مقالات

سد النهضة… وحلم الخروج من الظلمات إلى النور..

جهاد الأسمر

كاتب ومحامٍ سوري.
عرض مقالات الكاتب

لم يلقَ سدٌّ في العالم ما لقاه سد النهضة من  اهتمام، وجدل كبيرين بين الدول المتشاطئة لنهر النيل مصر، والسودان وأثيوبيا.

فمنذ بضع سنين، والدول المتشاطئة له يقومون بمفاوضات ماراثونية مع أثيوبيا للتوصل معها إلى اتفاقية حاكمة وملزمة تلتزم بمقتضاها أثيوبيا بكل بنود الاتفاق المؤمل أن تتوصلا إليه، ويكون هذا الاتفاق الناظم لكل ما يتعلق بسد النهضة وتعبئته، ومتى تكون التعبئة، وفي أي الفصول ومدة التعبئة؟ إلى غيرها من المشاكل التي تعترض الاتفاق ورؤية كل دولة من هذه الدول لهذه العقبات.

ربما تكون مصر هي المتضرر الأكبر من بناء السد وتعبئته كونها هي دولة المصب باعتبار أن مصر تعتمد على مياه النيل في ٩٠ بالمئة من احتياجاتها المائية.

فمصر ترى أن ما تقوم به أثيوبيا من تسويف ومماطلة إنما لكسب الوقت  لتصل إلى ملء السد بعيدًا عن أية اتفاقية ملزمة لها، ولتضع الجميع أمام الأمر الذي سيكون واقعًا، فجميع المفاوضات  التي حصلت لم تثمر عن شيء منذ البدء بإنشاء السد، وحتى هذه اللحظة، وجميعنا يذكر وفي محاولة كوميدية من السيسي في موضع لا يحتمل كوميديا طلب السيسي وأثناء مؤتمر صحفي جمعه مع رئيس وزراء أثيوبيا طلب السيسي من أبيه أحمد أن يقول والله لن يضر مصر في مسألة سد النهضة”!!!

أثيوبيا  أعلنت غير مرة ومنذ أشهر عدة أنها بصدد ملء السد في شهر تموز الجاري، وبالأمس التقطت صور أقمار صناعية تظهر أن أثيوبيا بدأت بالفعل بملء خزان السد بمياه النيل على الرغم من محاولات مصرية لتدويل قضية سد النهضة، وعرضها على مجلس الأمن باعتبار السد، وعقباته ينذر بزعزعة الأمن الإقليمي، والدولي باعتبار أنه سيمس الأمن المائي المصري، والذي سيؤدي حتمًا إلى مساسه بالأمن الغذائي لها على اعتبار ان الأمنين مرتبطان ببعضهما ارتباطًا عضويًا، ولكن وعلى الرغم من كل هذا، وحتى اللحظة لم تلقَ هذه الدعوة استجابات جدية، ولا أظنها ستلقى باعتبار أن سد النهضة، وحسب كثيرين وراءه جهات تدفع إلى أن تستمر أثيوبيا بتعنتها من كل المسائل التي جرت مناقشتها حول السد والذين زيّنوا لها أن سد النهضة سيخرجها من الظلمات إلى النور الذي ترنو إليه.

 كثيرون على أنّ إعلان أثيوبيا البدء بملء السد قبل الوصول إلى اتفاق حاكم وملزم لأثيوبيا أن تتصرف بمقتضاه هو بمثابة إعلان حرب من وجهة نظر مصر،  ويرى هذا الكثير أيضًا أن مصر أضاعت الكثير من الوقت، ولسنوات طويلة في مسألة التفاوض، وما الكوميدية التي أشرتُ إليها من لقاء السيسي ب”أبيه أحمد” لهيَ جانب من جوانب  تسفيه قضية سد النهضة، وربما أحد الأسباب في سوء تعاطي السيسي مع هذه القضية ما جعل مصر غير قادرة أن تُسيِّس الأمور

 و تصل خلال هذه الفترة  لأي اتفاق.

فمصر ترى أن ملء السد يجب أن يكون على مدار سنوات من ٧_ ١٠ سنوات، وأثيوبيا ترى أن المدة طويلة ولن تقبل بأكثر من ٤ سنوات لملئه، فهي تعتبر السد خطوة اقتصادية جبارة على مستوى إفريقيا، وبالنسبة لها سيكون مولدًا ضخمًا للقدرة الكهرومائية ما سيجعلها مصدّرة للكهرباء على دول الجوار الأثيوبي.

لا يخفى لكل متتبع أن أثيوبيا باختيارها بناء السد على النيل الأزرق، وقربه الشديد من الحدود السودانية، فهو لا يبعد أكثر من ٤٠ كيلو متر عن السودان هذا القرب يدلّل على سوء نية أثيوبيا باختيارها هذا الموقع،  وبعيد عن أراضيها وقريب من السودان، ومصر فأي تصدع إنشائي فيه سيجعل السودان ومصر بعد ملئه تعيش على قنبلة موقوتة ستجرف مدنًا بأكملها من على وجه الأرض، وستكون ضحايا انهدامه كارثية بل أكبر من كارثية بكثير.

على مصر والسودان.

فالقلق بالنسبة لمصر والسودان ليس من تعبئة السد بل القلق كل القلق من احتمالية تصدعه يومًا ما، وهذا أقل ما يقال فيه إن حصل أنّ القيامة الآن.

 السيناريو الرهيب لتصدع السد سيجعل   مصر مهتمة أكثر من أثيوبيا نفسها على سلامة سد النهضة، والحرص عليه حرصًا يقترب من حرصها على سلامة  السد العالي فيها بل وأكثر….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى