مقالات

قنابل لبنان البشرية

منذر فؤاد

كاتب ومدوّن يمني
عرض مقالات الكاتب

ربما لم يشهد لبنان كارثة في العقود الأخيرة، أشد ضررًا من انفجار بيروت الذي حصد مايزيد عن 150 قتيلاً وآلاف الجرحى ومئات ألوف المشردين، وفق الاحصائيات الأولية، فضلا عن تدمير هائل طال ممتلكات المواطنين ومنازلهم، على أن هاته الكارثة تبقى أقل ضررًا من القنابل البشرية ممثلة في الطبقة السياسية التي تحكم البلد، وميليشيا حزب الله الذراع الإيرانية التي أنهكت الشعب وشكّلت دولة داخل الدولة.

لقد كانت كارثة بيروت الأخيرة، أصدق تعبير عن المدى الذي يمكن أن يصل إليه الإهمال والتقصير المتعمد من جانب مسؤولي السلطة الكبار أولا، والصغار ثانيا، لكن الملاحظ أن التحقيقات الأولية تتجه إلى ساحة الصغار، وهذا يعني أن المعنيين بالأمر يبحثون عن أكباش فداء لا عن الحقيقة.

هناك شبهات وأسئلة كثيرة أثارتها وسائل الإعلام، بشأن 2750 طن من نترات الأمونيوم، وعن مصلحة مسؤولي لبنان في تخزين هذا الكم المهول منها، رغم علمهم بخطورتها، وتلقيهم تحذيرا بهذا الخصوص من قبطان السفينة التي أقلت الشحنة؟ وهذا يقودنا إلى سؤال آخر عما إذا كان الانفجار ناجم عن الشحنة بكاملها، أم أنه جرى نقل بعضها أو استخدامها من قبل الذين أصروا على الاحتفاظ بهذه الشحنة لسبع سنين؟ ثم إن توقيت الانفجار الذي تزامن مع قرب إعلان المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري عن قرارها، يثير شبهات حول تورط ميليشيا حزب الله في هذا الانفجار إذ إن له وجود في المرفأ مهما نفى ذلك، أو محاولة توريطه من قبل خصومه، وفي كل الأحوال فإن الجريمة يجب ألا تتحول إلى استثمار سياسي.

من يحكمون لبنان اليوم، ليسوا سوى قنابل بشرية تسببت بإزهاق أرواح ألوف اللبنانيين وتعكير صفو حياتهم، أكان من خلال الحرب الأهلية المدمّرة، أو من خلال سلطة الحكم الطائفية التي منحت المجرمين السلطة، بعد مصالحة بينية، استثني منها الشعب، وبهذا صودر مبدأ المحاسبة، وأصبح القضاء خاضعا للإرادة السياسية والتوافق السياسي.

بالنسبة لميليشيا حزب الله، فقد اشتد عودها حتى أضحت هي المتحكم الفعلي بلبنان كما يرى كثيرون، وتحوّل سلاحها الذي شرعنته اتفاقية الطائف 1989، إلى آلة قتل إيرانية عابرة للحدود، وبواسطته ذبح آلاف السوريين، وتحولت حياتهم إلى جحيم، وأصبحت مسميات المقاومة والممانعة عندما تلصق بحزب الله، أشبه بإلصاق اسم النجمة على عاهرة تعيش حياتها في الحضيض.

ختامًا، لو لم يكن هناك قنابل بشرية تمسك بزمام الأمور في لبنان، وترهن شرفها لأطراف خارجية على حساب الداخل، لتغيّرت الأوضاع نحو الأفضل، وسيكون على بيروت إذا أرادت أن تنعم بالأمن والسلام أن تلفظ هذه القنابل لإن بقاءها يمهّد الطريق لمزيد من الانفجارات في قادم الأيام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى