حقوق وحريات

إضاءات سياسية (42)

هيثم المالح

عرض مقالات الكاتب

هل يجري دفع المجتمع في سورية إلى صراع طائفي

01/02/2007

ليس خافياً على أحد أن الحلف الاستراتيجي الذي أسس له الرئيس الراحل حافظ الأسد مع إيران إنما كان على أساس طائفي .

فقد اصطف النظام السوري مع إيران في حربها مع العراق ، ومع عدم قناعتنا  بهذه الحرب ولا بجدواها بل أنها كانت كارثية ، إلا أن الاصطفاف كان له معنى آخر ، ثم كان من ثمرة هذا الحلف الاستراتيجي نتيجتان :

أولاهما : هي أن يكون الجيش السوري في لبنان ظهيراً لحزب الله والذي يعتبر قاعدة متقدمة لإيران في المنطقة .

وثانيهما : فتح أبواب سورية على مصاريعها للشيعة الإيرانيين ليقوموا بما يريدون وليكونوا نواة في تصدير الثورة على الطريقة الإيرانية إلى سورية .

كنت قد كتبت سابقاً مقالاً حول هذه المشكلة وأحدثت دوياً في الأوساط الداخلية .

ليس بين السنة والشيعة في سورية مشكلة كما لا يوجد أية حساسية ، وأذكر بالتقدير جهود المرحوم الشيخ محسن الأمين الذي كان يجهد للتقريب بين السنة والشيعة ، حيث ترك أثراً عظيماً في هذه الناحية ، إذ في حدود علمي لم يلجأ أي من المشايخ الشيعة لممارسة أي نوع من أنواع “التبشير” بالتشيع بين السنة .

هذه الصورة تغيرت الآن ، فقد انتشر الشيعة الإيرانيون في سورية فأشادوا حوزات لهم بعد تخريب مقابر للسنة ، وساعدتهم في ذلك أجهزة معينة مارست ضغطاً على أصحاب القبور لنقل رفات أو قبور أقربائهم إلى أماكن مختلفة .

ومعلوم أن التاريخ لا يمكن اقتسامه ، كما لا يمكن أن يقال أن الصحابي الفلاني للجانب السني والآخر للجانب الشيعي ، وبرغم أن أهل السنة يرون :

1- حرمه إقامة المساجد على القبور وهو منهي عنه بنص .

2- إن إقامة الحوزات في أماكن ليس فيها شيعي واحد أمر ملفت للنظر .

3- إن هذه الحوزات تتبع الشيعة الإيرانيين في إدارتها والإنفاق عليها ، وهم بمنظور القانون السوري أجانب .

ومعلوم أيضاً أن هناك مساع حثيثة كي يتم تغطية هذه الحوزات من قبل وزارة التعليم العالي ، والتي رأسها وزير شيعي .

لقد تساءلت سابقاً هل أن أهل السنة والجماعة بنظر الشيعة الإيرانيين هم على ضلال حتى ينبروا لهدايتهم ؟ .

أم أن الأمر ليس في هذا الاتجاه وإنما لنقل الثورة الإيرانية إلى مجتمعنا ، وهل أن انتهاك حقوق المواطنين السنة بذريعة نشر الفقه الشيعي في الحوزات سيمر بشكل عادي أم أنه سيزيد احتقان الشارع السيئ الذي تمارس بحقه الضغوط المتصاعدة ويتم اعتقال نشطاء جماعة السنة لمجرد التقاء بعضهم في مكان لتدارس الفقه الإسلامي ، سواء كانوا رجالاً أم نساءً ، كما يمنع المسلمون من إقامة شعائر صلواتهم في بعض القطعات العسكرية وأجهزة الأمن بهدف إبعادهم عن معتقدهم ؟

كما تراقب مساجدهم ودروسها ومدرسيها ويمنع بعض الخطباء من الخطابة لأنهم لم يوجهوا الدعاء للرئيس ؟

بهذه المناسبة فإنني أعلم يقينياً بأن عدداً كثيراً من علماء المسلمين من باكستان والهند وسواها ممنوعون من دخول سورية ولو بقصد الزيارة في حين أن الأبواب شرعة لغيرهم ، فهل هذا من قبيل الصدف ؟

الاستحقاق الانتخابي (1)

04/02/2007

مجلس الشعب :

معلوم أن الأولويات تعطي أي موضوع أهميته ، والدستور السوري لعام 1973 قد رتب الأولويات على الشكل التالي :

الباب الأول : المبادئ الأساسية .

الفصل الأول : المبادئ الأساسية .

الفصل الثاني : المبادئ الاقتصادية .

الفصل الثالث : المبادئ التعليمية والثقافية .

الفصل الرابع : الحريات والحقوق والواجبات العامة .

الباب الثاني : سلطات الدولة :

مما تقدم تظهر مدى أهمية المبادئ التي سماها الدستور أساسية ، بمعنى أنها لا غنى عنها وهي التي تؤسس للدولة ، وقد ورد في مقدمة الدستور :

“وفي القطر العربي السوري واصلت جماهير شعبنا نضالها بعد الاستقلال واستطاعت عبر مسيرة متصاعدة أن تحقق انتصارها الكبير بتفجير ثورة الثامن من آذار/مارس 1963 بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي ، الذي جعل السلطة أداة في خدمة النضال لتحقيق المجتمع العربي الاشتراكي الموحد” .

فإذاً السلطة بنظر الدستور هي أداة وليست هدفاً ، وهي أداة لا تعلو على المواطن الذي يعلوها لأنه هو مصدر السلطات جميعاً .

ثم جاءت الفقرة الرابعة من مقدمة الدستور فنصت على :

الحريات :

الفقرة (4) : “الحرية حق مقدس والديمقراطية الشعبية هي الصيغة المثالية التي تكفل للمواطن ممارسة حريته التي تجعله إنساناً كريماً ، قادراً على العطاء والبناء ، قادراً عن الدفاع عن الوطن الذي يعيش فيه ، قادراً على التضحية في سبيل الأمة التي ينتمي إليها ، وحرية المواطن لا يصونها إلا المواطنون الأحرار ولا تكتمل حرية المواطن إلا بتحرره الاقتصادي والاجتماعي” .

ثم جاءت الفقرة الثانية من المادة الثانية لتقول /2/ : “السيادة للشعب ويمارسها على الوجه المبين في الدستور” .

ثم جاءت المادة العاشرة لتنص على ما يلي :

المادة العاشرة : “مجالس الشعب مؤسسات منتخبة انتخاباً ديمقراطياً يمارس المواطنون من خلالها حقوقهم في إدارة الدولة ، وقيادة المجتمع” .

كما نصت المادة /12/ على ما يلي :

المادة /12/ : “الدولة في خدمة الشعب وتعمل مؤسساتها على حماية الحقوق الأساسية للمواطنين وتطوير حياتهم كما تعمل على دعم المنظمات الشعبية لتتمكن من تطوير نفسها ذاتياً” .

فإذاً لقد ضمن الدستور نقاطاً أساسية هي التي سوف ننطلق منها للحديث عن الانتخابات وكيف يمكن لهذه الانتخابات أن تكون دستورية ديمقراطية تضمن حق المواطن في ممارسته لحقوقه ، وهذه النقاط هي :

أ‌- الحرية حق مقدس .

    ب‌- حرية المواطن لا يصونها إلا المواطنون الأحرار .

ت‌- نظام الحكم هو جمهوري .

ث‌- السيادة للشعب .

ج‌- سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة .

ح‌- المواطنون متساوون أمام القانون .

خ‌- تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين .

 د‌- لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. الخ .

وبغض النظر عما سماه الدستور(الديمقراطية الشعبية) التي ليس لها في نظرنا مدلولاً واضحاً ، إذ أنها كانت مستوردة من نظام الاتحاد السوفيتي ، الذي سقط ، ولا ندري ماذا تعني هذه العبارة بعد هذا السقوط ، ثم يمكننا أن نطرح هنا سؤالاً : هل النظام في سورية هو نظام اشتراكي ؟ أم أنه نظام يتبنى رأسمالية السلطة وأتباعها ؟ .

من المفروض أن يكون هذا العام “2007” هو عام متميز عن الأعوام السابقة ، فستجري فيه انتخابات مجلس الشعب ، ثم انتخاب رئيس الجمهورية ، وبهذه المناسبة  يأمل المواطنون حصول تغيير ما في إطار هذه الانتخابات .

لقد كرست مبادئ الدستور -مقدمته والفصل الرابع منه المتعلق بالحريات والحقوق والواجبات العامة- الأسس العامة لكيفية سير العملية الانتخابية .

ومن هذه الأسس سوف أناقش الاستحقاق الانتخابي للعام 2007 فيما يتعلق بانتخاب مجلس الشعب ، في حين سأفرد مقالاً آخر للبحث في انتخاب رئيس الجمهورية .

أ‌- انتخاب مجلس الشعب :

معلوم أن قانون الانتخاب صدر بالاستناد إلى المرسوم التشريعي رقم (26) تاريخ 14/04/1973 عن رئيس الجمهورية ، وليس عن مجلس نيابي ، كما هو مفترض ، إذاً فإن هذا القانون لم يناقش مناقشة كافية حرة مستفيضة من قبل مجلس يفترض أنه يمثل الشعب بكامله وبالتالي سوف نتعامل معه على هذا الأساس ، باعتبار أنه تم تفصيله بشكل يخدم النظام في الفترة التي صدر فيها .

أولاً :  فالقانون حدد مسبقاً نسبة العمال والفلاحين .

ثانياً : أجاز اشتراك العسكريين ورجال الشرطة وغيرهم في العملية السياسية مما يصرف هؤلاء عن واجبهم الأساسي ويدفعهم ليكونوا مطواعين حتى يتم قبولهم في مجلس الشعب ، على اعتبار أن هؤلاء هم “رجال السلطة” أساساً ، وهو ما يؤدي بهم لينخرطوا في أحزاب وتجمعات سياسية ، مما يخرجهم عن الحياد المفروض في رجال الدولة ويزج بهم في دوامة المساومات السياسية .

ثالثاً : اعتبر القانون في المادة /12/ كل محافظة دائرة انتخابية واحدة ، سوى محافظة حلب ، إلا أن محافظتي دمشق وريفها اعتبرتا واحدة ، وهي المحافظة الرئيسية صاحبة مركز الثقل الأساسي ، وهو موقف غريب بعيد عن أي مفهوم لتأسيس انتخابات حرة  تمثل الشعب تمثيلاً صحيحاً .

رابعاً : الفقرة “ب” من المادة /18/ أجازت ترشيح ضباط الشرطة في غير مراكزهم -كما يظهر- أما إذا رشحوا أنفسهم في مراكزهم فيعتبرون بحكم المستقيلين وبالتالي فإن هذه المادة هيأت لاستغلال نفوذ هؤلاء ، وتشكيل تكتلات لا تخدم العملية الانتخابية ، إلا أن المادة المذكورة تجاوزت عن نسبة أقل من 5 % وهو لعمري لا يجوز أن يكون ، لأن معنى ذلك هو عدم ضبط العملية الانتخابية ، أو التسويغ لأن تكون كذلك .

أما في فرز الأصوات فقد أباح القانون وجود زيادة أو نقص في أوراق الانتخاب ، وذلك في  المادة/36/ ، ومهما كان هذا التفاوت فهو ينال من عملية الانتخاب ، وينفي ابتداءً إمكان إعادتها لهذا السبب .

في المادة /46/ من القانون آنف الذكر ، فإن رئيس الجمهورية يصدر مرسوماً بتسمية الفائزين بعضوية مجلس الشعب ، كما ينشر المرسوم في الجريدة الرسمية .

إلا أننا لو عدنا إلى نص المادة /17/ من قانون مجلس الدولة لوجدناها تنص على حق المرشحين الذين لم يفوزوا في الانتخابات أن يتقدموا بطعن في صحة انتخاب الأعضاء الفائزين ، كما حددت المواد التالية كيفية البت بالطعن ، إلا أن الملفت للنظر أن مجلس الشعب يبت بصحة الانتخاب من عدمه ، دون الالتفات لقرار المحكمة الدستورية ، وهنا نتوقف لنتساءل كيف يمكن لمجلس شعب طُعن بصحة انتخاب عدد غير قليل من أعضائه أن يقرر صحة الانتخاب ؟ .

وللعلم فقط سبق أن أبطلت المحكمة الدستورية في العديد من الدورات الانتخابية انتخاب عدد غير قليل من أعضاء مجلس الشعب ، إلا أن قرارها لم يكن له أية قوة تنفيذية ولم يسبق أن اكترث لها أي من مجالس الشعب السابقة .

أن من المفيد جداً في هذه المرحلة الحرجة التي نجتازها أن تعمد السلطة المعنية إلى تفعيل دور المحكمة الدستورية في هذا المجال إعمالاً لنصوص الدستور ، ومبدأ تكافؤ الفرص ، لا أن تضرب عرض الحائط بقراراتها وكأنها غير موجودة فعلاً . وأن تفعيل دور القضاء في رقابة الانتخابات أولاً ثم البت في الطعون الانتخابية يؤسس لقيام دولة المؤسسات وسيادة القانون ، كما يؤسس لوجود انتخابات حرة صحيحة ، والتاريخ سوف لا يرحم الاتجاه المعاكس لهذا التوجه .

إن المرحلة التي تمر بها المنطقة العربية برمتها توجب على المعنيين في إدارة الدولة أن يسارعوا إلى تغيير نمط الانتخابات التي لم تكن في السابق تسمن ولا تغني من جوع ، ويدفعوا قدماً باتجاه إيجاد آلية لانتخابات ديمقراطية حرّة تحقق تمثيل الشعب بصورة صحيحة كما تحقق مصالحه .

إن السعي  لإيصال أعضاء نزيهين لمجلس الشعب يتمتعون بثقة ناخبيهم فعلاًَ ، ويحرصون على مصالح الناس وخاصة الضعفاء منهم والمهمشين ، الذين ليس لهم رأي في إدارة الدولة أو رقابتها أو في أدائها السياسي أو الاقتصادي أو المالي وهو يؤسس لانتخابات رئيس للجمهورية في المرحلة التالية لانتخاب مجلس الشعب ، وبالتالي فإن السلطات المعنية مسؤولة في المرحلة المقبلة أن تعيد النظر بالقوانين والأسس الانتخابية وأن توجد مناخاً يسمح بإجراء انتخابات تدفع باتجاه إعادة حقوق الناخبين إليهم .

والله من وراء القصد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى