الحضاري والفكري.  وعندما يطالب بعضهم بعدم الإعتماد على صحيح البخاري ،  وهو أصح كتاب بعد القرآن عند أهل السنة والجماعة  بإعتبار أنه كتاب غير موثوق،  وأنه كُتب بزعمهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بمئتي عام ،  فهم  بذلك يفضحون  جهلهم  وسذاجتهم  وسطحية  تفكيرهم،  ويقعون في المحظور ويتبنون مواقف المستشرقين من أعداء الدين والملة. ويضحكون على عقول السفهاء من الناس، بسفسطة كلامية وضحالة فكرية لا مثيل لها. ولو أنهم تحروا الصدق والأسلوب العلمي في البحث والتقصي والتمحيص لما ذهبوا هذا المذهب.

 والأمر المُضحك  في نهج القوميين واليساريين وطريقة تفكيرهم العقيمة،  أنهم لا يعتمدون على الشريعة الإسلامية  أصلا  كمصدر لفكرهم وفلسفتهم السياسية ، ولا يعترفون بها في شؤون الحياة.  فإذن ، ما لكم ومال شيخ الإسلام إبن تيمية ، وما لكم ومال صحيح البخاري،  فأنتم لا تستمدون أفكاركم لا من صحيح البخاري ولا حتى من القرآن الكريم ذاته ( شو اللي عاصص على ذنبتكم إذن ؟) هل إذا تخلينا عن صحيح البخاري وعن فتاوي وإرث إبن تيمية وذكرنا الله بالقرآن وحده ستتبعوننا ؟

نصيحتي لكم يا يساريين  لا تَذَرُنَّ ماركس وأنجلز ولينين وتروتسكي وماو تسي تونغ ولا جمال عبدالناصر ولا ميشيل عفلق وجورج سعادة  وقسطنطين زريق. ولكن ذرونا نحن  وشأننا لا نريد مساعدتكم في جهادنا ، فقط لا تطعنوا في عقيدتنا.  

ندعو لكم بالهداية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى