مقالات

مرفأ بيروت الجريمة الهائلة

محمد سعيد سلام

سياسي سوري
عرض مقالات الكاتب

كارثة كبرى تحل بإحدى العواصم العربية بيروت، فتصيب مئات الآلاف فتشردهم خلال ساعة من نهار بعد خراب ودمار منازلهم، وتخلف آلاف الجرحى الذين لم تستطع مستشفيات العاصمة استيعابها، وعشرات القتلى إن صدقت رواية المتسلطين، ودون تقدير للمفقودين .
كارثة ضخمة تأتي على مرفأ بيروت الشريان الاقتصادي الأهم في لبنان، ويعتبر من المرافئ الأكثر أهمية في الحوض الشرقي للمتوسط والذي يعود تاريخ إنشائه إلى حوالي مئة وثلاثين عاما، ويربط قارات ثلاث .
ترتبط هذه الكارثة الأليمة التي أصابت أبرياء كثر بكوارث المنطقة الحالية والسابقة ارتباطا وثيقا من خلال التعالي على أسبابها الجوهرية المتمثلة في العصابة الطائفية المتسلطة والمتحكمة بلبنان والتي تتلاعب بمصيره، كما ترتبط بمعارضة تقليدية تلوينية هزيلة .
سأتناول هذه الكارثة من خلال الربط بين المحلي اللبناني والإقليمي والدولي من جهة باعتبار تكامل الأدوار فيما بينهم، وبين الإرادة الشعبية التي تهدف إلى التغيير السياسي الحقيقي من جهة ثانية، والتي تحتاج إلى تعميق وترسيخ من حيث رؤيتها والوعي بها وآلياتها؛ وما يصدق على لبنان في توصيف هذه الكارثة ومآلاتها هو عين ما يصدق على دول الربيع العربي وسائر المحيط الإقليمي .
في صبيحة اليوم التالي للانفجار الخامس من آب خرج دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة ليقول بشكل مباشر على طريقته : ” التقيت مع بعض جنرالاتنا العظماء وأبلغوني بأن الانفجار لم يكن نوعا من أنواع المفرقعات أو الألعاب النارية، وأبلغوني بأن الانفجار لم يكن نوعا من أنواع المتفجرات المصنعة، فبحسب رأيهم، وهم يعرفون أكثر مما أعرف، فإنهم يعتقدون أنه كان هجوما وكانت قنبلة من نوع ما؛ تربطنا علاقات جيدة بالشعب اللبناني، وسنكون هناك لنجدتهم، يبدو وكأنه هجوم فظيع “
وكان ذلك ردًًا على سؤال وجه إليه، ثم ناقضه وزير الدفاع مارك إسبر بأن الانفجار الذي وقع في بيروت كان حادثا أي ليس هجوما بحسب الرئيس .
ورفض متحدث باسم وزارة الدفاع التعليق على تصريحات رئيسه ترامب،
ثم نقلت المحطة الإخبارية الأميركية CNN عن ثلاثة مسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية نقضهم لتصريح رئيس الولايات المتحدة حين نفوا وجود إشارات تفيد بأن انفجار بيروت كان هجوما .
يوضح هذا الانضباط في لجم الرئيس انسجام المؤسسات الأميركية تجاه ما يحدث في منطقتنا عموما من حيث الحفاظ إلى أبعد مدى ممكن على النظم الحاكمة أو المتحكمة لأن بديلها الحقيقي ليست الراديكالية كما يروجون والتي سهلوا لها العبور والتموضع والدعم؛ إنما النسيج الشعبي القادر على إدارة شؤونه وتصدير مواقفه والاستفادة من ثرواته ورسم معالم مستقبله .
هكذا كان التعامل الأميركي مع الجريمة الكيماوية عام 2013 في دمشق وغوطتها، تلك الجريمة المروعة، وهكذا تم تحبير قرارات الأمم المتحدة بشأن إبادة الشعب السوري لتسكن الأدراج وتستمر المجازر تلو المجازر بحق مريدي الحرية والكرامة، وكذلك ابتدع مسار أستانة المشؤوم بإشرافهم ومراقبتهم، ثم قانون قيصر الهادف علنا لتعديل سلوك ” النظام ” فقط بعد عشر سنوات من التوحش الذي تستنكره الوحوش الضارية .
ومثل ذلك حين أشرف الأميركي وأتاح تجويع اليمنيين بعد ثورتهم السلمية، وأباح تشريدهم وقتلهم شر قتلة .
وقد سارع الإقليمي بعد الكارثة العظمى التي حلت ببيروت ليقوم بدوره الوظيفي التسكيني لامتصاص الصدمة، فقد أبدى الجميع بما فيهم عصابة الملالي في إيران والكيان الصهيوني استعدادهم لتقديم المساعدات الإنسانية وتضميد جراح الضحية، دون الالتفات إلى العلة السياسية والفئة الطائفية وممارساتها الإجرامية .
وجاء المحتل الفرنسي القديم ليلتقي بوكلائه المجرمين ويضرب حولهم طوق حماية، وتعهد بالمساعدات الإنسانية المباشرة دون أن تصل إلى يد المفسدين، وأنه لا بد من ” ميثاق وطني جديد ” أي تجديد الميثاق السياسي الذي وضعه منذ سبعة عقود، وساهم في تكريسه في الطائف منذ ثلاثة عقود .
ويخاطب ماكرون وجها لوجه عينة جماهيرية بتفاعل ملحوظ وحماس ظاهر كأنه المنقذ للشعب الذي سيرعاهم ولن يتخلى عنهم .
كم تذكرنا هذه الزيارة بزيارة روبرت فورد إلى حماه السورية ولقاء الجماهير الثورية ليعاين الوضع عن كثب، ويقوم بالرعاية اللازمة لمن سيقتل الشعب وينكل به، ويمنع أي إرادة شعبية في المنطقة .
وسوف تتحرك الجامعة العربية فورا لتمارس دورا مرسوما .
وسينقسم الإقليمي إن تطورت التحركات الشعبية إلى شطرين أو ثلاثة، يتولى كل شطر منهم دورا داخليا معينا، وفئة محددة .
أما محليا فلن تجرؤ المعارضة اللبنانية التقليدية المشلولة على الإقرار بانتهاء دورها ومواجهة الحقيقة ومصارحة الشعب بأن أدواتها وتحركاتها تخدم الإقليمي والدولي، ولا تصب في مصلحة الشعب اللبناني، وذلك عندما تتحول المسألة السياسية من إجرام عصابة حاكمة تقوم بكل ما يمنع تحقيق الانتقال السياسي، وبكل ما يحول دون ترسيخ السيادة والكرامة الشعبية وإدارة الموارد والثروات ذاتيا، وتجذر الفساد والاستبداد؛ إلى فئة حاكمة شرعية وأخرى معارضة لها بحاجة إلى رعاية ووساطة خارجية .
ولا يغير من حقيقة هذه العصابة الطائفية وشركائها المتحكمين باللبنانيين سواء كان هذه الكارثة تفجيرا مفتعلا، أو نتيجة إهمال، ولا معنى أن يكون التحقيق داخليا لأنه سيكون بإشراف المجرمين، أو خارجيا لأنه سيكون برعاية المحتلين .
قدمت الثورة السورية وعيا سياسيا متقدما للمحيط الإقليمي لكنها لم تستطع تأطير هذا الوعي عمليا من خلال ثلة سياسية تنتمي إلى النسيج، ولا تسمح للإقليمي أو الدولي الإشراف على تشكيلها .
وأعتقد أن هذا الأمر السياسي المفصلي هو عقدة المنشار عند الجميع في المنطقة، وهو ليس سهلا كما يظن بعضهم، وليس مستحيلا كما يصر آخرون، أغلبهم مرتهنون .
وإن عملية التغيير في المنطقة بأكملها لا يمكن أن تتم وفق الشروط والإرادة الشعبية إلا من خلال فرض خياراتها في تحقيق الانتقال السياسي على جميع الإقليمي والدولي، وإن أي ثقة أو انحياز إلى إقليمي ما، أو إلى الدولي الأميركي يعني استبدال عصابة بعصابة مماثلة، أو أكثر سوءا وإن ترجيح منطق التعقل – الواقعية السياسية – وتهدئة الأمور يفضي إلى مزيد من الدمار والتشريد والقتل .
هذه عصابات حكم لا يصلح معها إلا اقتلاعها من الجذور لأنها بنيت وتأسست على النتن والإجرام والتوحش، وهي مترابطة مع بعضها ضمن نسق إقليمي مدعوم من قبل مشغلهم الأميركي وهيهات هيهات إمكانية إصلاحها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى