بحوث ودراسات

“رحلة الدَّم”: تدوين صحيح السُّنَّة وحقيقة الصَّحابة من وجهة نظر الشيعة – 2 من 5

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

يبرز الكاتب معاونة الأقباط العرب في فتح كان يرجع إلى رغبتهم في ممارسة شعائرهم الدينية بعيدًا عن تهديد الرومان، فوجدوا في التحالف مع ابن العاص سبيلًا لاستعادة الأمن الديني (ص178). ويعود إلى السخرية من مشهد الفتح الإسلامي، وإظهار أنه نتيجة خيانة الروم الذين سلَّموا مصر للعرب وأمروا جنودهم بالاستسلام دون قتال (ص183).

يتبع ذلك وصف لمباركة الخليفة عمر بن الخطاب لفتح الإسكندرية بطريقة ساخرة تظهر وكأن الدعاء بالمباركة في المال والخير، فلهذا فُتحت (ص194)، وتبادل السباب واللعان بين الصحابة، وخاصة النعت بالكفر والجهل (ص197)، وابتعاد الصحابة عن جوهر القرآن الكريم وحرصهم على الأبهة والاستعراض (ص199)، وانشغال الصحابة بجمع الغنائم وتنازعهم على المتع الدنيوية، مما أثار امتعاض بعضهم، ذلك لإثبات أن مصر لم تُفتَح إلا لذلك (ص201). ويستخدم الكاتب رسالة من الخليفة عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص يستبطئ فيها الخراج على أنها دليل على انتظار الأول المال والغلة من مصر لسد حاجة أرض الجزيرة، فأرض مصر واسعة وخصبة وتنتج الكثير من الثمار، على عكس الجدب والقحط في الجزيرة (ص206).

يتحفنا الكاتب بالإشارة إلى غضب ابن العاص من ابن الخطاب لاتهام الأخير الأول بعدم إرسال القدر العادل من أموال الخراج، وتفضُّل ابن العاص على ابن الخطاب بأن ذكر أن أباه كان أغني من أب الثاني (ص218)، ثمَّ ضجر ابن العاص من تضييق ابن الخطاب في جمع الخراج، كون الأول لا يسعى إلا إلى جمع الأموال بلا رقابة، وكأنَّه هو المستفيد الأول من مقتل عمر، دون ذكر أي شيء عن تفاصيل مقتله على يد المجوسي أبي لؤلؤة (ص219).

يتجدَّد اللعب على وتر استحواذ العرب على خيرات مصر بعد الفتح، في حين كانوا يعتقدون أنَّ تخلصهم من الروم كان سيعيد مصر إلى شعبها (ص323).

يتعمَّد المسلمون إفساد مراسم عودة أب الأقباط بنيامين برفع الأذان بصوت مرتفع، في إشارة جديدة إلى فشل مساعي المسلمين لتحريف الأقباط عن عقيدتهم من خلال محاولات عبثيَّة (ص324).

ويدَّعى الكاتب استباحة جنود دولة الخلافة الإسلاميَّة أعراض نساء الأقباط، والتطرق إلى نزول المني أثناء النوم، والاستغفار من خلال تحطيم بعض التماثيل الأثريَّة، اعتراضًا على تجاهُل ابن العاص وابن أبي سرح لها (ص328).

يدور جدل حول الاستعانة بالقبط في أول معركة بحرية في الإسكندريَّة، خوفًا من لوم المسلمين على والي مصر لاستعانته بـ “الكفرة” في القتال، ثم إبداء أنَّ موافقة بابا الأقباط على ذلك أهم من موافقة المسلمين وخليفتهم، ثم الاستهزاء بعقيدة الشَّهادة عند القتل في المعارك (ص401).

ويأتي من جديد تلميح إلى خسَّة الصحابة ونذالتهم بجمعهم الخراج من قوت الأقباط كي يكدسوا به بيت مال المسلمين، وذلك في حوار بين بن أبي حذيفة وعبد الله بن أبي سرح (والي مصر) عرَّى فيه كل منهما الآخر وفضح عيوبه، مع التأكيد على أنَّ همَّ الصحابة الأول لم يكن سوى “الدنيا”، وينتهي الحوار بسبِّ ابن أبي حذيفة وتذكيره فضائل عثمان الذي ربَّاه (ص377).

وحينها يجاهر رجل قبطي بحنقه تجاه ما فعله العرب في مصر، فبعد نهب خيرات أهلها وإفقارهم، يريدون منهم العون في المعركة البحريَّة (ص402). أما رأس القبط، فهو لم يمانع معاونة العرب؛ كونهم أقل خطرًا من الروم، مع الإشارة إلى عجز العرب بدون تلك المعاونة وإمكانية فشلهم بسبب عدم قدرتهم على العوم (ص403).

يستعرض الكاتب بسالة الجنود القبط وتعدد مهاراتهم الدفاعية وأساليبهم القتالية، مع اقتصار دور المسلمين على التهليل والتكبير، ثم افتخارهم بنصر لم يحرزوه هم في “معركة ذات الصواري” (ص415).

المدينة المنوَّرة: عاصمة للفحشاء والتَّهافت على متاع الدُّنيا

يتعمَّد إبراهيم عيسى إظهار شخصيَّة عبد الرَّحمن بن مُلجم المرادي، قاتل الإمام عليٍّ بن أبي طالب، كأنَّه كان عفيف النَّفس، شديد التعلُّق بكتاب الله، ولم يُفسده سوى ما رآه من انحلال أخلاقي لدى الصَّحابة، ممن أظهرهم الكاتب باتِّباع الشهوات على حساب شريعة الله المنزَّلة على رسوله (ﷺ). ومن أبرز أمثلة الانحراف الأخلاقي التي حرص الكاتب على تكرارها نموذج شخصيَّة الصَّحابي عمرو بن العاص، مثال النفعيَّة والانتهازيَّة وحبِّ الإمارة، ولو على حساب أمن الأمَّة المسلمة. ابن العاص، في عيون عيسى، ابن امرأة غانية، احترفت الزِّنا، بل وبتسهيل من أبيه، الذي كان يستجلب لها الرجال. من هنا، يسبُّ الصحابي جبلَّة بن عمرو الأنصاري عمرو بن العاص، وتباهيه بأنَّ شهد أُحد مع الرسول، بينما كان الثاني لم يزل على كفره. ينعت جبلَّة عمرو بن العاص بـ ‘‘ابن النَّابغة’’، معايرًا له بانفلات أمِّه في الجاهليَّة وفسقها، والمثير للدهشة أنَّ عمرو لا يغضب لسبِّ أمِّه (ص109).

ثم يأتي ترديد أقاويل عن أم عمرو بن العاص وتظهرها بالفسق والخلاعة، بل ووصل الأمر إلى حدِّ اتِّهام والد عمرو بأنَّه ديُّوث، كان يبيع شرفها لرجال قومه في مقابل المال (ص135).

يتجدَّد اللعب على وتر أنَّ ابن ملجم هو صنيعة الصحابة بما رآه منهم من نفاق واستغلال، وإظهار اقتناع ابن ملجم بضرورة الخروج على عثمان لمحاباته أبناه عمومته “بني أمية” وتوليتهم على أهم المناصب واستئثاره وإياهم بأفضل الفرص، وكأنَّ عثمان هو من أفسح أمام معاوية الطريق كي ينقض على الخلافة بعد مقتل علي بن أبي طالب، في حين كانت غيرتهم ورغبتهم في السلطة والمال وراء الفتنة (ص444)، مع إظهار تمسُّك ابن ملجم بالقرآن الكريم وتعاليمه، بعيدًا عن السنَّة النبويَّة (ص446).

يتعمَّد عيسى إظهار استخدام ابن العاص المال لاستمالة من بإمكانهم الإطاحة به من بطانته، واقتصار عمل المسلمين على الخدمة العسكرية وقت الاستدعاء، دون العمل في الزراعة، أي أن وظيفتهم هي نهب الخيرات التي يزرعها سكان الأرض من الأقباط (ص208)، ونعت المسلمين الأقباط بالكفار فور تمكُّن العرب من أرض مصر، والتعامل معهم عن قرب بغرض إجراء المشاورات السياسية (ص211).

يُظهر إبراهيم عيسى المدينة المنوَّرة، عاصمة الدَّولة الإسلاميَّة الفتيَّة ومقرّ الخلافة الرَّاشدة على منهاج النُّبوَّة، وكأنَّها كانت مدينة لاتِّباع الشهوات، متَّخذًا من شخصية امرأة تُدعى حُبى وسيلته لذلك. كانت مهمة تلك المرأة هي تعليم نساء المدينة المنورة فنون اجتذاب الرجال بعد أن “صار للزوج بدلًا من الجارية عشر”، بما فيهن زوجة الخليفة ابن عفان (ص220).

ويأتي تصوير المدينة المنوَّرة وكأنها صارت مرتعًا لإشباع الشهوات الحسية، وانصراف المسلمين إلى اللهو والمجون (ص222)، وظهور جيل أبناء الصحابة الذين كبروا على الرغد النابع من خيرات غزو البلاد التي تأتي عليهم بخراجها، والذي تربُّوا على عقيدة القتال وسفك الدماء باسم الدين لإشباع متع حسية (ص223). ويأتي وصف تفاصيل ليلة زواج الخليفة ذي النورين من نائلة بنت الفرافصة، وحرص العروس على إفتان زوجها بمساعدة حُبى، والتطاول على الخليفة بوصف صلعته وشوقه الشديد إلى النساء (ص228).

يتطرق الكاتب بعد ذلك إلى معاناة اليهود في المدينة المنوَّرة، متجسِّدين في شخصيَّة نعثل، الذي يُشَّبه الخليفة عثمان بن عفَّان به، على يد عُمر بن الخطَّاب، من قتل وتشريد، ومن قبله رسولنا الكريم-حاشاه عن أي ظلم-واستغلال قصته في التلميح إلى تحريض عائشة على قتل عثمان بما كانت تبثُّه ضده من الأقاويل التحريضيَّة (ص300). يصف عيسى وحشيَّة المسلمين تجاه اليهود في غزوة خيبر، في إشارة إلى عدم تسامُحهم مع أصحاب الديانات الأخرى (ص302).

يتطرَّق عيسى من جديد إلى تجريد عمرو بن العاص من مكانته العسكرية، بادعاء أنَّه لم يكن أبدًا محاربًا وبأنَّ سعيه الأول لم يكن إلا من أجل الإمارة والسلطة (ص379-380).

ويصف عيسى المدينة المنورَّة من جديد بشيوع اللهو والمجون بدخول السبايا إلى بيوت جميع سكانها ممن تنعموا بنساء لم يروا لهن مثيلًا من قبل، مع العودة إلى وصف العلاقات الجنسية بأسلوب فج (ص455).

ويصف عيسى ظهور القيان في المدينة، وأبرزهم الخصي طويس الذي أسر القلوب بعذوبة صوته، وقد كان الوليد بن الخليفة عثمان من معجبيه (ص457).

يكرر عيسى تصوير مشاهد الجماع باستخدام ألفاظ تخدش الحياء، وكأنَّ الكاتب يقصد إثارة القارئ لإقناعه بمدى تلهُّف الناس على الجنس في تلك الآونة، خاصة وأن حُبى ترى أنَّ بانتشار النساء من كافة الأقطار في المدينة بوصفهن جواري وسبايا كفيل بإسعاد أهلها وانتهاء بعضهم لعثمان وحُكمه. ومن جديد، يقارن الكاتب بين موقف حُبى، التي لا تبحث عن شيء أكثر من إمتاع “ما بين فخذيها”، وأم المؤمنين عائشة-كما يصفها هو (ص529). وفي انشغال الوليد بن عثمان عن نار الفتنة بحفلات لهو وسمر يحييها طويس بالغناء، تبرير لعدم أحقيَّته بخلافة أبيه (ص530).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى