حقوق وحريات

إضاءات سياسية (36)

هيثم المالح

عرض مقالات الكاتب

سوريا عن صحيفة دير شبيغل (المرآة) الألمانية

26/11/2005

عندما توفي والده القوي عام 2000 وعد بشار الأسد بإنهاء القمع السياسي في سوريا . إلا أنه وبعد فترة قصيرة من الشفافية الديمقراطية ، أسدلت من جديد ستارة الديكتاتورية . لقد رفض سماسرة البلاد الممسكين بزمام القوى أن يفسحوا المجال للديمقراطية .

تعتبر الجمهورية العربية السورية التي حكمها حزب البعث منذ عام 1963 المدججة بالسلاح ، والتي لا تنقطع عن المراقبة المستمرة لكل منشق أو خارج عنها ، تعتبر بلد علماني لا تسمح بالتطرف الديني . هي في الواقع لم تكن تسمح بأي شي ء في ظل نظام الديكتاتور حافظ الأسد . إلا أن الأمور قد اختلفت قليلاً بعد اعتلاء بشار الأسد سدة الحكم .

يبدو واضحاً أن أجهزة المخابرات قد تلقت أوامراً بأن تخفف من تعاملها الوحشي والتعسفي ، كما أصبحت لواقط الأقمار الصناعية تزين أسطح منازل العاصمة ، وانتشرت مقاهي الإنترنت ..

عندما اعتلى بشار الأسد سدة الحكم بعد الموت المفاجئ لوالده عام 2000 ، كان هناك شعور مفاجئ في دمشق بالأمل بالرئيس الجديد الطبيب المدرب في لندن ، والذي تكلم عن انفتاح البلاد وإنهاء القمع السياسي . قال : “أنا أدعو جميع السوريين إلى المشاركة في هذه السياسة” .

كانت كلمات جميلة فعلاً ولكنها سرعان ما تم تناسيها . بقيت سوريا بلد استخبارات تقمع بقسوة ناقديها ، ولكن لماذا ؟ يجيبنا عن هذا السؤال الرجل الذي أمضى حياته المهنية لكي تبقى زمام سلطة الدولة في سوريا بيد زمرة صغيرة من الأشخاص : اسمه مصطفى طلاس ، وكان مساعداً مقرباً من الرئيس السابق حافظ الأسد ، ومن القلة القليلة التي وثق بها حافظ الأسد في حياته .

يستقبل طلاس ذو 72 عاماً ضيوفه في شقته في حي أبو رمانة -وهو حي الطبقة الراقية في العاصمة دمشق- . تتدلى الثريات الكريستالية المتلألئة من الأسقف ، بينما تغطي مجموعة من السجاجيد الشرقية أرض الغرف . صور العائلة معلقة على الجدران ورسمان طبشوريان لزهور برية معلقتان خلف الأريكة .. الفنان أدولف هتلر .

قال طلاس وهو يرتشف الشاي من كوب ذو حافة مذهبة : “إذا كنت تريد البقاء في السلطة ، فعليك أن تجعل الآخرين يخافونك” .

قبل تسعة أشهر من الآن كان طلاس لا يزال وزير الدفاع للجمهورية العربية السورية ، وهو منصب ظل يشغله 32 عاماً . كان طلاس أداة استخدمت لقمع المنشقين من الإسلاميين والديمقراطيين المشابهين لهم . هذا القومي السوري والمؤيد لقضية سوريا العظمى كان مسؤولاً أيضاً عن مجزرة حماة التي طالت المتطرفين الدينيين عام 1982 ، بالإضافة إلى مئات الاعتقالات التي حصلت في صفوف النشطاء في الجناح اليساري من المعارضة ..

لم يعد طلاس يذكر بالضبط عدد أحكام الإعدام التي وقّع عليها بشكل شخصي ، إنه يتكلم بهدوء وهو يشرح لماذا كانت هذه الأعمال الوحشية ضرورية ولا يمكن تفاديها ، حتى بالنسبة للكثيرين الذين أعدموا شنقاً . يقول أنه في الثمانينات كان يُنفذ 150 حكماً بالإعدام في كل أسبوع في دمشق لوحدها . “نحن استخدمنا السلاح لفرض سلطتنا وأردنا أن نستمر في استخدامنا له . إن أي شخص يريد السلطة عليه أن يأخذها منا بقوة السلاح” هذا ما قاله اللواء وهو يبتسم .

حياة المعارضة

يعيش رياض الترك ناشط في الحقوق المدنية والسكرتير العام للحزب الشيوعي في سوريا في إحدى ضواحي دمشق ، في شقة أثاثها متواضع . أمضى 30 عاماً في ظل نظام حافظ الأسد معارضاً للنظام الاستبدادي .

أمضى الترك 18 عاماً في السجن ، 17 منها في سجن انفرادي ، أمضى  هذه السنوات دون محاكمة . أودع في السجن بناء على طلب شخصي من الرئيس حافظ الأسد ، وبعلم من وزير الدفاع مصطفى طلاس .

مصطفى طلاس ورياض الترك كانا زميلان في مدرسة الهاشمية في حمص التي تبعد 150 كم عن دمشق .

بدأت أيام ربيع دمشق وهي الفترة التي استهل بها الرئيس بشار حكمه عام 2000 بعد سنتان من إطلاق سراح الترك . في تلك الفترة عاد العديد -بما فيهم الترك- إلى الخطابة الشعبية من جديد . وصف الترك في خطاباته كيف اعتلى حافظ الأسد سدة الحكم ، وكيف قمع الأحزاب السياسية الأخرى وداس على الحقوق المدنية والإنسانية .

شكلت مجموعة من المحامين والأطباء طاولة مستديرة قدمت -من ضمن الأشياء التي قدمتها- وثائق تصف الفساد في القطاع الاقتصادي وملفات تطال فساد بعض أعضاء الحكومة . كشفت المجموعة على سبيل المثال أن رامي مخلوف قريب الرئيس بشار -ابن خاله- هو المستفيد الرئيسي من قطاع الاتصالات اللاسلكية -الهاتف المحمول- أو حتى المحتكر له .

إلا أن مناقشة أمور كهذه أو الكتابة عنها كانت أكبر من أن يتحملها الرئيس الشاب ومن حوله ، ولم يكد يبدأ ربيع دمشق حتى انتهى .. وكان اعتقال الترك وآخرين عام 2001 .

اتهم المدعي العام 10 ناشطين بترويج المعلومات الكاذبة والدعوة إلى المظاهرات المسلحة . وحكم على المتهمين بأحكام تتراوح بين السجن لمدة سنتين إلى عشر سنوات .

ولا زال هناك معارضين للنظام الذي لم يشهد التغير الموعود يجتمعون في منتدى الأتاسي الذي تديره سهير الأتاسي في شقتها في ضاحية دمر . هي تعرف جيداً أن من بين زائريها الثلاثمائة يوجد أربعون من الأمن السري ولكنها تقول : “ولكن علينا أن نخاطر ، وإلا فلن يتغير شيء هنا” .

هل هذه هي الحرية ؟ هز طلاس كتفيه مجيباً : “لا تثق بأي سياسي . إنهم جميعاً يكذبون ، يجب عليهم أن يكذبوا ، وإلا فلن يبقوا في السلطة” . سألته ما الجرم الذي ارتكبه رياض الترك ، فهز رأسه وقال : إن المقاومة يجب أن تقمع منذ البداية : “البتر هو الجواب الوحيد” قالها وابتسامته الفاتنة تتراقص على شفتيه من جديد وتابع “هكذا كانت بدايتنا” .        

بالطبع ، يعرف الثعلب العجوز طلاس أنه في عصر العولمة لا يوجد أمام سوريا خياراً سوى أن تفتح نفسها للعالم ، وأن الإصلاحات ضرورية لحماية الاقتصاد من الانهيار الكامل ، ولكنه يقول : “ولكن إذا كان هناك إصلاحات فيجب أن تتم بحذر وتؤدة وبطريقة مضبوطة ومسيطر عليها” وقد يكون من الضروري أن تأتي من أولئك الذين يحكمون البلد اليوم .

فترة الديناصورات

لا زال هناك مبدأ مطبق في هذه الأيام بالرغم من تقاعد بعض الديناصورات مثل طلاس .

لقد تم غربلة رجال الأعمال الناجحين أو إبعادهم عن حقل التجارة ببساطة . جميع الصفقات التجارية يجب أن تكون بيد اللاعبين القدماء ، مع القليل من العائلات التي يمكن أن تشارك في الأرباح .

أبناء طلاس والخدام على سبيل المثال يسيطرون على حقل الإعلام وحصة كبيرة من تجارة البلاد .

لقد أصبح العديد من العسكريين من ذوي الرتب العالية أغنياء إلى حد يفوق التصور بعد سنوات من العمل العسكري السوري في لبنان . يتم تهريب الإلكترونيات غالية الثمن والسيارات التي تضع عليها الدولة الاشتراكية جمارك بحدود 250% بكل سهولة إلى داخل البلاد دون أي ضرائب ثم تباع في السوق السوداء .

المعارضة اليوم ضعيفة جداً ولا تقوى على تحريك الشارع السوري .

هناك أصوات تريد أن ترتفع . جيل كامل من الناشطين تتراوح أعمارهم ما بين 30-40 سنة مقموعون الآن : إما يجبرون على الصمت أو يسجنون أو حتى يقتلون .

هل هذا يعني الاستعانة بقوة من الخارج ؟

طلاس جالساً في غرفة الجلوس في شقته وتعلو محياه ابتسامة عريضة يقول : “إنني أعاني من كوابيس خطيرة . كان الأمر مرعباً . رأيت جميع أصدقائي القدامى وقد حُبسوا . ولكن كان علينا أن نقوم بهذا ، لم يكن أمامنا خيار آخر . لقد حققنا ثباتاً طوال 34 سنة دون أن نشهد انقلاباً واحداً .

العام والخاص في مفهوم حقوق الإنسان

21/12/2005

باتت “حقوق الإنسان” شعار الربع الأخير من القرن العشرين الماضي ، ونشطت حركة الدفاع عن هذه الحقوق منذ أواسط السبعينات نشاطاً فاق كل ما سبق لهذه الحركة أن حققته منذ نشأتها ، وأضحى هذا النشاط عالمياً في انتشاره ، غير محدود بحد في موضوعاته ، فكل ما يخطر على البال من شأن أو فكرة أو شيء يتصل بحياة الإنسان ، تحول في تيار هذا الانتشار إلى صورة الحقوق الإنسانية الجديرة بالحماية .

مفهوم الحق :

ورد في لسان العرب لابن منظور :

الحق نقيض الباطل ، وجمعه حقوق وحقاق ، وفي حديث التلبية « لَبَّيْكَ حَقّاً حَقّاً .. »([1]) أي غير باطل ، وهو مصدر مؤكد لغيره ، وقوله تعالى : ( وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ… ) [البقرة : 42] ، وكذلك قوله تعالى : ( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ … ) [الأنبياء : 18] .

وحق الأمر يحق حقاً وحقوقاً : صار حقاً وثبت ، وقال الأزهري : معناه وجب وجوباً ، والحق اسم من أسماء الله الحسنى وصفة من صفاته .

إنها موغلة في القدم : بمعنى أن هذه الحقوق موجودة منذ خلق الإنسان فهي ليست وليدة التطورات الاجتماعية والأحداث العالمية ، لأن الإنسان كل إنسان بحاجة إليها لا يستطيع العيش بدونها ، فلكل إنسان الحق في الحياة والكرامة والحرية .. الخ .

صفات حقوق الإنسان وهي تتصف بما يلي : 

1- الأبدية : وهذه الصفة تفيد أن حقوق الإنسان باقية ما دامت كرتنا الأرضية تضم على ظهرها البشر ، لأنها الضمان الأساسي الذي لا غنى عنه ليحيا الإنسان حياة حرة كريمة .

2- التلازم : بمعنى أنها ترافق الإنسان منذ تشكله جنيناً إلى ولادته وحتى وفاته ، ولا يستطيع أحد أن يحجبها عنه ، فهي ملازمة للإنسان لم يمنن بها عليه أحد ، ولم يمنحها له أحد ، ولا تنفصم عنه مطلقاً .

3- الإعلانية : فحقوق الإنسان موجودة حكماً لا موجب لإقرارها من قبل سلطة تشريعية أو دستورية أو أية سلطة أخرى .. وهذا ما أشارت إليه الأمم المتحدة عندما قالت (بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ولم تقل بإقرار هذه الحقوق) ، وإنما مهمة التشريع تنحصر في تنظيم ممارسة هذه الحقوق فحسب .

4- شمولية حقوق الإنسان : أي أن هذه الحقوق ليست قاصرة على فئة معينة من الناس ولا على بقعة واحدة في العالم ولا في زمان محدد من الأزمنة ، وإنما هي حقوق أبدية ملازمة لجنس الإنسان في كل زمان ومكان ، وبالتالي فهي توصف بالعالمية .

فحقوق الإنسان حق لكل آدمي اتفق في الدين مع الآخرين أم اختلف ، وتوافق معهم في الجنس أو اللون أم اختلف ، وحقوق الإنسان يلتقي فيها الشرع مع العقل ، وفي ذلك قال الإمام الغزالي : “إن العقل شرع من داخل والشرع عقل من خارج” -معارج القدس في مدارج معرفة النفس-

والإنسان إنسان مهما اختلف دينه أو لونه أو وضعه الاجتماعي ففي وصية الإمام علي -كرم الله وجهه- إلى الأشتر النخعي حين ولاه مصر وما فيها من مسلمين وغير مسلمين قال له : “وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ ، والْمَحَبَّةَ لَهُمْ ، واللُّطْفَ بِهِمْ . ولا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً ، تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ ؛ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ : إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ ، وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ” ، يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ ، وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ ، يُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الَعَمْدِ وَالْخَطَاَ ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَكَ اللهُ مِنْ عَفْوِهِ” .

 وعمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أربعة عشر قرناً قال لعامله في مصر عمرو بن العاص  “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً” .

فهو قد أطلق الحرية للناس وليس لفئة منهم أو طائفة أو جنس أو لون ، ومن هنا نفهم عالمية الحقوق .

تداخل العام والخاص :

إذا تأملنا النظرية العالمية لحقوق الإنسان نلاحظ أن هناك ارتباطاً بين هذه الحقوق تحظى بالإجماع بين البشر ، مثل تحريم قتل النفس البريئة ، وهناك حقوق لا تحظى بالإجماع فيتفاوت نصيبها من التطبيق بين مجتمع وآخر ، مثل حرية التعبير عن الرأي ، فإنه لا يوجد مجتمع واحد يسمح بحرية التعبير على الإطلاق إذا لم يكن حقاً وصدقاً ولا مقاصد سيئة أو مسيئة من وراء ذلك الرأي أو تلك المقولة .

وفي السنوات القريبة الماضية مثلاً حوكم المفكر الفرنسي روجيه غارودي على رأيه في المحرقة النازية لليهود ، وذلك بموجب كتابه “الخرافات المؤسسة للسياسة الإسرائيلية” ، وأحيل للمحاكم وحكم بسبب كتابه هذا بغرامة قدرها خمسين ألف فرنك فرنسي .

وفي بريطانيا منع كتاب غارودي هذا مع كتاب ملف إسرائيل من دخول بريطانيا .

وفي فرنسا أيضاً صدر قانون لمنع وضع الحجاب على رؤوس الفتيات المسلمات مما يعتبر انتهاكاً لحريتهن بمقولة أن هذا الحجاب يتعارض مع العلمانية الفرنسية في حين أن وضع الصليب (الصغير) كما يقولون حول العنق لا يعتبر انتهاكاً للعلمانية .

 وقديماً قال الشاعر المرحوم بدوي الجبل :

سمعتُ باريسَ تشكُو زَهوَ فاتِحها

هلاّ تذكَّرتِ يا باريسُ شَكوانا

وإذا كان “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” الذي تم التبشيرية في الثقافة الغربية (سواء الإعلان الأمريكي 1776 أو الإعلان الفرنسي 1789 أو إعلان الأمم المتحدة 1948) يجد مرجعية التاريخية في معطيات تاريخ البلدان الغربية ، فإن ذلك لا يكفي في الطعن في “عالمية” حقوق الإنسان بمضمونها المعاصر . ذلك لأن بإمكان المدافع عن هذه الحقوق أن يجيب بأن “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” في الثقافة الغربية كان نوره على هذه الثقافة نفسها ، كان دعوة للتخلي عن المعايير السلوكية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، التي كانت تكرسها هذه الثقافة ، وبالتالي فالإعلان عن “حقوق الإنسان” في الثقافة الغربية كان -من وجهة النظر هذه- إعلاناً عالمياً ينادي بشرعية جديدة مخالفة للشرعية التي كانت سائدة في تلك الثقافة .

وهذه واقعة تاريخية لا مجال للشك فيها ، وبالمثل يمكن أن يقال لمن يتمسك بخصوصية حقوق الإنسان في الإسلام -مخالفاً لعالمية حقوق الإنسان في الفكر المعاصر- أن هناك وراء تلك الخصوصية عالمية تؤسسها وتعطيها بعدها التاريخي الحقيقي ، البعد الذي يصنع التاريخ ، من الذي يصنعه التاريخ .

وعملية التأصيل الثقافي لحقوق الإنسان في فكرنا العربي المعاصر ، يجب أن تتصرف إلى إبراز “عالمية” حقوق الإنسان في كل من الثقافة الغربية والثقافة الإسلامية ، أعني كونها تقوم على أسس فلسفية واحدة ، أما الاختلافات فهي لا تعبر عن “ثوابت ثقافية” وإنما ترجع إلى الاختلاف في “أسباب النـزول” أما المقاصد والأهداف فهي واحدة والرجوع إلى “أسباب النـزول” أو بالأحرى إلى الظروف العامة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، والتي جعلت هذا المشرع أو ذاك من هذه القضية أو تلك ، على ما هو عليه ، أمر “ضروري” وأكيد لفهم المعقولية التي تؤسس ذلك الموقف أي ما يسميه فقهاء الإسلام “الحكمة” أي الأغراض التي توخاها الشارع ، أو قد يكون توخاها من نوع الحكم الذي أصدره في هذه القضية أو تلك.

وإدراك معقولية الحكم بهذا المعنى أمر ضروري أيضاً لتجنب الانزلاق إلى ذلك الخطأ المنهجي الخطير الذي يقع فيه كثير من الناس حين يحاكمون أمور الماضي بمقاييس الحاضر ومشاغله.

إن التأصيل الثقافي لحقوق الإنسان في فكرنا العربي المعاصر هو إيقاظ الوعي بعالمية حقوق الإنسان داخل ثقافتنا وذلك بإبراز عالمية الأسس النظرية التي تقوم عليها والتي لا تختلف جوهرياً عن الأسس التي قامت عليها حقوق الإنسان في الثقافة الغربية ومن هنا يبرز الطابع العالمي الشمولي ، الكلي المطلق لحقوق الإنسان من داخل الخصوصية الثقافية نفسها ، ويتأكد مرة أخرى إن الخصوصية والعالمية ليستا على طرفي نقيض ، بل على العكس ، هما متداخلتان في كل “خاص” شيء ما من “العالم” كما أن العام ليس كذلك إلا لكونه يضم ما هو “عام” في كل نوع من أنواع “الخاص”.

وتداخل العام والخاص هنا هو ما يغني مفهوم حقوق الإنسان ويعطيها الحركة الدائمة والمتجددة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


[1])) صحيح : أخرجه الشافعي في مسنده (303/1) .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى