مقالات

هل تبرّر التُّكنولوجيا الإسرائيليَّة التَّطبيع؟ 3 من 4

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

موقف كلٍّ من السعوديَّة وإيران من إسرائيل

سبقت الإشارة إلى أنَّ إيران صارت الآن عدوًّا مشتركًا بين العرب وإسرائيل، مما استوجب تعاوُن الطرفين في سبيل مواجهة إرهاب إيران، وغيرها من الجماعات الإسلاميَّة المتشدِّدة. ويؤكِّد المقال على وجود خلاف طويل بين إسرائيل وإيران، دون إشارة إلى نقاط ذلك الخلاف أو تجليَّاته. ويتحدَّى الشيخ حامد الطَّاهر، الباحث المصري في مجال مقارنة الأديان والعقيدة الإسلاميَّة، هذا الزعم، خلال استضافته في إحدى حلقات برنامج ستوديو صفا حملت عنوان “تآمر الشيعة واليهود عبر التاريخ”، أذيعت في 27 ديسمبر من عام 2017، على قناة صفا الفضائيَّة السعوديَّة، الموجَّهة للرد على الخطاب الشيعي والمتخصصة في الشأن الإيراني. عدَّد الطَّاهر أوجه التقارب بين إسرائيل وإيران، لافتًا إلى أنَّ العلاقة بين اليهود ودولة إيران منذ قيام الكيان الصهيوني عام 1948 وحتى الثورة الإيرانيَّة عام 1979 كانت ظاهرة ومعلنة، وكان نفوذ اليهود كبيرًا هناك؛ أمَّا اليوم فالعلاقة مخفية وإن كانت أقوى منها في زمن الشاه. وقد قال ديفيد ليفي-وزير خارجية إسرائيل الأسبق (مغربي الأصل) -إنَّ إيران لم تكن أبدًا عدوًّا لإسرائيل، وقال شارون في مذكراته (ص77) إنَّ إسرائيل لم تكن على عداء مع الشيعة أبدًا، كما ذكر أنَّه كان يفكر في إمداد الشيعة بالسلاح لقتال أهل السُّنة لأنَّهم يعانون من إرهابهم كما يعاني اليهود من إرهاب الفصائل الفلسطينيَّة. أضاف الطَّاهر أنَّ الخميني لم يكن يرى مانعًا عن شراء السلاح من إسرائيل، وفق ما رواه أبو الحسن بني الصدر (أول رئيس لإيران بعد الثورة)، وأنَّ نتنياهو حظر النشر عن أي تعاون بين إسرائيل وإيران في أي مجال، وبخاصة في المجالات الزراعيَّة والعسكريَّة.

ضربت ذإسرائيل المفاعل النووي العراقي أوائل عهد صدام حسين، في 7 يونيو من عام 1981 ميلاديًّا، واغتالت العالم الفيزيائي المشرف عليه في 14 يونيو من عام 1980-ويُقال أنَّ التي اغتالته عميلة للموساد صارت وزيرة خارجيَّة لاحقًا-بينما لم تمس المفاعل الإيراني بوشهر، الذي يُعد منذ السبعينات من القرن الماضي، بل إنَّ شركات يهوديَّة هي المعنيَّة بإعداده. الأهم أنَّه افترض أنَّ إيران هي في الأصل فزاعة لإخافة مسلمي المشرق كي يمنحوا الأمن لإسرائيل.

أمَّا عن موقف السعوديَّة من إسرائيل، فقد نُشرت حديثًا العديد من التصريحات الرسميَّة وغير الرسميَّة في صُحف إسرائيليَّة، تروِّج لترحيب المملكة العربيَّة السعوديَّة بالتطبيع مع إسرائيل، وتحسين صورتها لدى الشعب السعودي، ومن بين ذلك ما نشره موقع الجزيرة. نت في 22 ديسمبر من عام 2018، نقلًا عن صحيفة معاريف الإسرائيليَّة.

وقد نشر موقع الخليج أونلاين في 22 ديسمبر من عام 2018، عن تصريح الكاتب والصحفي السعودي عبد الحميد الغبين، خلال اتصال له بقناة i24 NEWS الإسرائيليَّة، عن تأييده إعلان القُدس عاصمة لإسرائيل، واعتقاده بفقدان القضيَّة الفلسطينيَّة أهميَّتها، تأكيدًا لما ذُكرته القُدس العربي.

يأتي تصريح الكاتب السعودي، بعد أيام من نشر صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكيَّة بتاريخ 18 ديسمبر 2018، عن تعطُّل قنوات الاتصال السريَّة بين إسرائيل والسعوديَّة في أعقاب حادث مقتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، في مقر قنصليَّة بلاده في إسطنبول التركيَّة. أمَّا عن سبب تعطُّل مساعي التطبيع بين البلدين، فهو يرجع إلى إعفاء اثنين من المقرَّبين من ولي العهد السعودي من منصبيهما، وهما اللواء أحمد عسيري، نائب رئيس المخابرات السعودية السابق، وسعود القحطاني، المستشار الإعلامي السابق لدى الديوان الملكي السعودي، بعد اكتشاف تورُّطهما في حادث الاغتيال.

ومن جانبها، أكَّدت صحيفة هآرتس الإسرائيليَّة ما نشرته وول ستريت جورنال، مشيرةً إلى ما تردَّد عن إجراء المسؤولين السعوديين المعفيين من منصبيهما “محاولات سريَّة لتحسين الروابط بين أورشليم والرياض”. غير أنَّ “مشاركة” المسؤولين السابقين “في قتل الصحافي المنشق” حدَّت من استعداد السلطات الرسميَّة لاتخاذ تدابير سياسيَّة تتسم بالمجازفة.

وكان موقع روسيا اليوم قد نشر في 9 ديسمبر 2018، نقلًا عن قناة i24 news الإسرائيليَّة، أنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي قد صرَّح ببذله جهودًا جديَّة للتطبيع مع السعوديَّة، لتحويل العلاقة بينها وبين إسرائيل “من السرِّ إلى العَلَن”.

يُذكر في السياق ذاته أنَّ دعوات التطبيع مع إسرائيل تتعالى في العالم العربي، ولعلَّ من أحدثها إعلان الكاتبة الكويتيَّة فجر السَّعيد، في تغريدة على تويتر، تأييدها “وبشدَّة” التعاون التجاري مع إسرائيل، وذلك تزامنًا مع نهاية عام 2018.

مصير إسرائيل بين سفري إشعياء ودانيال: وعد بـ “نور أبدي وشمس لا تغيب” أم بـ “رجسة الخراب”؟

يبشِّر سفر إشعياء دولة إسرائيل بميراث أبدي على الأرض، وبانتشار العدالة والمساواة بين البشر وانتهاء عصور الظلم، وبزهو وعزَّة ووفرة لا نفاد لها، بل وبعمران وعلوٍّ لا يفنيهما خراب “لاَ يُسْمَعُ بَعْدُ ظُلْمٌ فِي أَرْضِكِ، وَلاَ خَرَابٌ أَوْ سَحْقٌ فِي تُخُومِكِ، بَلْ تُسَمِّينَ أَسْوَارَكِ: خَلاَصًا وَأَبْوَابَكِ: تَسْبِيحًا. لاَ تَكُونُ لَكِ بَعْدُ الشَّمْسُ نُورًا فِي النَّهَارِ، وَلاَ الْقَمَرُ يُنِيرُ لَكِ مُضِيئًا، بَلِ الرَّبُّ يَكُونُ لَكِ نُورًا أَبَدِيًّا وَإِلهُكِ زِينَتَكِ. لاَ تَغِيبُ بَعْدُ شَمْسُكِ، وَقَمَرُكِ لاَ يَنْقُصُ، لأَنَّ الرَّبَّ يَكُونُ لَكِ نُورًا أَبَدِيًّا، وَتُكْمَلُ أَيَّامُ نَوْحِكِ. وَشَعْبُكِ كُلُّهُمْ أَبْرَارٌ. إِلَى الأَبَدِ يَرِثُونَ الأَرْضَ، غُصْنُ غَرْسِي عَمَلُ يَدَيَّ لأَتَمَجَّدَ” (سفر إشعياء: إصحاح 60، آيات 18-21). وكما تشير الآيات في الإصحاح 61 في نفس السفر، يأتي هذا الوعد على لسان المخلِّص، الذي التحم به الرُّوح القُدُس “رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي” (آية 1)، وصار تجسيدًا للربِّ لرفع الظلم والمعاناة “لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ. لأُنَادِيَ بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ، وَبِيَوْمِ انْتِقَامٍ لإِلَهِنَا. لأُعَزِّيَ كُلَّ النَّائِحِينَ. لأَجْعَلَ لِنَائِحِي صِهْيَوْنَ، لأُعْطِيَهُمْ جَمَالاً عِوَضًا عَنِ الرَّمَادِ” (آيات 1-3). يتَّضح لنا أنَّ المخلِّص يأتي في زمان يكثر فيه القتل والظلم وسجن الأبرياء، وسيأتي هو لرفع الضرَّ عنهم بإذن الربِّ. ويتحدَّث المخلِّص عن إعادة بناء المقهورين من أبناء إسرائيل مُدُن خربة، لا يشير تفسير الإصحاح عن سبب خرابها “يَبْنُونَ الْخِرَبَ الْقَدِيمَةَ. يُقِيمُونَ الْمُوحِشَاتِ الأُوَلَ، وَيُجَدِّدُونَ الْمُدُنَ الْخَرِبَةَ، مُوحِشَاتِ دَوْرٍ فَدَوْرٍ” (آية 4). زمن اللافت أنَّه برغم وعد المخلِّص بانتهاء عهد الظلم والاستعباد، فهو يعد شعب إسرائيل بخضوع الأغيار لسلطانهم، وعملهم في خدمة الشعب “وَيَقِفُ الأَجَانِبُ وَيَرْعَوْنَ غَنَمَكُمْ، وَيَكُونُ بَنُو الْغَرِيبِ حَرَّاثِيكُمْ وَكَرَّامِيكُمْ” (آية 5)؛ ويعني ذلك احتفاظ شعب إسرائيل بالشعور العنصري بالسمو على الأجناس الأخرى، وهذا ما يؤكِّده المخلِّص “أَمَّا أَنْتُمْ فَتُدْعَوْنَ كَهَنَةَ الرَّبِّ، تُسَمَّوْنَ خُدَّامَ إِلهِنَا. تَأْكُلُونَ ثَرْوَةَ الأُمَمِ، وَعَلَى مَجْدِهِمْ تَتَأَمَّرُونَ” (آية 6). سيصبح شعب إسرائيل “كَهَنَةَ الرَّبِّ” وسيرثون “ثَرْوَةَ الأُمَمِ” الأخرى، بل وسينتقمون من أبنائهم الذين تعالوا عليهم في السابق “عَلَى مَجْدِهِمْ تَتَأَمَّرُونَ”.

وعلى النقيض من الوعد بالمجد الأبدي، وبالنعيم الدائم، وبتكفير الآثام في ظلِّ وجود المخلِّص في نهاية سفر إشعياء، نجد في سفر دانيال وعدًا بالحرب والخرب والعذاب لأهل أورشليم، بصورة تتفق مع ما ورد عن “نَائِحِي صِهْيَوْنَ” و “الْمُدُنَ الْخَرِبَةَ” في الإصحاح 61 من سفر إشعياء. يقول النبي دانيال عمَّا ورد في رؤياه، التي جاءه فيها “الرَّجُل جِبْرَائِيلَ” ليبشِّره فيها بعودة بني إسرائيل من السبي البابلي “بَعْدَ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ أُسْبُوعًا يُقْطَعُ الْمَسِيحُ وَلَيْسَ لَهُ، وَشَعْبُ رَئِيسٍ آتٍ يُخْرِبُ الْمَدِينَةَ وَالْقُدْسَ، وَانْتِهَاؤُهُ بِغَمَارَةٍ، وَإِلَى النِّهَايَةِ حَرْبٌ وَخِرَبٌ قُضِيَ بِهَا. وَيُثَبِّتُ عَهْدًا مَعَ كَثِيرِينَ فِي أُسْبُوعٍ وَاحِدٍ، وَفِي وَسَطِ الأُسْبُوعِ يُبَطِّلُ الذَّبِيحَةَ وَالتَّقْدِمَةَ، وَعَلَى جَنَاحِ الأَرْجَاسِ مُخَرَّبٌ حَتَّى يَتِمَّ وَيُصَبَّ الْمَقْضِيُّ عَلَى الْمُخَرِّبِ” (سفر دانيال: إصحاح 9، آيتان 26-27). سبقت الإشارة في الدراسة بعنوان وصف الرَّب وبيته في الكتاب المُقدَّس، إلى تفسير رؤيا السبعين أسبوعًا، وهي الفترة ما بين وعدي الأولى والآخرة لبني إسرائيل المرتبطين بالتوراة والإنجيل. وتذكيرًا بما سبق إيضاحه، يشير التفسير إلى أنَّ الأسبوع يعادل 7 أعوام، وقد قُضتي الأسابيع السبعة الأولى-49 عامًا-في ترميم أورشليم وهيكلها؛ وتشكِّل فترة 62 أسبوعًا التالية الفترة من ترميم الهيكل والمدينة إلى ظهور المسيح؛ في حين يبدأ الأسبوع الأخير ببعثة المسيح. ووفق ما جاء من تفسير لهذا الحدث على موقع St. Takla التبشيري، فإنَّ المقصود بـ “يُقْطَعُ الْمَسِيحُ” تقديم المسيح نفسه فداءً للبشريَّة للتكفير عن خطاياهم، ويكون ذلك “فِي وَسَطِ الأُسْبُوعِ” الأخير. ويبقى بنو إسرائيل الفترة المتبقية، 35 عامًا، في هدوء نسبي، حتى يأتي زمن الهلاك واستحقاق وعد الآخرة، وحينها “يُصَبَّ الْمَقْضِيُّ عَلَى الْمُخَرِّبِ”.

وتفسير لهذا الخراب، كما جاء على موقع St. Takla، هو ما لحق بأورشليم على يد الرُّومان، بعد ثورة اليهود عليهم، التي بدأ عام 66 ميلاديًّا، واستمرَّت 4 سنوات إلى عام 70. ولتفادي سوء الفهم، يذكر التفسير على الموقع ذاته أنَّ هناك خطأ في حساب تاريخ ميلاد المسيح، باعتبار أنَّه وُلد عام 26 قبل الميلاد، وبُعث في سن 30 عامًا، أي عام 26 ميلاديًّا، وصُلب في سنِّ 33 عامًا، أي عام 29 ميلاديًّا تقريبًا. وبحساب الفترة ما بين الصلب وثورة اليهود، نجد حوالي 37 عامًا، بفارق بسيط عن الفترة المذكورة في رؤيا دانيال، وهي 35 عامًا. ومع أنَّ أقرب تفسير لحدوث “حَرْبٌ وَخِرَبٌ” في دولة بني إسرائيل مع استحقاق وعد الآخرة هو حربهم مع الرومان (66-70 ميلاديًّا)، فموقع St. Takla يفترض أنَّ النبوءة تتكرر، استدلالًا بما جاء في رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل تسالونيكي، وتبشيره بقدوم ضدِّ المسيح “إِنْسَانُ الْخَطِيَّةِ، ابْنُ الْهَلاَكِ” إلى أورشليم، وتدنيسه الهيكل، وادِّعائه الألوهيَّة. وبعد أن يقضي ضدُّ المسيح فترة تُقدَّر بنصف أسبوع، أي نفس الفترة من “قَطْعُ الْمَسِيحُ” وحتَّى استحقاق وعد الآخرة جزاءً على تكذيبه؛ لأنَّ ضدَّ المسيح سيأتي “بِكُلِّ قُوَّةٍ، وَبِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ كَاذِبَةٍ. وَبِكُلِّ خَدِيعَةِ الإِثْمِ” (رسالة تسالونيكي 2: إصحاح 2، آيتان 9-10) لاختبار “الْهَالِكِينَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا مَحَبَّةَ الْحَقِّ حَتَّى يَخْلُصُوا. وَلأَجْلِ هذَا سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ اللهُ عَمَلَ الضَّلاَلِ، حَتَّى يُصَدِّقُوا الْكَذِبَ. لِكَيْ يُدَانَ جَمِيعُ الَّذِينَ لَمْ يُصَدِّقُوا الْحَقَّ، بَلْ سُرُّوا بِالإِثْمِ” (رسالة تسالونيكي 2: إصحاح 2، آيات 10-12). وبعد انخداع أصحاب النفوس الضعيفة والمنافقين بالآيات الزائفة لضدِّ المسيح، يأتي المخلِّص، الذي مسَحَه الربُّ وعليه روحه، ليرفع الظلم عن المؤمنين، ويجبر كسر المظلومين، ويعيد بناء الخراب الذي أحدثه ضدُّ المسيح (سفر إشعياء: إصحاح 61). ولهؤلاء يقول بولس الرسول “فَاثْبُتُوا إِذًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ وَتَمَسَّكُوا بِالتَّعَالِيمِ الَّتِي تَعَلَّمْتُمُوهَا…وَرَبُّنَا نَفْسُهُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ…يُعَزِّي قُلُوبَكُمْ وَيُثَبِّتُكُمْ فِي كُلِّ كَلاَمٍ وَعَمَل صَالِحٍ”(رسالة تسالونيكي 2: إصحاح 2، آيات 15-17).

تجدر الإشارة إلى أنَّ دانيال قد أخبر في سفره في موضع آخر عن هلاك بني إسرائيل وتخريب هيكلهم “وَيَكُونُ زَمَانُ ضِيق لَمْ يَكُنْ مُنْذُ كَانَتْ أُمَّةٌ إِلَى ذلِكَ الْوَقْتِ” (سفر دانيال: إصحاح 12، آية 1)؛ كما أخبر عن ذلك صفنيا في سفره “أُضَايِقُ النَّاسَ فَيَمْشُونَ كَالْعُمْيِ، لأَنَّهُمْ أَخْطَأُوا إِلَى الرَّبِّ، فَيُسْفَحُ دَمُهُمْ كَالتُّرَابِ وَلَحْمُهُمْ كَالْجِلَّةِ. لاَ فِضَّتُهُمْ وَلاَ ذَهَبُهُمْ يَسْتَطِيعُ إِنْقَاذَهُمْ في يَوْمِ غَضَبِ الرَّبِّ، بَلْ بِنَارِ غَيْرَتِهِ تُؤْكَلُ الأَرْضُ كُلُّهَا، لأَنَّهُ يَصْنَعُ فَنَاءً بَاغِتًا لِكُلِّ سُكَّانِ الأَرْضِ” (سفر صفنيا: إصحاح 1، آيتان 17-18). يقول صفنيا أنَّ “يَوْمِ غَضَبِ الرَّبِّ” يأتي عقابًا لبني إسرائيل؛ “لأَنَّهُمْ أَخْطَأُوا إِلَى الرَّبِّ”، وهو لذلك يُحدث “فَنَاءً بَاغِتًا لِكُلِّ سُكَّانِ الأَرْضِ”، فلا ينفع ذهب ولا فضَّة. وبما أنَّ الهلاك في هذا الوصف يعمُّ الأرض، فهذا ينطبق على آخر الزمان، واستحقاق بني إسرائيل وعد الآخرة المرتبط بالقرآن الكريم، كتاب آخر الأمم. وقد ذكر المسيح في إنجيل متَّى عن خراب أورشليم ودمار الهيكل، عقابًا لبني إسرائيل على كُفرهم “فَمَتَى نَظَرْتُمْ «رِجْسَةَ الْخَرَابِ» الَّتِي قَالَ عَنْهَا دَانيَالُ النَّبِيُّ قَائِمَةً فِي الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ. فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُب الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ…لأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ ضِيقٌ عَظِيمٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْعَالَمِ إِلَى الآنَ وَلَنْ يَكُونَ. وَلَوْ لَمْ تُقَصَّرْ تِلْكَ الأَيَّامُ لَمْ يَخْلُصْ جَسَدٌ. وَلكِنْ لأَجْلِ الْمُخْتَارِينَ تُقَصَّرُ تِلْكَ الأَيَّامُ” (إنجيل متَّى: إصحاح 24، آيات 15-22). وبما أنَّ الضيق العظيم التي وُعد به بنو إسرائيل “لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْعَالَمِ إِلَى الآنَ وَلَنْ يَكُونَ”، فهذا إشارة جديدة على أنَّ هذا الهلاك يكون في آخر الزمان.

ما فهمناه مما سبق أنَّ بني إسرائيل موعودون بهلاك وفتنٍ على يد ضدِّ المسيح، وهذا يتَّفق مع وعد الآخرة في الآية 7 من سورة الإسراء؛ غير أنَّ الهلاك النهائي، وفق النموذج الإسلامي لنفس هذه المرحلة، لا يتبعه علو جديد لبني إسرائيل. إذا سلَّمنا بأن ضدَّ المسيح يعادل شخصيَّة المهدي، فالمسلمون يترقَّبون أن يظهر بعده الدجَّال “الْمُقَاوِمُ وَالْمُرْتَفِعُ عَلَى كُلِّ مَا يُدْعَى إِلهًا أَوْ مَعْبُودًا…مُظْهِرًا نَفْسَهُ أَنَّهُ إِلهٌ” (رسالة تسالونيكي 2: إصحاح 2، آية 4)، ويتبعه المؤمنون بالتجسُّد والحلول، واتِّحاد الرُّوح القُدُس بأجسام البشر؛ فإلى هؤلاء “يُرْسِلُ اللهُ عَمَلَ الضَّلاَلِ، حَتَّى يُصَدِّقُوا الْكَذِبَ” (رسالة تسالونيكي 2: إصحاح 2، آية 11). غير أنَّ الدجَّال لا “يَجْلِسُ فِي هَيْكَلِ اللهِ كَإِلهٍ”؛ لأنَّ نبي الله عيسى “يُبِيدُهُ بِنَفْخَةِ فَمِهِ، وَيُبْطِلُهُ بِظُهُورِ مَجِيئِهِ” (رسالة تسالونيكي 2: إصحاح 2، آية 8). ويقول رسول الله (ﷺ) في الحديث (156) في صحيح مُسلم عن استعصاء دخول الدجَّال المسجد الأقصى/الهيكل “فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ﷺ، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: لَا، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ”، ويعزز هذا الحديث آخر في صحيح مُسلم (2897) أبي هريرة (رضي الله عنه)، قال رسول الله (ﷺ) “فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ﷺ، فَأَمَّهُمْ، فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللهِ، ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ، فَلَوْ تَرَكَهُ لَانْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ، وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللهُ بِيَدِهِ، فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ”. ويروي الإمام مُسلم في صحيحه حديثًا (2922) يبشِّر بنهاية اليهود في آخر الزمان، وبين يدي الساعة، فعن أبي هريرة أنَّ رسول الله (ﷺ) قال “لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَد، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ”. يقضي عيسى، نبي الله ورسوله إلى بني إسرائيل، على فتنه تأليه البشر من دون الله، والزعم بأنَّه صُلب للتكفير عن ذنوب البشر، بل ويجبر أهل الكتاب على الدخول في الإسلام بوضعه الجزية. فعن أبي هريرة (رضي الله عنه)، أنَّ رسول الله(ﷺ) قال “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ”، رواه البخاري (2222)، ومُسلم (155).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى