مقالات

قانون قيصر والعدالة الدولية

الدكتور طارق شندب

محام وأستاذ القانون الدولي
عرض مقالات الكاتب

رسم قانون قيصر مساراً جديداً لمحاسبة المجرمين الذين ارتكبوا جرائم إبادة، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب في سوريا. فالقانون الذي تم تفعيله أخيراً يعطي الولايات المتحدة الأميركية حق محاسبة المجرمين الذين ارتكبوا الجرائم السابقة بحق الشعب السوري خلال فترة الثورة السورية المستمرة منذ عام ٢٠١١ وحتى هذه اللحظة.

قد يكون قانون قيصر الأميركي ولد نتيجة مصالح أميركية في المنطقة، ولكنه يبقى أفضل الموجود في ظل غياب العدالة الدولية، المتمثّلة بمحكمة الجنايات الدولية، ومن خلفها مجلس الأمن، عن القيام بالواجب المفروض عليهم قانوناً.

فمحكمة الجنايات الدولية ذكرت شروط محددة للمباشرة بأي تحقيق ومحاكمة قضائية، وفي ملف سوريا، وهي الدولة غير الموقعة على اتفاقية روما التي أنشأت محكمة الجنايات الدولية، يعتبر بعض القانونيين، ومنهم مدعي عام المحكمة أن احالة مجلس الأمن الدولي هو شرط أساسي للمباشرة بأي تحقيق، أو محاكمة، فيما يعتبر البعض الآخر من القانونيين، وهو الرأي الغالب، أن مجرد توفر العناصر القانونية  لجرائم الإبادة، ولجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، يكفي للمباشرة بالتحقيق، والمحاكمة بغض النظر عن شرطي التوقيع، والإحالة.

‏استعملت روسيا، والصين حق النقض الفيتو لأكثر من خمس عشرة مرة أثناء التصويت في مجلس الأمن على ملف إحالة مرتكبي الجرائم في سوريا إلى مجلس الأمن، وقد تذرع مسؤولو محكمة الجنايات بعدم الإحالة  للمباشرة بالتحقيق، والمحاكمة.

‏وبغض النظر عن تلك الخلافات القانونية، فإن غياب المساءلة والعدالة شجع النظام السوري وحلفاؤه على الاستمرار مع الإيرانيين، والروس، وبعض الأطراف بارتكاب أفظع الجنايات وأخطرها على المجتمع الدولي، حيث إنه سقط أكثر من مليون قتيل سوري، وهجر نحو خمسة عشر مليونًا من  المواطنين، ودمرت المدن، وارتكبت جرائم مروعة، واستعملت أسلحة محرمة دولياً، وجربت أسلحة جديدة بشعب خرج مطالباً بالحرية، والكرامة.

جرائم النظام السوري، والإيرانيين، والروس التي ارتكبت بحق الشعب السوري لم يشهد لها مثيل في هذا القرن، حتى إن بعض المؤسسات الحقوقية اعتبرت أن تلك الجرائم لم يرتكب في فظاعتها في تاريخ البشرية.

جاء قانون قيصر ليفرض على النظام السوري محاكمة المتورطين في الأعمال الإجرامية، وإعادة اللاجئين السوريين، وإجراء تحول سياسي، وهو الأمر المستحيل حصوله، وتنفيذه من قبل النظام؛ لأن ذلك النظام بكل مكوناته السياسية، والاجتماعية هو المجرم الرئيسي الذي ارتكب تلك الجرائم المروعة بمشاركة روسيا، وإيران، وميليشيات إيران الطائفية، ومنها ميليشيا حزب الله اللبناني المصنفة إرهابية عربيًا، وأروبياً، وكذلك تعتبره الولايات المتحدة الأميركية .

‏بغض النظر عن التفاصيل والنقاط الأخرى في قانون قيصر، إلا أنه أعطى القضاء، والإدارة  الأميركية  سلطة محاسبة من ارتكب تلك الجرائم في سوريا، وخول الإدارة الأميركية إنزال عقوبات على النظام، ومن يتعاون معه، أو يدعمه، أو يساهم في إعادة إحيائه.

‏تداعيات قانون قيصر الإيجابية كثيرة، وبخاصة أن أحكامه ستطال دولاً ساهمت في دعم قتل الشعب السوري مثل إيران، وروسيا، وستطال أشخاصاً، و هيئات معنوية يدعمون النظام السوري بشكل سري وعلني.

صفوة القول: إن العدالة الدولية التي كان ينظر إليها بمنظار الأمل، وهي محكمة الجنايات الدولية لم تستطع أن تحقق الأمل لذوي الضحايا، والمفقودين، والمهجرين، والمتضررين من الإجرام المستمر في سوريا، فجاء قانون قيصر ليعطي بعض الأمل لأهالي الضحايا، والمعتقلين، والمتضررين، ولوضع ردع  ولو جزئي للنظام السوري وحلفائه.

إن مجلس الأمن الدولي، الذي فشل طوال تسع سنوات في إيجاد آلية قانونية لمحاسبة المجرمين الذين ارتكبوا أبشع المجازر بحق الشعب السوري، هذا المجلس لم يعد يستطع أن يحافظ على السلم، والأمن الدوليين، وهو أساس وجوهر وجوده؛ لذلك على الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعلى الدول الكبرى الأخرى، غير الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، العمل على إيجاد آلية قانونية، وسياسية جديدة للعالم الحديث، فلا يجوز أن تبقى خمس دول تتحكم بمصير العالم بأجمعه، ولا يجوز أن يكون القضاء الدولي خاضعاً لقرارات سياسية بإحالة ملف أمامه أو منعه من النظر به.

‏وعلى ذلك، فإن بعض الدول الخمس التي تملك حق الفيتو هي أصلاً متورطة بجرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب في سوريا كروسيا، وبالتالي فإن تغيير نظام مجلس الأمن، ونظام محكمة الجنايات الدولية صار مطلب معظم القانونيين الدوليين في العالم بلا إضافة لكونه مطلب دول كثيرة.

إن قانون قيصر إذا صح تطبيقه يعطي أملاً  كبيراً لذوي الضحايا، والمختطفين، والمهجرين اللاجئين لاستعادة بعض من حقوقهم، ولمعاقبة المجرمين . ‏إن قانون قيصر غطى  جزءًا من عورة العدالة الدولية التي سقطت في سوريا أمام إجرام روسيا، وإيران والنظام ، فهل سيطبق قانون قيصر تطبيقاً صحيحاً، أم سيكون عرضة للمساومات، والتسويات كما هو الحال الآن في مجلس الأمن الدولي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى