مقالات

جياع بغداد يطعمون أحزاب بيروت

المحامي محمد نادر العاني

باحث في مجال حقوق الإنسان
عرض مقالات الكاتب

في ظِل ظرف اقتصادي مضنٍّ، ومديونية كبيرة يعاني منها العراق ، تتحرك السياسة الاقتصادية العراقية نحو اتفاقات عجيبة وغريبة ،   حيث كان من المفترض أن  نرى تحركاً  باتجاه دول قوية اقتصادياً ومالياً ، لجلب الاستثمارات، وتنشيط القطاعات الغير نفطية ؛ لكننا إذ نتفاجأ بأنَ العِراق يتجه نحو لبنان دولة منهارة، ومهترئة لتفعيل التبادِل التجاري الذي هو في حقيقتهِ؛  لإنقاذ اقتصاد لبنان على حِساب اقتصادنا السائر نحو الانهيار ؛  تباِدل النفط مقابل المحاصيل الزراعية هو قتل للإنتاج الزراعي العراقي واستمرار لمشاكل سيعاني منها  القطاع الزراعي لعقود طويلة .

إن اتجاه العراق من دون باقي البلدان للتعاون الاقتصادي في  هذا الوقت الحساس ليس بمحض المصادفة، وليس دفعاً لرابطة العروبة، أو الجوار وليس لأن لبنان دولة صالحة لبناء قطاع اقتصادي نافع للبلدين .

حيث توجه العراق إلى لبنان هو نتاج عن توجيه سياسي؛  لأن لبنان كشعب، ودولة، وكمنظومة اقتصادية تعاني من انهيار غير مسبوق، فمنذ أكتوبر/تشرين الأول/ الماضي، فقدت الليرة اللبنانية نسبة 70 في المئة من قيمتها، وهوت اليوم في السوق السوداء إلى 5000 ليرة، بدلا من السعر الرسمي المحدد بـ 1500 مقابل الدولار.

وبذلك، يدخل لبنان أسوأ أزمة اقتصادية تهدد استقراره منذ الحرب الأهلية، التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990. وبات الفقر مصير فئات اجتماعية من اللبنانيين، يعتمدون على مدخراتهم من العملة الصعبة.

وظل اللبنانيون يحتجون على الحكومة، وسياساتها الاقتصادية على مدى شهور عدة، تعبيراً عن سخطهم إزاء التراجع غير المسبوق في قيمة عملة بلدهم، فلجؤوا إلى التظاهر، وإغلاق الشوارع، والطرقات في عدد من المدن، من طرابلس في الشمال إلى صور في الجنوب.

ويرد البعض ما يشهده لبنان حاليًا إلى سلوك أطراف سياسية داخلية، أدت إلى حالة عداء بين لبنان، ومحيطه العربي، بجانب استهداف البلاد من قوى دولية بفعل تحالفاتها السياسية الإقليمية، في حين يرى جانب آخر أن كل ما يحيق بلبنان حاليًا من تدهور، يعود إلى عقود طويلة من الفساد المستشري، عبر حكومات متعاقبة منذ التسعينيات، أغرقت البلاد بديون دون إصلاحات جذرية تهيئ لمعالجة مشاكل الفساد، وبناء المؤسسات، وأدت في النهاية إلى ما نشهده اليوم من حالة إفلاس تام.

بغض النظر عن أسباب انهيار الوضع الاقتصادي اللبناني  فإن الحالة اللبنانية ليست أفضل من الحالة في العراق ، حيث يمر العراق بوعكة اقتصادية مزرية خانقة مع نضوب الواردات النقدية نتيجة سيطرة الأحزاب، والجهات الخارجية على الموارد سواء النفطية، أو المنافذ التجارية،  أو الرسوم، والضرائب، والجبايات، فجميعها تهدر إلى ماكنات فساد تدار خارجياً حتى أصبح البلد على شفا حفرة من الانهيار بمجرد انخفاض أسعار النفط أدى لجوء الحكومة إلى سياسة الاقتراض لسد رواتب موظفي الدولة .

ورغم ذلك كان توجه العراق إلى بيروت بوفد رفيع المستوى وأثارت هذه  الزيارة الكثير من التساؤلات عن جدوى الاتفاق مع لبنان، وكيف سيستفيد العراق من دعمه، خاصة، وإنه في أزمة مالية كبيرة حيث لا يوجد رابط حقيقي لينتفع فيه العراق القريب من الانهيار، ولكن المنتفع الأول هم الأحلاف في لبنان ، وإن هذا الاتفاق هو لمصلحة لبنان، وإنقاذه بعدما عاثت فيه سياسات النفوذ الخارجية وتدخلات حروب الوكالة ، فقد أوضحت صحيفة الجمهورية اللبنانية، وحسب تقرير نشرته، وتابعته “العالم الجديد”، بينت حسب مصادر أن “الحكومة اللبنانية تثق بظهور نتائج إيجابية ملموسة للمحادثات التي جرت مع الجانبين الصيني والعراقي”، لافتة إلى أن “الجانبين عبّرا عن رغبة جدية في مَدّ يد العون للبنان، في مجالات مختلفة، ومساعدته على النهوض بما يضع الاقتصاد اللبناني على سكة الانتعاش”.

فالزيارة هدفها لبنان وبالتحديد متخمو لبنان، وليس الشعب اللبناني السحيق، فالتحرك العراقي يرتبط بظروف خارجية تتحكم بعدة دول لبنان العراق سوريا اليمن،  حيث القوى التي تجير المسار الاقتصادي، والسياسي فيها دولة واحدة وتسير الأمور ليس من منظار نظام اقتصادي حي، ولكن من خلال التنفس الطائفي الاصطناعي لإنعاش هذه الدول التي عاثت فيها فساداً .

إذ إن تقديم النفط شبه مجاني إلى بيروت مقابل محاصيل زراعية، وبالأصل العراق لا يحتاج هذه المحاصيل، فالخاسر الوحيد فيه الإنسان الفقير العراقي، والرابح الأوحد في ذلك الحزب المتخم اللبناني، وخصوصاً بعد إخضاع سوريا للعقوبات الأمريكية عبر قانون قيصر الأمريكي، الذي أضرّ بشكل كبير لبنان، ومنعها من استيراد المشتقات النفطية والمواد الصناعية والزراعية من سوريا.

 وسنرى إن ريع هذه الصفقة الخاسرة للعراق ستذهب إلى المنتفعين، وليس المسحوقين، وستحاول أن ترمم البيت  الحزبي، والوجه السلطوي للحزب المتنفذ في لبنان، ورجالاته لاستكمال مشروع تصدير الثورة، وإثارة الحروب واستمرار تدفق شلالات الدم، وخصوصاً، ونحن نرى أن اللبنانيين قد ضاقوا ذرعاً بسياسات النفوذ الخارجي .

ليعود بنا النظر إلى العراق الذي يسجل فشلًا كبيرًا في السياسة الاقتصادية الخارجية مع الفشل في السيطرة على  النفط منعاً للتهريب ،  ودعم المنتوج الوطني، والفشل في ضبط واردات المنافذ التي تذهب إلى الأحزاب وإلى الدول الخارجية.

 وإن طبقة المسحوقين هي من تدفع فاتورة التضحية عند الأزمات مع ازدياد نسبة الفقر إلى ٣١% كما صرحت بذلك وزارة التخطيط ، فلو توجه العراق نحو الدول الغنية العربية وحققوا مجالاً للاستثمارات، وتطوير الطاقة ، وتنفيذ المشاريع، وتنشيط القطاعات الصناعية، والزراعية لكان أفضل بكثير من هذا الاتفاق المهترئ مع بيروت، والذي ينفع فيه الأغنياء التابعون للدولة العميقة في البلدين.

و يزيد الأمر  غرابة حول استمرار التحكم بمواردنا خارجياً  حيث مما  نعلم في نظريات الاقتصاد الداخلي للدول هنالك:  اقتصاد داخلي موجه ، وهنالك اقتصاد داخلي حر ،  ولكن عندما نرى اقتصادنا موجه خارجياً فهذه نظرية اقتصادية جديدة غير مفعلة سوى في العِراق!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى