مقالات

“الاردوغانية”.. العسكر يربكون الدولة من جديد 4 من 13

جمال سلطان

كاتب وصحفي مصري
عرض مقالات الكاتب

انقلاب 1960 الذي قاده الجنرال “جمال جورسل” أدخل البلاد في دوامة من الفوضى والاضطراب السياسي ، لغياب أي حزب قوي ، وضعف القبول الشعبي لحزب الشعب الجمهوري حامي العلمانية الذي حمله كثيرون مسئولية التمهيد للانقلاب ، وظل هذا الارتباك قائما حتى ظهر السياسي الجديد المهندس “سليمان ديمريل” ليؤسس حزب “العدالة” ويفوز بالانتخابات الجديدة في العام 1965 ليؤسس حكومة جديدة منفردا ، ويلاحظ أن الأحزاب والتكوينات السياسية الجديدة كانت تحقق نجاحا لافتا رغم حداثة نشأتها ، في مؤشر على أن الشعب التركي كان يبحث عن الأمل الجديد بعد فقدان ثقته أو رهانه على الأحزاب والقوى القديمة .
نجح “ديميريل” في تحقيق انجازات اقتصادية واجتماعية مهمة ساعدته على الفوز مجددا بالانتخابات التالية عام 1969 ، ليكمل مسيرته التنموية التي فشل فيها العسكر قبله ، إلا أن العسكر الذين أقلقهم القبول الشعبي للحكومة المدنية ، ونجاحها في تحقيق إنجازات سريعة ، تعمدوا ترك قبضتهم الأمنية مرخية بما سمح بوقوع فوضى أمنية عارمة وانفلاتا غير مسبوق .

كانت فترة الفراغ السياسي التي تسبب فيها الانقلاب العسكري 1960 ، قد أتاحت ظهور حراك اجتماعي سياسي عنيف ، أخرج كل تناقضات المجتمع التركي ، فظهرت حركات ثورية راديكالية من كل الاتجاهات ، وأصبح التطرف هو علامة بارزة على السلوك السياسي ، من خلال منظمات يسارية راديكالية عنيفة وتستخدم العنف والسلاح ، وبداية ظهور جماعات دينية إسلامية متشددة متأثرة بأدبيات الحركة الإسلامية في مصر ، مع بداية ظهور تمرد كردي تطور مع الوقت لحركة وميليشيا انفصالية مسلحة ، مع تشكل عصابات إجرامية مسلحة روعت المجتمع وصنعت الفوضى ، كما وقعت هجمات على المصارف ونهبها ، وتوقفت الجامعات عن الدراسة في كثير من الأحيان، وخطفت منظمات غامضة ـ يرجح أنها يسارية ـ جنودا أمريكيين من العاملين في قواعد الناتو .
وقد ساهم في تلك الفوضى أن الجنرالات لم يسمحوا للزعيم الجديد “سليمان ديمريل” أن يمارس سلطاته الشرعية بشكل كامل ، بل شعر الجنرالات بالقلق من شعبية “ديميريل” ونجاحاته ، ولما لم يستجب “ديمريل” لتلميحاتهم وإشاراتهم ، وجهوا إنذارا إلى رئيس الحكومة في صورة مذكرة عام 1971 ، ثم تحركت الدبابات بعدها مباشرة لتعلن الانقلاب العسكري الثاني في تاريخ تركيا ، وتقيل حكومة ديميريل ، فتدخل البلاد في أزمة سياسية جديدة ، لم تخرج منها إلا بإجراء انتخابات جديدة عام 1973 ، لم يحقق فيها حزب العدالة ـ حزب ديمريل ـ نسبة فوز تسمح له بتشكيل الحكومة منفردا ، فاغتنم الفرصة “بولنت أجاويد” رئيس حزب الشعب الجمهوري ، وريث الكمالية ، فدخل في ائتلاف سياسي مع حزب “السلامة” الوليد الجديد في الساحة السياسة التركية ، وهو الحزب الذي أسسه البروفسور صاحب التوجه الإسلامي “نجم الدين أربكان” ، ولكن تلك الحكومة لم تكمل عاما واحدا ، نظرا لتباين الرؤى الأيديولوجية بين الحزبين ، وأيضا بسبب عدم رضا الجيش على مشاركة حزب له توجه إسلامي في الحكومة الجديدة .

وبدأ العسكر مرحلة جديدة صدروا فيها الأحزاب الضعيفة كواجهات بينما يسيطرون هم على قرارات الدولة ، ويصنعون السياسات الأمنية والاقتصادية والإعلامية والدينية والقضائية ، ويوجهون القضاة بإصدار أحكام لتأديب من لا يرضون عنه ، ويضعون التهديد بسيف الانقلاب على رقاب الجميع الذين كان ولاؤهم ـ بطبيعة الحال ـ للدبابة وليس للشعب ، فعادت الأوضاع للسوء ، إلا أنها أصبحت أسوأ كثيرا مما سبق ، حيث اتسع انفلات الشارع ، وظهرت نزعات سياسية واجتماعية متطرفة في كل النواحي ، وتوحشت حركات يسارية متطرفة ولجأت إلى استخدام السلاح ووصلت إلى حد التهديد باغتيال الوزراء ورئيس الوزراء نفسه ، واتسع نطاق الحركات القومية الكردية المتطرفة ، وتيار إسلامي جديد واسع وحركات قومية عرقية متطرفة ، وانتشر السلاح بصورة غير مسبوقة وانتشر العنف الاجتماعي وفلتان الأمن والفساد وانهيار اقتصادي كبير وبطالة واسعة وهجرات ضخمة من الريف إلى المدن بحثا عن لقمة عيش ، وبدا أن تركيا بلد فقد بوصلته وفقد هويته وفي طريقه للهاوية ، وكل ذلك مهد لوقوع الانقلاب العسكري الثالث والأكثر دموية في تاريخ تركيا ….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى