حقوق وحريات

إضاءات سياسية (34)

هيثم المالح

عرض مقالات الكاتب

رياض سيف ، مأمون الحمصي وتيسير علٌوني ، وبداية سقوط الغرب

دمشق 29/09/2005

هل كان مصادفة وقوع أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر واعتقال العشرة فيما سمي ربيع دمشق ومن بينهم النائبان رياض سيف ومأمون الحمصي ؟ .

في الوقت الذي كان يضرب فيه برجا نيويورك كنت قد دخلت للتو دار الزميل الحبيب حبيب عيسى والوقت مساء على ما أذكر ، فشاهدنا معاً الضرب في العمق الأمريكي للدولة الإرهابية العالمية ، وما كاد الصباح يشرق حتى اتصلت بي أم عصمت زوجة حبيب عيسى لتخبرني بأن زوجها اعتقل ، ثم تتالت الاعتقالات حتى طالت عشرة من الناشطين في الشأن العام .

أحيل النائبان إلى محكمة الجنايات في القضاء العادي ، وعلّقت آنئذ بالقول بأن النظام سيستعمل القضاء العادي وسيلة لمحاكمة النائبين على آرائهما التي من المفروض أنها تمثل ناخبيهم ، في حين رأى آخرون من الزملاء أن هذه الخطوة هي خطوة إيجابية .

حوكم النائبان وصدر بحقهما حكم جنائي بالسجن خمس سنوات بداعي محاولتهما تغيير الدستور بطرق غير مشروعة ، وعبثاً حاولت المطالبة بتطبيق أحكام المادة /172/ من قانون العقوبات عليهما ، ووقف الحكم النافذ بحقهما عن ربع مدة العقوبة الباقية وذهبت جهودي أدراج الرياح برغم مقابلتي لوزير العدل ثلاث مرات ووكيل وزارة الخارجية الأستاذ وليد المعلم ومسؤولين آخرين وذرع الأرض بين السجن ومحكمة الجنايات والنيابة العامة ذهاباً وإياباً لأشهر عديدة دون جدوى .

وفي العام الحالي أحيل مراسل الجزيرة السيد تيسير علوني إلى القضاء الأسباني وبقي معتقلاً أشهراً أعقبها إطلاق سراحه وإسقاط التهم عنه .

عاد القضاء الأسباني لاعتقاله ثانية على خلفية لقائه الصحفي بالشيخ أسامه بن لادن لصالح قناة الجزيرة ، ثم صدر الحكم عليه بالسجن سبع سنوات منذ أيام قلائل .

في دمشق اعتقل السيد علي العبد الله على خلفية إلقائه كلمة المراقب العام للإخوان المسلمين الأستاذ  علي البيانوني في منتدى جمال الأناسي وبتكليف من المنتدى ، والتهمة الجاهزة كما في تهمة تيسير علوني هي الاتصال بمنظمة إرهابية (الإخوان المسلمين) .

أنا أفهم النهج الخاطئ الذي يسير على هديه النظام القمعي في سورية ، وقد تعايشنا مع هذه السياسة منذ أكثر من أربعين عاماً ، إلا أنني لا أستطيع أن أفهم أن يحال تيسير علوني إلى القضاء الأسباني على خلفية مقابلة صحفية له مع أسامة بن لادن! .

هل نستطيع أن نقول أن محاكم التفتيش الأسبانية خرجت من قبورها ثانية ، أم هل هذه بداية سقوط الغرب في فخ الاستبداد ؟

سألني أحد الدبلوماسيين الغربيين بعد انتهاء إحدى جلسات محاكمة مأمون الحمصي عما حصل في المحاكمة ؟ أجبته لقد صدرنا لكم نظام الطوارئ والأحكام العرفية !! .

لعله من المفيد التساؤل ، هل أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر هي بداية السقوط ؟

أقول أنه برغم أن هذه الأحداث هي التي حركت البلدوزر الأمريكي ليدفع العالم الغربي معه إلى شكل من أشكال قمع الحريات ، إلا أنني أرى أن بداية السقوط لم تكن أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر فقط وإن كنت لا أغفل أهميتها ، ولكن بداية السقوط في الحقيقة بدأت قبل ذلك بكثير ، وذلك مع بداية الدعم الغربي اللا محدود للدولة العنصرية الصهيونية .

ففي فرنسا حكم على المفكر روجيه غارودي بالغرامة الجزائية بسبب كتابه:  “الخرافات المؤسسة للسياسة الإسرائيلية” سنداً لقانون أصدرته الدولة يقضي بعدم جواز التعرض “للمحرقة اليهودية” التي وقعت في عصر النازية ، مما يعتبر حجراً على حرية الفكر ، كما منع في بريطانيا تداول كتاب “ملف إسرائيل” للمؤلف نفسه .

ثم تتابعت تدابير خارج الحريات وذلك حين مُنعت الطالبات المسلمات من ارتداء غطاء الرأس بداعي أن هذا النظام هو شعار إسلامي ، دون أن يلفت نظرهم أن راهبات الكنيسة يرتدين ما يقرب كثيراً من هذا الغطاء ، كما لم يكترثوا لما تعتقده المسلمات اللواتي يرتدين هذا اللباس من أن الحجاب هو من مظاهر الحشمة ، وهو يمثل حريتهن في ارتدائه ، كما يشكل منعه نوعاً من أنواع القمع الفكري .

أعود لأتساءل هنا ، هل بدأ نجم الحرية بالأفول في الغرب ؟ وهل أن ما يدعيه الغربيون من الحرص على أمنهم هو الذي يدفعهم لانتهاك الحريات وتقويض دعائم حقوق الإنسان التي لا يفتؤون يرددون  الكلام عنها ؟

أم هل أن البدء بالقمع الفكري يشكل بداية أفول الحضارة الغربية ؟ أم أن الشيخوخة والتسوس الذي يعشش في بنائها هو الذي يؤدي إلى الانتهاكات التي ترتكب هنا وهناك بداعي حماية هذه الحضارة ؟

أنا أفهم أننا في العالم العربي عامة ننتظم ضمن إطار العالم الثالث المتخلف نسبياً ، ولكن ما بال الغرب المصنف في العالم الأول يضرب عرض الحائط بكل قيم الحرية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان عند أول سقطة ؟

لقد دخلت بريطانيا بحرب شرسة مع الجيش الجمهوري الأيرلندي على خلفية دينية ، كما الحرب الضروس بين الباسك وأسبانيا ، إلا أنه لم يجر اتخاذ أي إجراء من الإجراءات التي تتخذ الآن ضد العرب والمسلمين في الغرب تحت غطاء محاربة الإرهاب ؟ لقد تزعمت الولايات المتحدة العالم وهي تقوده نحو الهاوية بداعي حربها على الإرهاب فمنذ الحادي عشر من أيلول/سبتمبر المشؤوم وهي تصدر القوانين والقرارات والأوامر لكل العالم بما فيه أوروبا التي أضحت تقدم الضحايا تلو الضحايا من أبنائنا في العالم العربي قرباناً على مذبح التقرب للبلدوزر الأمريكي ، وآخر هذه الضحايا هي المحاكمة الهزلية التي تمت للسيد تيسير علوني في أسبانيا وحكم عليه بها لسبع سنين .

فهل يسير الغرب إلى نوع من أنواع الاستبداد والإرهاب ، وهل يسير العالم نحو عولمة الاستبداد والقمع .

الأيام حبالى يلدن كل عجيب! 

القضاء والفساد

25/10/2005

في الثامن من آذار/مارس 1963 قاد انقلاب عسكري سورية إلى نظام شمولي غابت فيه الحريات ثم استأثر حزب البعث بالسلطة بعد أحداث تموز/يوليو من نفس العام ، وعقب ذلك أصدرت “قيادة الثورة” مرسوماً سمي مرسوم العزل المدني وبموجب هذا المرسوم اعتبر كل من شمله مسرحاً من وظيفته ودون أن يحق له الرجوع إلى القضاء للطعن بشرعية التسريح ، مما يتنافى مع الدستور والمعاهدات الدولية .

وبتاريخ 21/05/1966 أصدر رئيس الدولة الدكتور نور الدين الأتاسي المرسوم التشريعي رقم (40) وبموجب هذا المرسوم تم صرف اثنين وعشرين قاضياً كان على رأسهم رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس محكمة النقض المرحوم عبد القادر الأسود وشملت القائمة عدداً من كبار القضاة وقد أدرج اسمي في آخر القائمة .

وكتبت صحافة الدولة حينها بأن المسرحين غير متوافقين مع أهداف الثورة ، كما حصلت شخصياً على بيان موقع بتوقيع وزير العدل المرحوم عبد السلام حيدر يتضمن أن تسريحي لأسباب خاصة اتخذها مجلس الوزراء سبباً للتسريح وليس لأسباب وظيفية ، واعتبر المرسوم آنف الذكر أن الصرف من الخدمة قطعي ولا يجوز الطعن فيه أمام أي مرجع قضائي .

منذ أيام عادت السلطة فشرعت مرسوماً مماثلاً قضى بصرف “81” قاضياً من الخدمة ، إلا أن السبب الذي اتخذ لصدور المرسوم هو حملة مكافحة الفساد التي تنتهجها السلطة حالياً .

السؤال المطروح ، هو لماذا تنتهج السلطة أسلوباً عفى عليه الدهر منذ زمن طويل ألا وهو منع المتضررين من الطعن بالمرسوم أمام أي مرجع قضائي ؟ .

أنا مع المحاسبة الفعلية ، فلو شكلت السلطة القضائية هيئة لمحاسبة الفاسدين من القضاة وطرحت شعار : “من أين لك هذا ؟” وساءلت الفاسدين عن مصادرهم في شراء الدور والسيارات وما إلى ذلك مع قلة رواتبهم ، لكان هذا الطريق هو الأجدى .

وعلى سبيل المثال فإن التشريع (المادة /114/ من قانون السلطة القضائية) لم يسمح بإقامة الدعوى الجزائية على القضاة بصدد الجرائم التي يرتكبونها أثناء قيامهم بالوظيفة أو خارجها إلا من قبل النائب العام للجمهورية بناء على أذن من لجنة قضائية مؤلفة من رئيس محكمة النقض واثنين من أقدم مستشاريها ، أو بناء على طلب من مجلس القضاء الأعلى عندما يتبين له أثناء محاكمة القاضي المسلكية وجود جرم جزائي ، وليس للمدعي الشخصي أن يحرك دعوى الحق العام في هذه الجرائم .

وعلى سبيل التذكرة أقول ، كانت الساحة الكائنة جانب قصر العدل تستعمل قديماً مرآباً لسيارات القضاة والمحامين ، إلا أن القضاة الذين كانوا يملكون سيارات يعدون على أصابع اليد والآخرون كانوا يستعملون وسائط النقل العامة ، ومعظم مساحة المرآب تشغله سيارات المحامين .

وعلى هذا فإن التشريع قد وكل أمر البت في موضوعات القضاة من تعيين وترفيع ونقل وعزل وتأديب إلى هيئة قضائية صرفة هي مجلس القضاء الأعلى وقد كان تأليفه من سبعة قضاة برئاسة رئيس محكمة النقض ، الأمر الذي يؤكد حصانة القاضي واستقلاله ، ويتناول اختصاصه قضاة الحكم والنيابة العامة على حد سواء ، باستثناء نقل القضاة الآخرين الذي يتم بمرسوم بناء على اقتراح وزير العدل فقط دونما حاجة للرجوع إلى مجلس القضاء الأعلى .

أما اليوم ونظرة بسيطة للمرآب نجده مكتظاً بسيارات القضاة وحتى المساعدين ، فهل سئل أحدهم “من أين لك هذا ؟” .

كان راتب القاضي سابقاً يمكّن صاحبه من شراء سيارة إذا ادخر منه بعض الوقت ، ومع ذلك لم يكن القضاة يملكون السيارات .

أعود لأقول إذا كانت السلطة عازمة فعلياً على مكافحة الفساد فالطريق إليه سهلة والسجلات العقارية وسجلات السيارات تدلنا على بداية الطريق فيما إذا صدقت النوايا وكان القانون يطول الجميع دون استثناء للمحسوبين والمدعومين وما إلى ذلك . 

إن عودة السلطة لإصدار مراسيم كالذي تم بموجبه صرف القضاة الـ “81” محصناً من الطعن أمر يؤسف له فعلاً .

وكان الأجدى كما قدمت تشكيل هيئة قضائية حيادية لدراسة وضع الجهاز القضائي برمته حتى تكون الخطى المتخذة صحيحة لا يشوبها عيب التسلط والانفراد بالرأي .

إن التصدي لظاهرة استشراء الفساد في جميع مفاصل السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية أمر يجب أن يحتل الأولوية لأن الفساد من أكبر عوامل التسوس التي تنخر المجتمع .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى