مقالات

التطبيع الذي كنا ننتظره…

عماد العبدلي

محام وناشط حقوقي وسياسي
عرض مقالات الكاتب

تحاول الدعاية السوداء للإمارات العربية والمتحدة أن تصور خروج تطبيعها الكامل مع المحتل الصهيوني إلى العلن كحدث مهم وتصل بها الصفاقة أن تصور هذا التطبيع كإنجاز للمنطقة.
إلا أن المتتبع اليقظ للأحداث يدرك أن هذا “الحدث” ليست له من صفات “الحدث” إلا الاسم لان دويلة الإمارات العربية المتحدة كانت ولا زالت منذ قرابة العقدين على اقل تقدير بوابة لخدمة مصالح كل القوى الأجنبية المتكالبة على الأمة ولم يعرف عنها أنها معنية بتحقيق تطلعات شعوب المنطقة.

فالجديد فقط فيما حدث من إعلان التطبيع الكامل للعلاقات مع الكيان الصهيوني هو نزع ورقة التوت عن العري القيمي والأخلاقي والحضاري الكامل للإمارات كدويلة مغلقة دموية في الداخل لا تلقي أي أهمية للحد الأدنى من حقوق مواطنيها و ذلك بأبشع مما يحصل في اعتى الديكتاتوريات، وخارجيا كدويلة مكلفة بمهمة إحداث شرخ في بنية الأمة العربية والإسلامية ووحدتها وتماسكها من خلال دعم كل مشاريع الانقلاب (مصر) والفتن (تونس والجزائر والمغرب والسودان) والحروب الأهلية في ليبيا واليمن وسوريا.
وفي ظل تراجع اقتصادها بفعل تضافر عوامل عديدة (أهمها بعد جائحة كورونا ما أنفقته من أموال طائلة على مغامراتها العسكرية و الاستخباراتية الفاشلة في أكثر من دولة : فلسطين، تركيا، ليبيا، سوريا، اليمن، العراق، تونس، المغرب، عمان، قطر, الصومال، و القائمة تطول…)، فان هذا الإعلان (الذي يفترض خاصة انتصار ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية وهو ما يعد مقامرة سياسية بكل المقاييس) يوشك أن يعمق من هذه الخسارات المتلاحقة لأنه سيلغي أي دور يمكنه أن تلعبه هذه الدويلة “المارقة” (بمقتضى القانون الدولي و الإنساني) في مستقبل القضية الفلسطينية لأنها ستعمق من جهة من خلافاتها مع المملكة العربية السعودية الراعية للمبادرة العربية ولأنها ستؤكد لمن بقي مترددا من الفلسطينيين أنها تخدم عدوهم لا أكثر.
و في الحقيقة، فان الهدف الرئيسي من توقيت وشكل الإعلان (إعلان ترامب عنه) هو خدمة الوضع السياسي المتهرئ لترامب (الذي صار بجدية يخشى خسارة الانتخابات الرئاسية القادمة) و نتنياهو الذي يحاول التمديد قدر الإمكان من فترة ترؤسه للحكومة للهروب من المتابعات القضائية. فتغريدة الرئيس الأمريكي على تويتر كانت واضحة “اختراق ضخم اليوم (..)، اتفاقية سلام تاريخية بين صديقين عظيمين، إسرائيل والإمارات العربية المتحدة”.

ولذر الرماد على العيون أكد الحاكم الأوحد للإمارات محمد بن زايد لوكالة الأنباء الإماراتية الرسمية “وام”، أنه تم الاتفاق على إيقاف ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية خلال اتصال هاتفي مع ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأكد وزير خارجيته بان هذا التطبيع يهدف للحفاظ على فرص حل الدولتين ، وذلك للإيهام بان هذا التطبيع يخدم مصالح المنطقة وقضية فلسطين، و الحال أن المعنيين بالأمر مباشرة وهم الفلسطينيون توافقوا، بالرغم من عمق الخلافات فيما بينهم، على التنديد الشديد بهذه الخطوة التي لا يخفى إلا عن الغافلين أهدافها وغاياتها الحقيقية.

ولذلك فان “الصدمة” المقصودة من هذا الإعلان (الاختراق بلغة ترامب) للثلاثي الأمريكي الصهيوني الإماراتي كانت في أحسن الحالات صدمة محدودة الأثر ودون أي اختراق يذكر (اللهم إذا اعتبرنا إشادة السيسي بهذا الإعلان حدثا ؟؟؟) لان التجاهل و التشكيك و التنديد هي السمات الغالبة لتفاعل قوى المنطقة مع هذا الإعلان.

والأرجح أن هذا الإعلان هو مقابل مباشر لالتزام أمريكي / “إسرائيلي” بحماية عرش محمد بن زايد (الحليف الأوثق في المنطقة) ضد أية مفاجأة داخلية (لا يوجد أي تأكيد على أن بقية “الإمارات” الإماراتية قد استشيرت بشان هذا الإعلان أو أنها موافقة عليه) أو خارجية في ظل الارتدادات الخطيرة للانكماش الاقتصادي على البنية الهجينة لهذه الدويلة واحتمالية عدم قدرتها على توفير نفس “الرخاء” لمواطنيها بما قد يفتح الباب على تململ اجتماعي ذو صبغة اكبر من مطلبية اقتصادية، واستتباعات صراعها المفتوح مع تركيا في أكثر من مكان خاصة بعد أن أعلنت تركيا أنها لم تعد معنية بالاستمرار في سياسة ضبط النفس وأنها سترد على مؤامرات الإمارات المتلاحقة ضد أمنها القومي.

انه التطبيع الذي كنا ننتظره لأنه تطور طبيعي لمسار دويلة اختارت في الشكل كما في المضمون أن تتخلى عن موروثها الحضاري الخليجي و العربي و الإسلامي و أن لا تترك بابا للفتنة إلا ولجته و أن تعمل كممثل غير معلن للمصالح الصهيونية في المنطقة، ولذلك فالأفضل لشعوب المنطقة أن تسقط عنها ورقة التوت التي اهترات ولم تعد تخفي شيئا.

ولذلك لا بد من العمل على إبقاء هذا الإعلان في حجمه الحقيقي (تغريدة تويتر من ترامب) ستنسى مع كل تغريداته التي ضجر العالم من صلفها و تفاهتها وتعارضها مع المشترك القيمي الإنساني من الحرية و الديمقراطية وحق تقرير المصير وإدانة الاحتلال وحماية الحق في الأرض بقيمة العدالة و ليس بقوة القهر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى