مقالات

ثورتنا بين العسكرة والسياسة وطريقة القيادة واختيار القادة – 2 من 5

أ. د. عبد المجيد الحميدي الويس

سياسي وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(عدنا من الجهاد الأصغر، إلى الجهاد الأكبر).

ما الفرق بين العسكري والسياسي والثوري:

      إن الفرق بين العسكري والسياسي والثوري كبير، لاسيما إذا تجاوزنا الحياة العامة، والثقافة الشعبوية، إلى مجال النخبة، والقيادة، وأماكن صنع القرار، والقائمين عليه، والمباشرين بتنفيذه..

       فالعسكري شيء، والسياسي شيء آخر، وبينهما فرق كبير.. والثوري في المنطقة الوسطى منهما.. قد تكون هناك حالات شاذة، من عسكري يبرع في السياسة، أو سياسي يبرع في العسكرة، ولكن القاعدة هي أن بينهما فرقا كبيرا.. وإذا تولى العسكر السياسة أفسدوها، والعكس صحيح.. وما خرب الأمة ودمرها إلا هذا التداخل في الخنادق، وإسناد الأمر إلى غير أهله.

         إن العسكرة لها تخصصها وميدانها ورجالها، وكذلك السياسة أيضا، وقد يصل الفرق بينهما إلى حد التناقض والتضاد والتعاكس والتصادم أحيانا، فاشتغال العسكري بالسياسة يفسدها، وتكون نتائج عمله فيها مدمرة..

        وإن اشتغال السياسي بالعسكرة، وتدخله بها دون علم عسكري تخصصي، وخبرة عسكرية ميدانية، وتجربة معيشة على أرض الميدان، تخريب للعسكرة، وكسر لقواعدها، وتدمير لنتائج عملها.

        وأما الثوري الذي يشتغل بالعسكرة والسياسة، إضافة إلى عمله مع الجماهير، فإنما هو لا يتعدى أن يكون أخذ منها بالقشور، ولم يتجاوز علمه حدود ما بدا له سهلا، و عندما يدخل في عمق السياسة ودهاليزها، والعسكرة وميادينها، يجد نفسه محتاجا إلى كثير من علومها، وإلى خبرة متراكمة فيها، وتجارب عديدة في ممارستها، ولا يحيط بها جميعا، ويبرع بها كلها، إلا القليل النادر، والحالة الشاذة التي لا يقاس عليها.

        ونرى أن نفرق بين هذه العلوم بما يفترقون به، ونجمع بينهم بما يجتمعون عليه، وكل له أولويته وأفضليته وتميزه، بحسب الظرف والضرورة والحاجة والميدان..

       إني أرى أن هناك فرقا كبيرا بالطبيعة والسلوك والتصرف، وطريقة التعامل، وأسلوب العمل.. وكلهم جميعا يحتاج إلى العلم والحلم والثقافة والفكر، والخبرة، والتجربة؛ كل في اختصاصه.

       فالعسكري تركيبته تختلف عن السياسي اختلافا جذريا، ولو كان غير ذلك لم يصلح أن يكون عسكريا أصلا، والسياسي يختلف بطبيعته عن العسكري، ولو كان مثله لما صلح للسياسة مطلقا، والثوري يختلف عنهما معا، فمجاله بعيد كل البعد عن تخصصهما، وعن أسلوب عملهما، وقد صادف أن يبرع أحدهم في المجالات الثلاثة بآن واحد، ولكن هذا في القليل النادر الذي لا يقاس عليه، ولا يشكل قاعدة يبنى عليها..

        فالعسكري: هو الذي يتميز بالقوة والحزم، والشدة والصرامة.. ويهتم بالخطط العسكرية، وقيادة المعارك، وتعلم وتعليم فنون القتال، وكيفية التصدي للعدو، وخوض المعركة بحسب الإمكانات المتوفرة من عدد المقاتلين والأسلحة والذخيرة وطبيعة الأرض، وإمكانات العدو، وكيف يربح المعركة العسكرية، ويهزم العدو، ويعرف متى يتقدم، ومتى ينسحب.

       وكذلك هو الذي يحب جنوده، ويحبه جنوده، ويخلص في تدريبهم وتسليحهم وتطوير قدراتهم، ويبين لهم عظم المسؤولية، وبث الروح الوطنية فيهم، ويزرع فيهم حب التضحية، وروح الجهاد والاستشهاد في سبيل الله؛ دفاعا عن الدين والعقيدة والأرض والعرض والشعب والوطن.

       فالعسكري: مجاله الحيوي الجيش والسلاح والعدو وساحة المعركة، وهمه الوحيد كيف يحقق النصر على العدو، وكيف يصون حدود الوطن من الأعداء، ويحمي الشعب من الطغاة والمجرمين والفاسدين والمفسدين، ولا يكون أداة لهذا العمل، أو أداة لمن يعمل هذا العمل.

      والقائد العسكري الناجح، هو الذي يفهم نفسه ويعرف واجبه، ولا يتعدى حدوده، فيتدخل في السياسة، ويطمح بالسلطة، ويتحول إلى أحد الطغاة الجبابرة، فيصبح هم الشعب التخلص منه، ويصبح همه التمكن من السلطة، والتحكم برقاب الشعب، فيصبح العدو الخارجي هو سيد الموقف، وهو المرجو نصرته، هذا للتمكين، وهذا للخلاص، ويمسي العدو الخارجي هو الرابح الوحيد في هذه المنازلة الخاسرة للطرفين، وله الخيار في قبول أفضل العرضين، وأغرى التنازلين، وأحيانا يجعل من النظام والمعارضة رهينة عنده، وعاملة لما يأمر به ويطلبه، فيضيع الوطن والشعب والدين والأمة.. وهذا ما هو حاصل في بلداننا العربية والإسلامية – بكل أسف –

     إن السّياسة علم قائم بذاته، فهي: “علم الدولة” و”علم السّلطة” و”علم اتخاذ القرارات السّياسيّة، وعلم السياسة مرتبط بعلوم: الاقتصاد، والقانون، والتاريخ، وعلم النفس، والاجتماع، والجغرافيا، والمنطق …

      والسياسي يجب أن يحيط بكل واحدة منها بطرف، فهو الذي يفرق بين الدولة الوطنية والدولة القومية والدولة الدينية، وبين مراحل الإنقاذ الوطني، والبناء الوطني، والاستقرار الوطني، وبين الحل الثوري، والحل الوطني، والحل السياسي، وبين الهيئة الوطنية، وهيئة الحكم الانتقالي، ومجالس الهيئات السيادية،
وبين نظام الحكم، والنظام السياسي، والنظام الاجتماعي،  وبين مكونات الشعب السوري،  ومكونات قوى الانقاذ الوطني.

       السياسي يجب أن يكون مختصا بالسياسة، عالما بها، ملما بفنونها؛ علما وفكرا وفنا وممارسة وخبرة وتجربة، ومكرسا حياته لها.. وأن تكون ثقافته سياسة، وحياته كلها سياسة، وأن يتميز بالحكمة والدهاء، والحنكة والذكاء، وأن تكون عنده ثوابت يتشبث بها، ولا يتنازل عنها مهما كلف الأمر، وخطوطا حمراء يقف عليها، ومتغيرات متبدلات قابلة للمناورة والأخذ والرد، ويمكن أن يقدم بعض التنازلات في سبيل كسب معركة سياسية، والحصول على نتائج إيجابية، لاسيما أن هذه التنازلات قابلة للتراجع عنها، إذا لم يفد التنازل عنها شيئا. 

      نحن في وساحة الحرب والقتال والمعارك نكون بأمس الحاجة إلى الجندي المقاتل، والقائد العسكري البارع، والفارس المغوار الذي يصول ويجول، ويهزم الأعداء..

       وفي وقت المفاوضات بأمس الحاجة إلى المفاوضين البارزين المتمكنين العارفين بخبايا الأمور، ودهاليز السياسة، ومكر الأعداء وخبثهم.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى