ثقافة وأدب

أنا والحشاشون (مما كنت عليه شاهدًا)

محمد الفضلي

كاتب وأديب سوري
عرض مقالات الكاتب

في العام 2010…كنت أجلس في مكتبي بقسم الشرطة، وإذ يقرع الباب، ويدخل المساعد، ويقول:
يا سيدي هناك مواطن مصاب يريد الشكوى، ومعه سكين كباس وسيف حديدي.
قلت له: أدخله لنسمع شكواه.
يدخل رجل في بدايات الأربعينيات، مربوع، بجسم متهدل وشعر منكوش ولاصق طبي على جبينه بملابس تدل على العوز والفقر
فأقول: هذا أنت يا أحمد؟! ماذا فعلت؟!!
وأحمد هذا يا سادة هو من متعاطي الحشيش المخدر منذ نعومة أظفاره وزبون دائم لقسم الشرطة بجرم التعاطي دون أن يكون تعاطيه الحشيش سببا لجرائم أخرى (يعني بالعربي المشرمح الزلمة بحاله ماله بغيره) ولا يحب المشاكل، وهذه المرة الوحيدة التي حدثت له هذه المشكلة.

أحمد: سيدي النقيب محمد، أنا أحبك، أريد حقي.
أنا: خيرا …مالذي حدث معك؟!!
أحمد: يا سيدي احضرت سيجارتي حشيش، وطرقتهم، أي دخنتهم، وخرجت خارج البيت، فرأيت شخصاً كان قد تشاجر معي من ٣ سنين، فرجعت البيت، وأحضرت سكين كباس وشنتيانة (سيف حديدي) واعطيته الشنتيانة، وأنا حملت السكين وقلت له: اسحب
فقام وضربني بالشنتيانة، ورماها، وهرب، وأنا أسعفت نفسي للمشفى، وبعدها جيت لعندكم.
قلت له: ولما أعطيته الشنتيانة من الأساس؟!
هو: يا باطل!! ويقولوا عني غدار، يا سيدي ليست من شيمي.
أحمد يقف إلى جوار المساعد وأنا قبالتهم.
وبعد ضحكنا على القصة… طلبت من المساعد أن يأخذه ويصادر ما معه ويفتح ضبطا، ثم يضعه في السجن.
وقبل أن ينبس المساعد ببنت شفا.. قال أحمد:
سيدي اسمع مني هالحكاية، وبعدها افعل ما بدا لك.
أنا: تفضل أحكي.
أحمد: بس رجاء ياسيدي… خليني احكي للآخر
أنا: طيب، بس لا تقول سيدي.
يقول أحمد (وهنا لب الموضوع):

هذا بزمانه الشرطة… ألقت القبض على شخص بريء في الشارع، وألبسوه جريمة قتل
وقبل يوم الإعدام بيوم!! مر مساعد، ورآه، قال له:
يا فلان… ماهي قصتك؟!! يظهر عليك أنك رجل تقوى، وصاحب خلق.
قال: يا حضرة المساعد أنا بريء، وقصتي كيت وكيت
المساعد تأثر، وصدق الرجل قال له:
ماهو طلبك بالحياة حتى ألبي لك إياه؟
قال: أنا من سنة محبوس هنا، ولم أرى زوجي، والأولاد، لو تخليني أراهم، وأرجع.
قال المساعد: وإذا فعلت، فما هي الضمانة حتى تعود؟
قام الرجل بقص جزء من شاربه، وأعطاه إياهم، فأطلق المساعد سراحه بالفعل.
وعندما حان وقت الإعدام ولم يعد..أخبر المساعد الضابط “النقيب” القصة
استشاط النقيب غضباً، وقال: سنعدمك مكانه.
قال المساعد: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وعلى منصة الإعدام قال القاضي:
يا بني ما هو طلبك الأخير؟!!
*وهنا شعرت بالملل وأريد انهاء قصة الحشاش قلت له:
وماذا يريد؟
تابع أحمد قصته… أجاب المساعد الذي سيعدم:
٥ دقائق
ضحكت وقلت له: تابع
تابع أحمد: بعد قليل لاح رجلٌ من بعيد.. ووقف أمام منصة الإعدام، وقال للمساعد: أين الأمانة؟
أعطاه الأمانة، وصعد محله
وقف الجميع، واصابته الدهشة مما حدث، وقال القاضي:
ماهي القصة؟
فأخبراه القصة، فقال القاضي للمساعد:
أنت ما الذي دفعك لتفعل مافعلت وتطلق سراحه؟
قال: خوف يقولوا “أهل الأصل ماتوا”
نظر أحمد لي وقال: ماذا قال؟
قلت له: خوف يقولوا “أهل الأصل ماتوا”
ثم قال القاضي للرجل: أنت.. ماالذي أعادك؟
قال: خوف يقولوا “أهل الوفاء ماتوا”
نظر لي أحمد فرددت العبارة
ثم قال القاضي: اذهبا فلقد عفوت عنكما.
قالوا: ولما؟
قال: خوف يقولوا “أهل العفو ماتوا”.
قال الحشاش أحمد: ليش يا سيادة النقيب؟
ضحكت حتى فحصت بقدمي، وقلت له:
والله القانون يمنعني أن اعفو عنك، ولكن، سأدللك دلالا بالسجن ما رأيته بحياتك.
وبالفعل تم تقديم مالذ وطاب لأحمد، حتى الدخان بقي معه.
(هل لاحظتم سرعة بديهة أحمد، وكيف أسقط قصة على الواقع ؟!!)

نظرت إلى صديقي العزيز وقال لي:
لماذا وصل الحال بنا اليوم إلى ما وصل إليه من تسلط، وقتلٍ، وسرقةٍ، واختطافٍ، واستغلالٍ، حتى في مناطق الثورة؟!! وأضحى كل من يحمل السلاح يعتقد نفسه رباً يفعل بالشعب ما يشاء؟!!
ضحكت وقلت:
لأنه توفي المساعد، والرجل، وانتحر القاضي، وحتى صديقي أحمد الحشاش أصابه الشلل.

فهل حقاً مات أهل الأصل والوفاء والعفو في هذه الأيام؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى