مقالات

الهيكلة والعمل السياسي

محمد سعيد سلام

سياسي سوري
عرض مقالات الكاتب

تواجه العصابات الحاكمة في منطقتنا معارضيها بتهم جاهزة تثير السخرية والغضب، وتبين عقلية هذه الأنظمة وحقيقتها، كما توضح الاتهامات المعلبة بنية الأفراد وإمكاناتهم الفكرية؛ وهكذا شأن كل الوصفات الجاهزة تربويا وفكريا واجتماعيا و تاريخيا فإنها تؤكد الضحالة والسطحية الثقافية وضعف الرؤية وقلة الخبرة .

قلب الربيع العربي البنية السياسية التي ثبتها النظام الدولي رأسا على عقب، وعمق المعاناة والقهر واتساع دائرة الأزمات والمشكلات المتولدة عن أنظمة الاستبداد والفساد أفقد هذه الأخيرة أية قدرة على التحكم أو الإمساك بزمام الشعب، حتى وعود الإصلاح قوبلت على أنها سراب لا يمكن الثقة بها .

وباعتبار شدة ارتباط عصابات الحكم بالدولي وأهمية دورها الوظيفي، وباعتبار قوة الثورات وخاصة الثورة السورية فإن تحضير بديل العصابة الحاكمة القابعة في دمشق لم يكن سهلا عليه. وكانت صناعة الهياكل السياسية مضطربة وعشوائية وواضحة العوار، الأغلب لا يعرف الأغلب، ولا يدركون أدوارهم تجاه قضيتهم، وغير قادرين على ضبط تصريحاتهم، وعلاقاتهم مع الجهات الرسمية أو الحزبية لا تخضع لأية رقابة فيمكن لأي سفير أو جهة مخابراتية أن تقابل من تريد منهم في الوقت الذي يناسبها، ويسعى أفراد هذه الهياكل للقاء من يرغبون بما فيهم الكيان الصهيوني دون حرج أو غضاضة، ولعل آخر اهتمامات هذه الهياكل الالتصاق بشعبها ومحاولة التقرب منه في فترة ذهبية يطمح لها أي سياسي مهني؛ ولا يتوقف عند التصريحات والكتابات ضد هذه الهياكل إذ بقي الانضمام إليها محط طموح كثيرين، بل كلما كان بعضهم شديد اللهجة عليها فإن رغبته في الالتحاق بها أكبر، وقد قابلت بعض الأعضاء الحاليين في الهياكل القائمة قبل أن يكونوا أعضاء فيها، وأذكر بدقة كلامهم اللاسع على تلك الهياكل وأفرادها .

ويسعى أفراد كانوا ينتمون إلى هذه الهياكل ثم تركوها لأسباب متعددة إلى تكوين هياكل أكثر هشاشة تخضع للآليات ذاتها، وتنشد علاقات مماثلة، وتتوسل دعما مشابها، وسلوكهم يؤكد أن انسحابهم لم يكن قناعة بسلبية هذه الهياكل إنما لضغط مجتمعاتهم المحلية الضيقة عليهم، أو للبحث عن أدوار أخرى وتموضعات أكثر ملاءمة لهم، أو أنهم ندموا على قراراتهم السابقة .

وتصر شريحة من الذين يرون في الهيكلة خطوة أولى وأساسية للعمل السياسي على أن الإقليمي والدولي لا يتعامل معنا إلا إذا كنا أقوياء ومنظمين، ولن يتخلى عن العصابة الحاكمة ما لم يطمئن إلى البديل الذي يسد الفراغ الناشئ عن إزاحتها .
مع ما ينطوي عليه هذا الطرح من تسطيح للثورة السورية ومعانيها وآثارها السياسية العميقة فمن المقصود ب ” النا ” المرادة والتي يمكن الاطمئنان لها والتعامل معها ؟ وأي قوة تتاح لها الظروف بالتموضع ؟ وما طبيعة التنظيم الذي يستطيع الإقليمي والدولي أن يقبله أو يسمح به ؟
هذا، وإذا سلمنا جدلا بعد كل هذه التجربة بدماء شهدائها ودمار مدنها وقراها وتشريد أصحابها أنه جاهز فعلا للتخلي عن العصابة الحاكمة، فهل معنى ذلك أن هيكلة البديل لسورية الثورة العظيمة بهذه البساطة ؟! وبهذه السهولة ؟!

والشكل الأكثر استغرابا في مزاولة الهيكلة والحرص عليها أن تكون عبر صفحة ” فيس ” أو غرفة ” وتس ” وما يماثلهما، أو من خلال سهرة حماسية بين أصدقاء ساءهم جدا ما يصيب مجتمعهم فالمخرج عندهم أن يتوازعوا عدة صفات بينهم، أو من خلال وليمة يطلب صاحبها من مدعويه الذين لا يعرفون بعضهم أن يتهيكلوا حقنا للدماء التي تسيل، ومنعا لإجرام المحتلين، ولكي يضعوا من لحظة هيكلتهم بعد ما نالوا من ألقاب حدا للتدخلات الإقليمية والدولية .

لا تريد الإضاءة أن تقلل من قيمة الهيكلة والتنظيم، فهذا أصل في العمل السياسي والمجتمعي، ولكنها تريد أن تلفت النظر إلى هزالة القائم من الهيكلة، وتوضيح حقيقته من حيث الحرص على الصفات المجردة عن العمل والرؤية والملاءمة الواقعية والزمن الأمثل .

قد يسأل سائل هل تقصد بهذه الإضاءة أناسا معينين ؟
على بساطة السؤال فإني أجيب عليه مضطرا وحرصا على الدقة والمهنية والرقي في الخطاب والعمل السياسي :
نعم، أقصد أناسا معينين لأني أتعرض لقضية جوهرية وواقعية تمس مساحة معلومة لأصحابها ولمن حولهم من المعنيين بالمسألة بحكم مسؤولياتهم بعيدا عن المقصودين بذواتهم .
ولا، دون تناقض بين الإجابتين، إذ لا يستدعي الذهن فردا هنا، ولا يهتم القلم بإضاعة حبره من أجل آخر هناك، فالكلمة ودورها أنضج بكثير مما يريده ويعنيه شق السؤال .

أما عن الزمن ومناسبته فإنه ملاحظ أن جهدا محموما ودفعا قويا يمارسه الإقليمي المتعدد ليتحصل كل واحد منهم على أدوات أكثر – ليست كلها في خانة العمالة – لتعينه على تحقيق مصالحه داخل سورية .

فكيف يكون العمل السياسي في هذه المرحلة دون هيكلة ؟

  • بأن يتداعى أصحاب التجربة بنسبة ما والذين يعرفون بعضهم للقيام بخطوات سياسية عملية مدروسة بعد تبادل المعلومات بناء على الاهتمام والمتابعة .
  • ثم يتم توسيع الدائرة رويدا رويدا خارج نطاق أجندات الإقليمي والدولي حتى يبلغ الكتاب أجله وتحين ساعة الهيكلة المستندة إلى كفاءات ورجال لم تلن عريكتهم أمام مغريات الصفات والمال والعلاقات .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى