مقالات

الثورة حين تسبق الثوار

محمد عماد صابر

برلماني مصري سابق
عرض مقالات الكاتب

ثورة يناير لم تكن ضد مبارك ونظامه المستبد الفاسد فقط.. لكنها كانت ثورة ورفض لكل مكونات المشهد .. بدأت بمبارك ورموز حكمه ومؤسساته ثم امتدت في كل الاتجاهات .. طالت الأفكار والكيانات والمعتقدات.. طالت الأعراف والتقاليد والعادات.. وهذا ما أشعرنا بأجواء الفوضي والرفض العام.. لكنها أجواء كل الثورات في العالم.. تابع ما يتم في تونس حتي اليوم.. إنها ردود أفعال لعشرات العقود من القهر والظلم والاستبداد ..

تقدمت مفاهيم وتراجعت أخري نظرا لطبيعة المرحلة .. تقدمت مفاهيم الرفض والنقد والجدل والاشتباك ومعها أجواء الصخب .. وتراجعت مفاهيم الصمت والانصياع في أجواء السكون والتقليد والاتباع ..

هذا ما لم تستوعبه الأحزاب والجماعات شريكة الثورة .. كما لم تستوعبه مؤسسات الدولة الرسمية والأهلية خاصة الأسرة و المدرسة والمسجد والكنيسة .

حاولت مكونات المشهد استكمال المسير بعد الثورة بنفس أفكار وأنماط ومفاهيم ما قبل الثورة.. وعندما شعرت أن هناك قدر من الحركة والتململ من البعض . وقعت فيما وقعت فيه أنظمة الاستبداد بالمزيد من القيود والضوابط والشروط وكانت ردات الفعل رفضا لهذه القيود الجديدة التي تطرح في أجواء الحرية والثورة .. ردات فعل أحدثت بعض الشروخ والتصدعات منها ما كان معلنا ومنها ما كان مكتوما..
لم تستوعب مكونات المشهد الثوري أنها بحاجة إلى كثيري النقد كما هي بحاجة إلى كثيري الصمت والانصياع و أن كليهما له دوره وفقا لإمكاناته وقدراته في ظل منظومة قيمية راقية وتنظيمية عادلة .

عجزت مكونات المشهد شركاء الثورة استيعاب القيم والمفاهيم والأجواء الثورية .. وأرادوا أن يعودوا لطريقهم القديم في الأفكار والأنماط والمفاهيم والقيم.. لكن عجلة الثورة تجاوزت الثوار و شركاء الثورة .. فزادت المسافات والفراغات داخل الكيان الواحد وبين الكيانات وبعضها البعض حتي تحول شركاء الثورة الي فرقاء السياسة ثم الي خصوم وأعداء الاستحقاقات والمحاصصة .

علي هذا النهج مازال غالببة مكونات المشهد .. في الداخل المصري ردة إلى ما قبل الثورة بل إلي ماهو أسوأ من الاستسلام والاستكانة بل والانحياز للاستبداد والفساد والقمع ضد كل القيم السلبية التي ثاروا عليها من قبل… وفي الخارج تشتت وانقسام وتصادم فضلا عن غياب تصور واضح للخروج من الأزمة ..

الواقع الحالي يحتاج ثورة شاملة كاملة ضد سلطة الاستبداد والفساد والقمع التي يديرها الانقلاب العسكري لكن يسبقها ثورة داخل المربع المعارض لإزالة الركام والعقبات التي أوصلتنا لما نحن فيه الآن. .. أصبحنا بحاجة الي ثورتين .. ما أصعب طريق التغيير يا وطن .. حفطك الله يا مصر ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى