مقالات

ثورتنا بين العسكرة والسياسة وطريقة القيادة واختيار القادة – 1 من 5

أ. د. عبد المجيد الحميدي الويس

سياسي وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(عدنا من الجهاد الأصغر، إلى الجهاد الأكبر).

      كثر اللغط في الآونة الأخيرة عن اختيار قائد للثورة، وكثر المرشحون، ومن يرشح المرشحين، فبين من يرشح شخصا من الخارج، كان له منصب كبير، وعنده علاقات واسعة مع بعض الدول، ويحظى بمباركتها، وتتبناه وتدعمه.

       وبين من يقطع الطريق عليه، ويحرض أهل الداخل على أن يرشحوا واحدا منهم، فهم أحق بها من غيرهم، وهو بالحقيقة لا يقول ذلك حبا بالداخل، بقدر ما هو كرها لمرشح الخارج، وقطعا للطريق عليه.

      حتى وصل فضول بعضهم أن رشح الدكتورة رانية لتكون زعيمة للثورة لمجرد ظهورها بالقنوات الفضائية، وحديثها عن مأساة الناس، وما تعرضوا له من دمار وخراب واستشهاد بعد القصف الروسي الهمجي على مدينة أريحا.. وتحدثت ببعض كلمات عن الثورة.. ما أثار انتقادها وسخريتها من هذا الأسوب في الترشيح، والطريقة غير الصحيحة في الاختيار..

        فثورة عظيمة مثل ثورة الشعب السوري هذه، لا يمكن أن يتم اختيار القائد وتنصيبه قائدا لها بهذه الطريقة الهوجاء.

        وقد سبق هذا الأمر لغط كثير أيضا، حول من هو الأحق بقيادة الثورة، وما هي مواصفات القائد الذي يمكن أن يجمع عليه السوريون لقيادة ثورتهم..

      وكانت المبادرة التي دعا إليها الزملاء لعقد مؤتمر عام يجمع النخب السورية في الداخل والخارج، ويتمخض عنها انتخاب قيادة للثورة هو الأسلوب الصحيح والأمثل، وفق أطر ديمقراطية، ونظم نقابية، وأسس علمية..

          اللافت للانتباه أن هناك ثقافة بدأت تتبلور، ويردد بعض مفرداتها وشعاراتها كثير من العاملين في فصائل الداخل، أو حراكها الثوري؛ أن أصغر مقاتل في الداخل على خط النار، هو أفضل من أي واحد بالخارج، ويعدل أكبر سياسي وضابط محترف في الخارج، ويتفوق عليه.. وهو وحده الذي يستحق القيادة، ويصلح لها، لأنه جمع بين العسكرة والسياسة والثورة..

     هذا الكلام ينم عن جهل كبير في مواصفات القائد نفسه، التي يجب أن يتمتع بها، وكيفية اختيار القائد.. ومهمة القائد التي سيتصدى لها مستقبلا في حال انتخابه أو اختياره، بطريقة ديمقراطية، أو توافقية أو  أن يفرض على الناس فرضا، ومسؤوليته الملقاة على عاتقة، وإمكانية نهوضه بالمهمة على أكمل وجه، ونجاحه فيها نجاحا باهرا، أو فشله فيها فشلا ذريعا.  

       فالعسكري المقاتل على خط النار لا يمتلك من مواصفات القيادة إلا ما تعلمه وكسبه من خبرة قتالية، وشارك به من حراك ثوري، وسَمعه أو تحدث به من نقاش سياسي، وهذه ثقافة عامة، لا تؤهله لتبوء مركز الصدارة والقيادة مهما كبرت، ومازال ينقصه الكثير الكثير، وسأبين ذلك..

       يرى بعض الناس أن الفرق بين العسكرة والسياسة والثورة كبير، فكل له مجاله، ورجاله، وطريقته في التعامل مع الأحداث، ورؤيته للحل، وأنا منهم..

        ويرى آخرون ألا فرق بين العسكرة والسياسة والثورة، وأن العسكرة والسياسة والثورة وجوه مختلفة لشيء واحد، ويمكن جمعها بسهولة..

        فالعسكري يمكن أن يكون سياسيا، وثوريا بآن واحد، وأن السياسي يمكن أن يكون عسكريا وثوريا أيضا، وكذلك الثوري عندما يدخل مجال العسكرة والسلاح، يصبح عسكريا بارعا، ويتفوق على العسكري المختص الذي لم يخض حربا، ولم يمارس العسكرية بوجهها الصحيح (جيش أبو شحاطة)، وأما السياسة فهي من صلب عمله اليومي، وهو سياسي قبل أن يكون عسكريا أو ثائرا، فالشعب السوري شعب مسيس بالفطرة، ويمارس السياسة بطبعه.

        وأقول: هذا هو المرض المزمن العضال الذي فتك بثورتنا وشعبنا وأمتنا من قبل، ومن بعد.. فلا بد من تشخيص الحالة المرضية هذه، ووصف العلاج اللازم لها، ومعالجتها بعد ذلك، لتبرأ مما فيها، ونبرأ من عدواها، ونفكر بطريقة سليمة، ويكون اختيارنا صحيحا..

      وعليه فإنني أقول ابتداء: لا يهمني أن يكون القائد من الداخل أم من الخارج، ولا يهمني أن يكون سياسيا، أم عسكريا، أم ثوريا، أم حتى مدنيا، رجلا كان أم امرأة، شيخا كبيرا، أم شابا في مقتبل العمر، أم كهلا في متوسط عمره..

      وإنما الذي يهمني المؤهلات التي يحملها، والصفات التي يتمتع بها، والميزات التي يمتاز بها على غيره..

     ولكي أوضح ذلك، لابد لي من أن أتوسع في الشرح، وأبين الحقائق العلمية، والعوامل الموضوعية، والجوانب الإيجابية والسلبية، والقواعد الصحيحة، والميزات والصفات المطلوبة، والمعايير الموضوعية، والأسس التي يجب أن يتم في ضوئها حسن الاختيار.

       وسأستمد كثيرا من آرائي من القرآن الكريم، والسنة النبوية، وأستشهد ببعض الشخصيات المرموقة التي تركت بصمة في كيفية القيادة، ورسمت نموذج القائد الصحيح الناجح..

       وبعدها أعود للإجابة على السؤال الأول: هل فعلا أصغر جندي عندي على خط النار يصلح أن يكون قائدا للثورة؟ أم أن هذا من الوهم والغرور والجهل بحقيقة القائد الذي يمكن أن يتصدى لقيادة الثورة؟..

        وسأقف على بعض الحالات الفاشلة، لنفيد من فشلها، ونتعلم الدروس، ونأخذ العبر، ليكون الاختيار علميا صحيحا، ونتائجه مضمونة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى