مقالات

مشهد انقلاب 23 يوليو رؤية من الداخل

أحمد هلال

كاتب وحقوقي مصري – عضو منظمة العفو الدولية
عرض مقالات الكاتب

في ذكرى 23 يوليو لازال هناك من يقرأ مشهد انقلاب الضباط على الشرعية الدستورية بطريقة مختلفة ،ويعتبرون أن الإخوان المسلمين شريك أساسي في انقلاب 23 يوليو، وأنهم كانوا سببًا مباشرًا في الأوضاع التي نعيشها حتى اليوم.

لكن باستعادة قراءة الأحداث بطريقة منصفة، ونظرة واقعية متجردة، نجد أن الإخوان المسلمين لن يسعوا عبر طريق يؤدي إلى استنزاف، وإضعاف الشعب المصري ،ولن يكونوا طرفًا في خيانة ، ولن تكن أهدافهم السيطرة على حكم مصر عبر طريقة الانقلاب ،ولن يتخذوا سبيلًا غير مشروع للوصول إلي غاية نبيلة، و مشروعة ،وأن من منهج التغيير عند الإخوان المسلمين أن الغاية لا تبرر الوسيلة، ولن تكون الوسائل القذرة مشروعة من أجل الوصول إلى الغاية النبيلة.

وجود خائن وسط مجموعة الضباط ، لا يعني اتهام الإخوان المسلمين بالغباء، أو عدم القدرة على التمييز بين الخائن والشريف.

عندما قامت حركة الضباط بالانقلاب على الملك لم يكن من أهدافها تسليم حكم مصر للإخوان المسلمين، بقدر ما كانت أهدافها التمحور، أوالتمركز حول إعطاء الفرصة للشعب المصري مزيدًا من الحياة، و الحرية، و الكرامة ،ولما كان ذلك هدفًا مشروعًا، وغاية نبيلة ،فقد اتفق الجميع على القيام بهذا العمل من أجل صناعة مشهد مختلف تمامًا، والانتقال السلمي المتدرج من الحكم الشمولي الاستبدادي إلى حكم مدني عبر التعددية، و الانتخابات، و التشاركية السياسية في الحكم.

ولما اصطدمت الأهداف، والمصير ظهرت الخيانة هنا.

كان من أهداف السيد محمد نجيب هو الدعوة إلى انتخابات الرئاسة لاختيار رئيس مدني ليتسلم الدولة المصرية، ويعود الجيش إلى ثكناته، ومهامه، لكن تحولت النفوس، وانحدرت في السقوط في مستنقع الخيانة، ولم تفِ بالحق الذي خرجت من أجله.

كانت هناك نقطة فارقة في حياة انقلاب يوليو، وهي الثورة التي اندلعت في ميدان عابدين، حيث تجمع نصف مليون مصري وقت أن كان الشعب المصري كله سبعة ملايين، وكان من الممكن استعادة المحاولة للسيطرة على الانقلاب وعصاباته، وكانت قوة الإخوان المسلمين تسمح بمواجهة عسكرية، و انقلاب على الانقلاب، حيث أن القوات المسلحة التي كان يمتلكها الإخوان المسلمين كانت تكفي للمواجهة ،

لكن الإخوان المسلمين تحكمهم ضوابط، وأخلاقيات لا يمتلكها الكثير، حيث إن سلاح الإخوان المسلمين لم يكن من توجهاته أن يكون في صدر المصريين، لكنه كان ضد الإنجليز في مصر، واليهود في فلسطين ،ولم يكن النظام الخاص كذلك أيضًا، ولم يكن للإخوان المسلمين أن يتورطوا في دم المصريين من أجل استعادة الشرعية بالقوة، ولربما كانت تزهق أرواحًا كثيرة دون بلوغ الهدف، و إعطاء الفرصة لوضع مصر تحت الوصاية الدولية، وعدم التمكن من مواجهة الإنجليز الذين كانوا يحتلون مصر وقتها.

اختار الإخوان المسلمون الطريق الصعب في المواجهة، وظلوا لا يعترفون بالهالك عبدالناصر، حتى نزلت على أجسادهم، سياط العذاب من كل اتجاه، وكانت حياتهم مرهونة بكتابة تأييد للطاغية من أجل الخروج من السجون،

 و المعتقلات، لكن السبابة التى تشهد بالتوحيد لم تتورط في تأييد الطاغية.

وإذا كان الإخوان المسلمون يتخذون من الطرق الشرعية نجاة لشعبهم، ولو كان على حساب أجسادهم، وأرواحهم، فإن طريقهم معروف، بأن الغاية لا تبرر الوسيلة، وأن الإصلاح، والتغيير لا يأتي عبر الدماء المصرية، ولا المواجهات الدامية، ولا توجد دولة قامت على أنقاض ثورة، و دماء وأشلاء، وانقلاب.

هلك عبدالناصر، وزبانيته، وبقي الحق لأصحابه لن يضيع دماء المصريين حتى يبلغوا هدفهم، و على أصحاب الغايات الكبرى أن لا توقفهم التضحيات، ولا كثرة الابتلاءات، فلم يولد طفل إلا من رحم المعاناة، والألم ،ولم يبق شعب يضحي إلا، وتكللت تضحياته بالنجاح.

نتطلع إلى غاية كبرى، وعلينا أن نصبر بحجم تطلعاتنا، وأن في آخر الطريق وعد الله، ونصره للضعفاء، ولم ينهزم ضعيفًا بقدر إيمانه الذي في قلبه، ولم ينتصر قويًا بقدر خساسته، ووقاحته، وغدره، وخيانته.

لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) الطلاق

وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21) يوسف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى