مقالات

بين العساكر في تونس والعساكر في البلدان العربية

نعيم مصطفى

مدير التحرير
عرض مقالات الكاتب

لقد تعثرت جميع ثورات الربيع العربي، بسبب تجذر الدولة العميقة، وبروز الثورات المضادة على أيدي الدول التي خشيت من رياح الربيع العربي أن تصيبها، ولكن دولة واحدة استطاعت أن تتجاوز كل العقبات، وتشق طريقها باتجاه الديمقراطية بكل تصميم وعزم،  وكان السؤال المحير لدى جميع الشعوب التي ضحت بالأنفس والمال واللجوء والهجرة، لماذا لم تنجح ثوراتها رغم ما قدمت، في حين نجحت إلى حد كبير الثورة التونسية، مع أنّ الشعب التونسي شعب عربي ومسلم، ولا يختلف عن الدول العربية في عاداته وتقاليده وقيمه؟ وجاء الجواب من بعض المراقبين والمحللين والباحثين، أن تونس دولة بعيدة عن إسرائيل جغرافيًا، وأن تونس فقيرة بالثروات الباطنية وبالبترول، لذلك لا حاجة للغرب وإسرائيل وأذرعتهم أن يعرقلوا مسيرتها الديمقراطية، ولكن هناك سببًا لا يقل عن تلك الأسباب إن لم نقل يبزها، وربما يكون السبب الرئيس، ألا وهو نقاء الجيش التونسي، فقد ثبت أن الجيش التونسي جيش متجانس، ومن نسيج الشعب حقيقة ومجازًا، ويعرف ماله وما عليه، ويدرك   أن وظيفته هي حماية الحدود والمرابطة على الثغور، لذلك وجدناه خرج من الثورة بأيادي بيضاء طاهرة أمينة تستحق التقبيل، لم يتورط في مساندة فئة على فئة، أو جهة على جهة، بل وقف على مسافة واحدة من الجميع، مشنفًا أذنيه لمطالب الشعب في تحقيق الحرية والديمقراطية، لذلك سميت الثورة التونسية بثورة الياسمين، وبعد انتصار الثورة واستتباب الأمن عاد إلى قواعده وإلى ثكناته، وسلّم مفاتيح السياسة للسياسيين.

أما إذا ما انتقلنا إلى المشهد على الضفة الأخرى لدى الدول العربية، فإننا نجد المآسي، والجرائم، والدماء الغزيرة التي أهرقت ظلمًا، وعدوانًا على أيدي العسكر القذرة الخائنة، فلو رجعنا قليلاً إلى الخلف وبالتحديد إلى بداية التسعينيات من القرن الفارط (1992) لوجدنا أن الجيش الجزائري قد تورط في قتل مئات الآلاف من الشعب الجزائري، وذلك ليقضي على أحلام الجزائريين آنذاك التي أفرزتها الصناديق، وفازت فيها جبهة الإنقاذ، وقبل هذه الجرائم أيضًا تحدثنا صفحات التاريخ عن الإجرام الذي قام به جمال عبد الناصر في مصر، وكيف أجهز على الحياة المدنية، والسياسية، وجعل من مصر ثكنة عسكرية.

ولو عدنا إلى الربيع العربي لو وجدنا أن مصر مثلاً نجحت ثورتها /25 يناير/ وانتصرت الديمقراطية واختار الشعب رئيسه (الدكتور مرسي) وأُنجز الدستور وسارت الأمور عاماً على ما يرام، وعلى خطى دول العالم الغربية المتحضرة والديمقراطية، ولكن هذا الأمر لم يرق للعساكر الذين تعودوا منذ أكثر من سبعين عاماً على الظلم، والتسلط والسرقة والنهب، فقاموا بانقلاب تزعمه السيسي، وأعاد البلاد إلى قبضة الجنرالات الفاسدين المتخلفين، مما جعل دولة مصر العظيمة، تتقزم أمام كل الدول، وتصبح ألعوبة في أيدي صبيان من الخارج (ابن سلمان وابن زايد)، ومن الداخل ( الضباط الذين تركوا الجبهات وراحوا يعيثون في المؤسسات المدنية فساداً).

وإذا ما انتقلنا إلى ليبيا لوجدنا المشهد يشبه مصر، ولكن الصراع ما زال قائمًا بين جنرال يسير على خطى القذافي يريد أن يعيد البلاد إلى العصور الحجرية، وبين سلطة مدنية منتخبة تريد تنهض بالأمة، وتسوس البلاد بالدستور والقانون والعدالة.

ولو انتقلنا إلى سورية، لوجدنا المشهد أشد فظاعة، ووحشية ودموية من سابقيه، فقد أعمل الجيش العربي السوري سيفه في رقاب السوريين حتى بلغت ضحاياه المليون، وهجر ما يزيد على عشرة ملايين، ومارس ومازال يمارس كل أنواع الموبقات في الشعب السوري المظلوم.

نخلص مما تقدم إلى أن علة العلل، وأس المصائب، والفتن هم الجيوش العربية، ولا يمكن للأمة العربية أن تصلح وتنهض إلا إذا تماهى جيشها مع شعبها، وانصهر في بوتقة واحدة، وترفع عن كل ألوان الشحن، والتحريض، والفتن، والتزم بوظيفته الحقيقية، وهي الذود عن حياض هذه الشعوب.

يقول السيناريست الراحل أسامة أنور عكاشة:

” حتى أصبح حكم العسكر هو لعنة العالم الثالث، فحيثما يحكم العسكر تغيب الحرية، وتصبح الديمقراطية نكتة، وتداس حقوق البشر بالأقدام، تلك هي قضية الثابت حيث لا يختلف حولها رأيان، والثابت هنا هو إدانة الفاشية العسكرية أمس، واليوم، وغداً”.    

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى