مقالات

الشرعية (4) – الشرعية العربية (شرعية الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي)

أ. د. عبد المجيد الحميدي الويس

سياسي وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

     تشكلت الجامعة العربية في عام 1945م بمشورة ومساعدة الانكليز الخبثاء الذين كانوا يحكمون المنطقة بالمباشر, أو بغير المباشر من خلال أذنابهم في مصر والخليج العربي والعراق وغيرها من مناطق كثيرة من الوطن العربي المستباح آنذاك, وما يزال.

       وكان الهدف من إنشائها؛ قطع الطريق على كل الدعوات الجادة إلى الوحدة العربية, فهاجس الشعوب العربية آنذاك, ولا سيما المثقفون منهم, والأحزاب والحراك الثوري الذي كان يجتاح المنطقة بسبب معارك فلسطين, وبداية إنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين.

     كان من المفترض أن تكون الجامعة العربية, جامعة للشعوب العربية, وموحدة لها, وملبية لطموحاتها, ولكن الذي حصل أنها تحولت إلى جامعة للحكام الإنكلو عرب, أي عملاء بريطانية والغرب عموما, فهناك أنظمة موالية لفرنسا, وغيرها.

    ثم ما لبثت أن تحولت إلى ناد للحكام العرب, ومرتع لمنظماتهم القمعية, فقد كانت اجتماعات وزراء الداخلية العرب, هي الاجتماعات الوحيدة التي لم تنقطع, على الرغم من كل ما حصل بين تلك الأنظمة من خلافات, وكان كل همهم التنسيق الأمني, وكيفية قمع الشعوب العربية.

      كانت الجامعة العربية وبالا على الشعوب العربية, وكارثة حلت على الوطن العربي, حيث كرست التجزئة, ومكنت الأنظمة من رقاب شعوبها بالتنسيق والتعاون فيما بينهم, لحماية أنفسهم من غضبة شعوبهم, وليكونوا جبهة واحدة في وجه أي شعب أو بلد يفكر بالحرية من عبوديتهم, وقد تمكنوا من رقاب الشعوب حتى استطاعوا أن يمرروا كل مشاريعهم التي تخضع المواطن والشعب والبلد والأمة, لمصالح الأجنبي الذي يدير اللعبة من وراء الكواليس.

         إن أخطر ما قامت به الجامعة العربية من دور خياني لصالح أعداء الأمة العربية, يوم اتخذت قرارا باستدعاء القوات الأجنبية لتدمير العراق, بحجة تحرير الكويت, في عام 1990وكان بطلها وفارسها الجبان آنذاك حسني مبارك الخائن, الذي عمل مع مجموعة من الحكام العرب العملاء, والسفيرة الأمريكية في بغداد, على توريط العراق في غزوه للكويت, لتغيير خطة العراق من التوجه إلى سورية, وإسقاط نظام حافظ الأسد, إلى التوجه إلى الكويت واحتلالها, ومن ثم ضمها إلى العراق, بحجة أنها جزء تاريخي من أرضه, وبما فعله الكويتيون من إيذاء للعراق, مدفوعين من الأنظمة والأجهزة نفسها التي دفعت العراق, وورطته وأوقعته في الفخ الذي نصبته له بإحكام, وبمكيدة مدبرة, كان الغرض منها تدمير العراق الناهض الصاعد المتطور؛ الذي صار يشكل خطرا على أعداء العراق والأمة العربية, ولاسيما الكيان الصهيوني, وأنظمة العمالة والخيانة العربية.. بعد أن خرج منتصرا في حربه الضروس مع إيران التي دفع إليها أيضا من الأطراف أنفسهم, مستغلين حمق وجهل وغباء واندفاع النظام العراقي.

      تلك الحرب التي كان لي شرف المشاركة فيها – وسأتحدث عنها, وعن حرب الكويت وما حصل تفصيلا في وقت لاحق في كتاب سأخصصه لهذا الموضوع –  وقد شارك في هذه المؤامرة على العراق والكويت, عدد من الدول العربية والغربية وعلى رأسها (………… والولايات المتحدة الأمريكية, مدفوعة من الصهيونية والماسونية العالمية).

        وكان لجامعة الدول العربية إضفاء الشرعية على عملية تدمير العراق, في اجتماعها التاريخي المشؤوم, وهذا من أعظم منجزاتها.

الشرعية العربية, والربيع العربي, وثورة الشعب السوري:

      كان الربيع العربي كابوسا حل على كثير من الأنظمة العربية, وكارثة نزلت على رؤوسهم, وقد بدأوا يتحسسونها.

       وكلما سقط نظام من أنظمة الظلم والاستبداد والجريمة المنظمة, كلما ثارت ثائرتهم, وازداد خوفهم على عروشهم, وعلى ربيبتهم وحليفتهم وحبيبتهم (إسرائيل) والكيان الصهيوني.

     بدأت أحجار الدومنا بالسقوط واحدة بعد أخرى, فبدأت بتونس ونظام ابن علي, ثم انتقلت إلى مصر وحسني مبارك, فإلى ليبيا القذافي أخزاه الله في الدنيا والآخرة, ومنها إلى المجرم علي عبد الله صالح, واستقرت في سورية.

     استعادوا عرش مصر, وانتزعوه من شعبها المظلوم بقوة المال والسلاح والتآمر والخيانة, وأغرقوا اليمن في حرب أهلية تتسع يوما بعد يوم, وأشعلوا حربا في ليبيا يستعر أوارها, وهم يزيدونها حطبا ونارا, وأما تونس فهي تتأرجح بين كفتين ومعسكرين, وهم يشنون حربا خفية باردة, مجالها الاقتصاد, وأدواتها السبسي وجماعته, ومورو وشلته, ولكن عنصر الثورة ورجالها مازالوا هم الأقوى, ونسأل الله لهم التمكين والاستقرار.

  • دور الجامعة العربية التخريبي المتآمر على الثورة والشعب السوري:

        يتجلى دور الجامعة العربية المتآمر على الثورة السورية منذ اليوم الأول لانطلاقها, إذ قام أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي بزيارة إلى المملكة العربية السعودية, ومنها طار إلى دمشق, حيث التقى المجرم بشار الأسد, ليخرج بمؤتمر صحفي في دمشق بصحبة وزير الخارجية السوري, فيعلن أن الجامعة العربية تقف بقوة إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد في مكافحة الإرهاب, حيث فاجأ الجميع بهذا الموقف المخزي, وهذا الوصف الغربيب للمتظاهرين السلميين الذين كانوا ما يزالون يتظاهرون سلميا, والنظام يستعمل الرصاص الحي لقمع تظاهراتهم.

       كان التصريح مستغربا, وأثار زوبعة كبيرة من النقد, وردة فعل قوية, على المستويين المحلي والعربي, ما جعله يضطر مرغما لتغيير موقفه, بالتشاور مع أسياده, من داعم للنظام المجرم, إلى ناقد له, ومن ثم تم الطلب من مندوب النظام عدم حضور جلسات الجامعة العربية, ونزعت الشرعية منه على أمل أن تعطى لممثلي الثورة والمعارضة السورية, ولكن ذلك لم يحصل.

     استمر وضع الجامعة العربية متقلبا متضعضعا ضعيفا, حتى تم تشكيل الائتلاف الوطني السوري, في الدوحة, حيث قام بعدها وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم باصطحابهم إلى القاهرة لتسلم مقعد سورية في مجلس الجامعة, ولكن المفاجأة حصلت, والصدمة كانت كبيرة عندما منع ممثلو الثورة والمعارضة من الدخول إلى القاعة, ثم طلب منهم الأمين العام مغادرة المبنى, وكل ذلك تم باتصال هاتفي من قبل المقبور ………… بالموظف الرخيص المرتزق نبيل العربي.

     الشيء الوحيد الذي استطاعت قطر فعله دعوة ممثل المعارضة والثورة السورية لحضور اجتماع القمة العربية, وألقى معاذ الخطيب كلمته فيها, لتكون هذه الدعوة عاملا آخر لخلاف سعودي قطري خطير؛ تطور حتى وصل إلى حد القطيعة والحصار, ومازال مستمرا؛ يشتد ويهدأ بحسب الظروف التي تسنح, مما جعل القيادة القطرية تتراجع كثيرا في دعمها للثورة السورية, وتتحول تدريجيا إلى الميل إلى جانب النظام, إرضاء للجانب الإيراني الذي يشكل الآن المتنفس الوحيد لدولة قطر, لاسيما في مجالها الجوي والبحري, بسبب الحصار المفروض عليها.

    كلما سنحت الفرصة لإعادة العلاقة مع النظام المجرم, استغلتها بعض الدول, وحاولت دفع بعض الحكام للقاء المجرم بشار الأسد, وتلميع صورته عربيا, كما فعلت مع الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير لقاء مبلغ مالي قدره 25 مليون دولار, وما تفعله دولة أخرى في غرفة العمليات التي تقيمها للمصالحات مع النظام المجرم..

       ومازالت الجامعة العربية بأنظمتها المستبدة تتصدى للربيع العربي بكل قواها, في سورية وليبيا واليمن وتونس, وتحاول قبره بكل الوسائل, وشتى الطرق, واستنزفت المليارات من أموالها, وقتلت مآت الآلاف من المقاتلين والمدنيين في تلك الدول, ومازالت المعركة مفتوحة ومستمرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى