مقالات

كورونا.. رسالة إلى مؤيدي الأسد

ربيع الخطيب

صحفي سوري
عرض مقالات الكاتب

لم يعد خافياً على أحد معرفة أن فيروس كوفيد-19 المعروف بكورونا بات منتشراً بدرجة كبيرة في دمشق وريفها. أما بخصوص أعداد الإصابات، فلسنا في بلد يعيش حالة طبيعية فنحصيها، ولا يوجد نظام يحترم نفسه ومواطنيه فنعتمد على ما يقول، إن قال. إلا أن الأكيد أن أعداد الموتى بالعشرات إن لم تكن بالمئات.

لقد أخرج النظام السوري البلد خارج إطار الإنسانية والمدنية والحضارة على جميع المستويات من تعلمية وطبية وغذائية ودوائية وغيرها؛ ناهيك عن تدمير البنية التحتية اللهم باستثناء مناطق حاضنته الشعبية وغيرها ممن بقيت تحت سيطرته. لذلك ليس أغبى ممن يلقي اللوم على النظام فيما يجري الآن بسبب كورونا، ولا أشدّ غباءً ممكن ينتقده ويطالبه بالشفافية والكشف عن الأعداد الحقيقية للإصابات والموتى!

أكثر من تسع سنوات والنظام يقتل ويحرق ويدمّر، يرتكب المجازر، يقصف بالبراميل المتفجرة، ويستخدم الأسلحة الكيماوية، وما اعترف لحظة أنه قد فعل من هذا شيئاً، وحججه كانت حاضرة دائماً، فهو يقاتل الإرهاب والمندسين وغيرهم… ليأتي اليوم من يطالبه أو ينتقده على عدم شفافيته أو تقصيره!

لست اليوم في معرض أن أنتقد النظام أو أتناول ما فعل ويفعل، فهو يمثّل الإجرام في أبشع صوره، حقيقة لا يستطيع أحد النقاش حولها. إنما أريد الحديث عن صور وذكريات اقتحمت مخيلتي وأنا أتابع ما يجري على دمشق وريفها وغيرها من المناطق بفعل كورونا. والسؤال الذي داهمني، هل يفرّق كورونا بين “مؤيد ومعارض”؟ مع اعتراضي على هاتين التسميتين. ولا أرمي في استخدام مصطلح” مؤيد ومعارض” ما يرمي إليه أزلام النظام من أن خلاف الرأي لا يفسد لكوننا كلنا سوريين قضية. فهذا الانتماء مجال بحث لا أظن الكثير من السوريين يؤمنون به أو يعيرونه اهتماماً.

مما طرق مخيلتي من ذكريات، تلك الفترات التي كانت فيها غوطتي دمشق وبعض أحيائها ومناطق أخرى كثيرة في سورية تحت حصار قوات النظام، ففي الوقت الذي كان هناك من يموت جوعاً، كان آخرون – من شركاء الوطن – يشترون “ربطة الخبز” بسعرها الطبيعي أو ربما أغلى قليلاً، نعم لقد كان هذا واقعاً في سورية. وفي الوقت الذي ولد أطفال وعاشوا في ظل حصار وقصف ورعب وحرموا حتى من حليب الأطفال، كان قرنائهم من السوريين يعيشون حياتهم الطبيعة إلى درجة كبيرة، وكبيرة جداً. وفي الوقت الذي استشهد فيه نحو ألف طفل بالكيماوي كان هناك أطفال يستمتعون بصيف آب، وكثير منهم كانوا على خط الساحل يصطافون على البحر.

هناك ما كان يؤمن أن الطفل الشهيد حمزة الخطيب كان يريد اغتصاب نساء الضباط من الطائفة النصيرية الحاكمة، ولا يرى ضيراً مما جرى عليه وغيره من آلاف الأطفال “الإرهابيين”.

هكذا كان المفهوم الحقيقي لكلمتي مؤيد ومعارض، وهكذا كانت الحياة، حيث كان هناك من يرفع رأسه ليرى الألعاب النارية، فيما يرفعها غيره ليرى أين سيسقط البرميل المتفجر، إما ليتجنبه أو ليتجه حيث يسقط فيساعد في إسعاف من بقي على قيد الحياة.

عاش مؤيدو الأسد وحاضنته الشعبية بعيداً عن الخوف والقتل الذي سببته آلة النظام العسكرية في طول البلاد وعرضها، لهذا كان منهم من يخرج برسالة تقول، سواء كنت مؤيداً أو معارضاً فكلنا سوريون، أجل هذا صحيح من حيث الشكل، أما المضمون فيقول: أين يكون التلاقي بين من ثار للحرية فقُتل وذُبح هو ودمّر بيته وتشرّدت أسرته، ومن يرى في بشار الأسد القائد الهمام الملهَم، ويؤيده في كل ما فعل ويفعل؟

الآن جاء كورونا، الذي ينتشر دون أن يفرّق بين “مؤيد ومعارض”، جاء كورونا في الوقت الذي دمّر فيه النظام كل شيء يمكن أن يقاوَم به هذا الفيروس خاصة المنشآت الطبية التي دمّر معظمها هو والروس والإيرانيين، فيما الغالبية العظمى من الناس لا تملك ما تشتري به دواءً إن وجد، ولا يوجد في البيوت ما يمكن أن يُعتمد عليه لتقوية جهاز المناعة مثلاً، فقد استنزفت الأزمة كل شيء. لا يستطيع النظام أن يُبعد كورونا عن حاضنته الشعبية ومؤيديه، فيقتصره على المناطق التي خرجت وثارت، ولو استطاع لفعل، ولا ندري؟ ولا يستطيع مؤيدو النظام أن يدّعوا أن كورونا مؤامرة جاءت تستهدف بلدهم ورئيسهم ونظامهم، كيف؟ وقد خرج هذا الفيروس من بلد لطالما دعمت نظامهم بالفيتو في مجلس الأمن، فماذا هم فاعلون؟

جاء كورونا ليضع الأمور في نصابها حيث أن من سيعاني ويصاب ويموت هذه المرة ليست معارضو النظام فقط، بل ومؤيدوه أيضاً، فيما ستبقى الطغمة الحاكمة من طائفية وعسكرية ومالية بعيدة كل البعد عن كورونا، ونقص الدواء والغذاء والطبابة وغيرها، كما هم بعيدون كل البعد عن قانون قيصر وتبعاته.

لا أقصد فيما قلت وسردت نوعاً من التشفّي أو الشماتة، إنما حقائق يجب أن تذكر في وقت كهذا، ليعرف كلّ من دعم النظام أنه إنما ساهم في مقتله قبل مقتل أخيه في الوطن، إن كان يعتبره أخاً، وأن الأمور لا يمكن أن تسير كما يرغب دائماً. بناء على ذلك نقول لعلّ هذا الفيروس أن يفتح في ذاكرة مؤيدي النظام الكثير من المواقف والذكريات، ويجعلهم في وقفة مع الذات، يرون ماذا فعلوا وارتكبوا، وأين وصلوا وأوصلوا البلد بدعمهم لنظام الإجرام، وللإرهابي الأول في العالم بشار الأسد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى