مقالات

الشيوعيون والدين

صبحي أنطون

سياسي سوري
عرض مقالات الكاتب

في التعامل مع النظرية الماركسية اليوم وغدًا وجب علينا دائمًا الربط فيما بين النظرية الماركسية وبين الواقع الموضوعي الواجب دراسته أو الحدث الواجب توصيفه وتفكيكه. بمعزل عن هذا الربط الجدلي نقع في مطبات لا تُحمد وارتدادات إلى مواقع المثالية الفجة. في ضوء هذه الموضوعة علينا أن نناقش موقف ماركس من الدين ما له وكيف نفهمه. موقف ماركس من الدين يصطبغ بالعام والخاص فما هو عام يخص العالم أجمع بالرغم من التطور المتفاوت بين هذا البلد أو ذاك. والخاص هو ما يخص تحديدًا بلد محدد بعينه.
موقفان لماركس من الدين، الموقف الأول (الدين أفيون الشعوب) هذه الموضوعة فُهمت بأشكال متعددة وسبق لنا أن أكدنا على أن ماركس قال هذا بخصوص الوضع الخاص بألمانيا حصرًا من الناحية السياسية والفلسفية وله ما يبرره. قال أيضًا في معرض كتاباته الأخرى: “إن نقد الدين هو مقدمة لكل نقد”. هذه الكتابات التي صبت في هذا الاتجاه دفعت العديد من القوى المعادية للشيوعية بأن تعلن جهارًا أن الأحزاب الشيوعية في الوطن العربي أحزاب معادية للدين لا تنسجم مع واقعنا العربي ومع تاريخنا وعاداتنا وتقاليدنا. زد على ذلك أن الحزب الشيوعي السوري لم يتصد لهذه الهجمات قطعًا وأستطيع القول إنه تهرب من التعامل معها.
أتمنى على الشيوعيين أن يتحفظوا على مثل هذا الطرح ومثل هذه الكتابات لماركس وأن هذا الطرح لا يعنينا ولن نتحمل وزره ولا يسعنا أن نتبناه في خطنا السياسي. في الحزب الشيوعي أي حزب شيوعي كان، خطان، الخط الفلسفي والخط السياسي. الخط السياسي هو ما يتجلى في البرنامج السياسي للحزب هذا البرنامج الذي هو الهوية السياسية التي يتعامل بها الحزب مع الناس؛ هو الراية التي يراها الناس من الخارج. الخط الفلسفي المادي الجدلي لك الحق في أن تتبناه كليًا أو أن تتحفظ على البعض منه.
في المسألة الفلسفية ليس مقبولًا أن تطرح المسألة فيما إذا كان الله موجودًا أو غير موجود على الملء الأعظم. وليبقى الله في عليائه حسبما ارتضى له هيغل. له ملك السماوات وما بعدها كما جاء في كتب الأقدمين.
الموقف الثاني، يقول ماركس: “الدين هو تأوه أو تحسر المخلوق المقهور” .. “الدين شرفه الروحي حميته ووازعه الأخلاقي هو أساس التعزية والتبرير” .
ويؤكد ماركس: ” إلا أن نقد الدين يجب أن يكف عند هذا الحد – ويجب أن يتجه النقد إلى الواقع الاجتماعي والسياسي مباشرة وأن ننتقل من نقد السماء إلى نقد الأرض، ومن نقد الدين إلى نقد القانون، ومن نقد اللاهوت إلى نقد الاقتصاد”.
هذا القول لنا؛ نتبناه جملة وتفصيلا يفيدنا جميعا كحزب وكحركة سياسية ديمقراطية يدفع بنا إلى الأمام للالتحام بالناس والاندماج مع حركة الناس هذه هي الحلقة المركزية في جميع نضالاتنا في كيف نستطيع أن نشكل وحدة متراصة مع الطبقة العاملة، مع الفئات الإجتماعية الأخرى المغلوبة على أمرها وخاصة الجماهير المؤمنة آخذين بعين الاعتبار الواقع المادي للوطن العربي مهد الديانات الكبرى المسيحية والإسلامية خاصة وقد ازدهرت في الآونة الأخيرة الطائفية والمذهبية والملل هذه الاستشهادات الماركسية تساعدنا كثيرًا في التخطيط لما نصبوا إليه. أليس هو القائل أي ماركس: ” من أجل تحرير الناس لا يكفي تغيير وعيهم بل من الضروري تغيير الواقع الاجتماعي الموجود”.
إذًا فالمسألة تكمن في تسعير مجموع النضالات المطلبية والإقتصادية والسياسية التي على الحزب أن يخوضها في سبيل تغيير الواقع الاجتماعي الموجود.
عندما تكلم ماركس عن الجماهير لم يميز بين جماهير مؤمنة وجماهير غير مؤمنة. الجماهير هي العمال والمنتجون والذين يبيعون قوة عملهم والذين يشكلون الأساس المادي الحاسم في صنع التاريخ.
إن تخفيف حدة الطابع الطبقي للمجتمع هو الطريق الصحيح للتحرر الإنساني. بهذا يصبح الإنسان الوجود الحسي للإنسان. حيث يعي الإنسان ذاته ويعيد إنتاج إنسانيته.
الماركسية تعلمنا كيفية النضال ضد الجذور الاقتصادية والسياسية لبنية المجتمع الذي نطمح إلى التحرر منه. والسعي قدما لبناء مجتمع العدالة الإجتماعية بمعنى كيف لنا أن نحارب القوة العمياء للرأسمال.
إنجلز الموقف المسؤول: ما يتميز به إنجلز أنه كان يدافع كثيرًا على أن يكون البرنامج السياسي للحزب برنامجًا ماركسيًا بعيدًا عن الانتهازية اليمينية واليسارية. أدان إنجلز الذين كانوا يريدون أن يعلنوا صراحة في برنامج العمال الاعتراف بالإلحاد وإعلان الحرب على الدين .. وانتقد البلانكيين في فرنسا ( الذين دعوا الناس إلى الإلحاد) ..كما أنه انتقد كمونة باريس 1871 في إرادتها إلغاء الدين .. وأنه رفض (نزعة الفوضوي الذي يبشر بالحرب ضد الله بكل ثمن). ورد على دوهرنج في كتابه – أنتي دوهرنج – بقوله ” ان الحرب على الدين كمهمة سياسية لحزب العمال ليس إلا جملة فوضوية”.
هذا هو الجانب المضيء في الموقف من الدين لكل من ماركس وإنجلز والذي ينسجم مع واقعنا الموضوعي ومع تراثنا وتاريخنا وعاداتنا وتقاليدنا.
حتى الاشتراكيين الديمقراطيين الروس في العديد من جوانب عملهم السياسي طرحوا قبول الكاهن بأن يكون عضوًا في الحزب طالما يوافق على البرنامج السياسي للحزب. انسجامًا منهم مع الشروط التاريخية الخاصة في أوروبا وأعلنوا في صحافتهم الحزبية مرارًا أن عليهم جذب المؤمنين إلى الحزب وأنهم يعارضون أدنى إساءة توجه إلى قناعاتهم الدينية وأنهم مع حرية الرأي داخل الحزب بحدود معينة.
أي مكون سياسي ديمقراطي في وطننا مطالب بأن يفهم آلية التعامل مع الناس المؤمنين وعلى أن يُصار دائمًا إلى رفع سوية مستوى الوعي الاجتماعي للناس الذي كلما ازداد عمقًا ازداد الحزب إمكانية تؤهله الوصول إلى الجماهير فتتحول الجماهير إلى حاضنة للمكون السياسي الديمقراطي بدل أن تكون حاضنة للقوى المعادية للقوى الوطنية الديمقراطية.
إن الامساك بالمفاتيح التي تؤدي إلى الالتحام بالناس تحول البرنامج السياسي للحزب إلى قوة مادية تستطيع إسقاط أي قوة تحاول عرقلة مسيرة الحزب.
إن العديد من المفكرين العرب الإسلاميين أمثال ابن رشد، ابن سينا، الفارابي، ابن خلدون وغيرهم قد أدركوا بأن ايصال حقائق العقل أي ما يقوله العقل والمنطق إلى الناس العاديين تتطلب بأن تُعرض عليهم تلك الحقائق بصورة مبسطة ومفهومة آخذين بعين الاعتبار مستوى التركيب السيكولوجي لقدرات الناس الفطرية وعلى تقبل المعرفة وما يُطرح من المنطق.
إن النزول إلى الجماهير والارتفاع بها إلى الأعلى رويدًا رويدًا إلى مصاف أكثر ما يمكن من العقلانية دون جرح مشاعرهم الدينية أو إيذاء معتقداتهم مهمة سياسية تفرض وجودها على الحزب الديمقراطي.
الدين كمفهوم فلسفي عميق جدًا. البشرية بكاملها مشغولة بأمره، تياران فلسفيان مادي ومثالي. فلاسفة موسوعيون كبار صُنفوا مثاليين أمثال هيجل، كانط، غوته، ماخ، هيوم، فولتير، روسو وغيرهم كثر. وفلاسفة موسوعيون ماديون كبار مثال ماركس، إنجلز، لينين، بليخانوف، كاوتسكي وغيرهم كثر. احتدم النقاش والحوار بينهم حول الطبيعة والفكر لذلك لا تستطيع أنت الجديد في علم المعرفة الذي لا يجيد ألف باء الماركسية من أن تقنع إنسانًا عاديًا بوجود أو عدم وجود الله. هذه المسألة تتطلب وتحتاج إلى عقول موسوعية بامتياز. أما بالنسبة لنا فالمسألة هي أن نعي بأنه يمكن معرفة العالم وأنه يجب التمسك ما أمكننا بهذه الموضوعة لنستطيع حل بعض من مشاكلنا الاقتصادية والسياسية والفكرية.
في النهاية أحببت أن أورد هذا المقطع الذي أورده لينين في كتابه – المادية والمذهب النقدي التجريبي – : ” يحاول الأسقف بيركلي الفيلسوف الانكليزي في مؤلف له قوله وهو يبسط التضاد بين مذهبه المثالي والمذهب المادي كما يلي: (( اني أؤكد مثلكم (الماديين) انه مادام شيء ما من الخارج يفعل فعله فينا فانه يتعين علينا أن نقبل بوجود قوى موجودة خارجًا عنا قوى تخص كائنا مختلفًا عنا. ولكننا نفترق من هنا في مسألة معرفة طبيعة هذا الكائن الجبار. إني أؤكد أنه الروح، وأنتم تؤكدون إنه المادة أو طبيعة ثالثة لا أعرفها وبوسعي أن أضيف أنكم أنتم أيضًا لا تعرفونها … “
يريد بيركلي أن يقول ان ماهية هذا الكائن الجبار لا أنا أعرفها كوني مثالي ولا أنتم تعرفونها كونكم ماديون.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. من خلال عملي في الجانب السياسي وخاصة زمن حافظ الاسد واحداث الثمانينات ، ثم تشكل ما سمي التجمع الوطني الديمقراطي ، تحدثت الى اليساريين وهم فيما اعتقد العمود الفقري للتجمع وقلت التالي:
    ايها الاخوه تعلمون ان في كل حي مسجد او اكثر ، ومن المفيد التواصل مع ائمة وخطباء المساجد والتقرب منهم بدعوة لشرب كاس من الشاي او فنجان قهوه ، فنحن بحاجة الى بعضنا وبالتالي كسر الجليد والجمود القائم بينكم وبين هذه الطبقة من الناس ، وبهذا الاسلوب يتم التقارب التدريجي بين الناس في اطار الفكر السياسي، وهذا ما لمسته في المقال اعلاه.
    ان اعادة اللحمة بين فئات المجتمع وخاصة المختلفين ايديولوجيا امر على غاية الاهمية من اجل البناء الدمقراطي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى