مقالات

حول الاتجاه المعاكس ونعيسة

نعيم مصطفى

مدير التحرير
عرض مقالات الكاتب

” عودة الاستعمار والوصاية إلى البلدان العربية”

لا نغالي إذا قلنا إن ولادة برنامج الاتجاه المعاكس في تسعينيات القرن الفارط هي ولادة ثورة مكتملة الأركان في الإعلام العربي، فقد كانت القنوات والصحف وجميع الوسائل الإعلامية تدور في فلك السلطان، تتكلم بلسانه وتشم بأنفه، وتسمع بإذنه، وقد كان هناك تصحر وجفاف لا مثيل له في ربوع البلاد العربية، فعندما انطلقت تلك القناة (الجزيرة) وتلك البرامج (الاتجاه المعاكس…) لم تكد الشعوب العربية تصدق أنها تسمع تلك الحوارات الشفافة، والجريئة الناقدة على قناة عربية؛ لذلك وجدنا كثيرًا من العائلات في بعض البلدان العربية عندما تريد أن تشاهد هذا البرنامج، أو ما هو على شاكلته، تؤصد جميع الأبواب والنوافذ داخل المنزل خشية مرور أحد من رجال الأمن من جانب البيت فيسترق السمع.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن هل مازال هذا البرنامج بعد نحو ربع قرن من ميلاده يحافظ على مائه وروائه أما المسيرة اختلفت؟

الواقع أن برنامج الاتجاه المعاكس مازال يقف على أرض صلبة نوعًا ما، ولكنه فقد كثيرًا من زخمه وألقه، ويعود السبب في ذلك إلى تدفق أنهار من القنوات والمواقع والبرامج المنافسة، هذا من جهة، ومن جهة ثانية؛ لأن البرنامج بقي على كلاسيكيته إضافة إلى استضافته لشخصيات مستفزة، وهزيلة، وضحلة الثقافة.

ويبدو أن معدّ ومقدم البرنامج في الآونة الأخيرة شعر بضرورة التغيير وبالحاجة الماسة للاجتهاد وإضفاء لمسات جديدة على البرنامج من شأنها أن تعيد البرنامج إلى نجوميته، فراح يستقبل في الحلقة الواحدة طائفة من النخبويين المتميزيين، وراح أيضاً يتأنى ويقوم بعملية عصف دماغ لاختيار العنوان المتميز، فنجح إلى حدٍّ ما في سعيه هذا.

وقد أسعدتني  آخر حلقة، وأدخلت إلى قلبي الحبور، فهي متميزة، ورائعة بموضوعها وبضيوفها(لكن سعادتي عكر صفوها ذلك الضيف الذي سآتي على ذكره) وهي بعنوان “عودة الاستعمار والوصاية إلى البلدان العربية”.

وقد استضافت خمسة أشخاص.

وما إن قُدم الضيف الأول، وشرع بالحوار معه حتى رأينا أن أسهم الحلقة بدأ بالصعود والتحليق (المفكر المنصف المرزوقي) ثم تحول إلى الشخصية الثانية (الدكتور عبد النبي عبد المطلب) فانخفض مستوى الحلقة قليلاً إلا أن الضيف كان مؤدبًا ولطيفاً في أجوبته، وحاول أن يسوق بعض الحجج التي من شأنها أن تعزز رؤيته، ثم تحول النقاش إلى الدكتور أحمد الهواس ليعيد الحلقة إلى سموها وزخمها وقوتها، ولكن الطامة الكبرى التي كادت أن تطيح بالحلقة كلها وتجعلها فاشلة هي ظهور السيد نضال نعيسة الذي راح يغرد كعادته خارج السرب، ولكن الدكتور قاسم يبدو أنه أدرك خطأه في دعوة هذا الشخص إلى مائدة لا يملك شيئاً من أدوات التعامل معها، فرفع صوته عليه وكاد أن ينحيه جانبًا عن النقاش.

والواقع أريد أن أقف عند هذه الشخصية المشكلة التي وقعت تحت إحدى كتاباتها (نصيري غير مؤثر) وعلاقة مقدم ومعد البرنامج بها.

من ينظر إلى تاريخ هذه الشخصية وسيرتها يجد أنها شخصية هزيلة جدًا من الناحية العلمية، ولا يُعرف عنها أنها صنفت كتابًا، أو شاركت في ندوة ثقافية، ومعظم وسائل الإعلام إن لم أقل كلها تجهلها، قبل أن يسلط عليها الدكتور فيصل مصباح برنامجه ويدفع بها إلى الأضواء، ولو تساءلنا عن السر في هذه الخطوة لوجدت من وجهة نظري أنّ لها احتمالين:

 الأول أن الغاية من الترويج لها هو إظهار مدى تخلف وترهل وضيق أفق الشبيحة على اختلاف مشاربهم الذين يقفون بخندق السفاح الديكتاتور القابع في قصره بدمشق، فمدير البرنامج  يقدم هذا (المفكر) على أنه من الصفوف الأولى المنظرة والنخبوية للدفاع عن بطش الحكام ولمهاجمة الثورات. وإذا كان هذا الاحتمال صحيحاً فقد نجح صاحبه في تحقيق هدفه.

والاحتمال الثاني أن مدير البرنامج أراد أن يجرب نفسه، ويستنفر كل قواه العقلية، وتجاربه كي يحول شخصًا من لا شيء إلى مثقف يشار إليه بالبنان، وإذا كان الأمر كذلك فقد أخفق في مساعيه إخفاقًا ذريعًا.

وإلا هل من المعقول أن يُستقبل كائنًا بصفة محلل سياسي، أو صحفي أو…وهذا الكائن يشتم بصريح العبارة ودون تورية عقيدة مليار ونصف مسلم وعربي بذريعة أنه علماني

( وكانت العرب قديماً تسمي الأشياء بأضدادها المريض سليمًا والصحراء مفازة تفاؤلًا بأن يشفى المريض والسيد نعيسة يسمي نفسه علمانيًا على هذا المنوال )

ولو فرضنا أن شتيمته من باب حرية الرأي والتعبير – مع أن الغرب وإسرائيل وكل العالم عندهم خطوط حمراء فمن يجرأ بالاقتراب من معاداة السامية فقد حوكم المفكر الفرنسي الراحل روجيه غارودي بهذه التهمة – كيف يمكننا أن نقبل بتحريضه على قتل كل من يخالفه بالمذهب والدين وبصريح العبارة دعا إلى قتل المسلمين السنة على شاشة الجزيرة وفي البرنامج ذاته – منبره اليتيم – إبان المجزرة التي حصلت بمسجد في نيوزيلندا على يد يميني متطرف، وراح ضحيتها أكثر من خمسين شخصًا كانوا يؤدون فروضهم، فقد تمنى السيد نضال متضامنًا مع صديقه الذي يشاطروه الرؤية في الحقد والبغض وقتل المخالفين له بشار برهوم، أن يتوجه أي يميني إلى ذبح الناس في مكة المكرمة، فالصيد كثير هناك على حد تعبيره ….لأنه يبدو أن  الناس في الحج يتدربون على فنون الإرهاب.

الحقيقة أنني ما رأيت  على الشاشات العربية ضيوفًا يُقدمون على أنهم من الطبقة المتعلمة ويدافعون عن قضية ما، سواء كانوا من اليهود أو من  النصارى، أو من العلمانيين أومن الشيوعيين…يتحدثون بهذه اللغة النعيسية الحقودة والبغيضة والمريضة والعجيبة التي لا تمت إلى الإنسانية بصلة إلا في هذا البرامج!!        

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الأستاذ نعيم: لقد أوجزت فأجدت… المقالة لها أهمية كبيرة في كشف المستور عن لاعب الكشتبان المحترف الأستاذ فيصل القاسم، الذي يُخفي بيده الكرة الصغيرة ويوهمك أن أحد الكشاتبين تركن تلك الكرة. وأنا أميل إلى تصنيف مثل هذا البرنامج السياسي بأنه ساحة إعدام للحقائق، وفي أنجح حلقاته يمكن أن يكون محرقة للعقل العربي بذريعة انضاجه ورفع سوية الثقافة السياسية عن طريق الإثارة والاستفزاز للضيفين معاً، حيث تبقى ساحة الحوار للقبطان (فيصل) الذي يوجه دفة السفينة ضد اتجاه الريح ولو تكسر حيزومها. وبشكل عام نستطيع القول أنَّ الإعلام السياسي يُكرسُ لغسل الأدمغة بما يتوافق مع القوى الخفية التي تدير هذا العالم. فإن عاكسها تيار ما قوي، حطموه من داخله ونثروا فتاته كطعام للحيتان في بحر العولمة البالعة للصغار. وشكراً على اقتحامك الخطوط الحمراء بجرأة العارف لقوانين اللعبة. حماك الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى