حقوق وحريات

إضاءات سياسية (33)

هيثم المالح

عرض مقالات الكاتب

ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان

29/08/2005

السيدة/ نجوى

لا بد من التمهيد للإجابة على أسئلتكم كما يلي :

معلوم أن العالم العربي هو مما يصنف العالم الثالث أو العالم “النامي” . وحين دخلت أدوات الاتصال الحديثة للعالم العربي وأخص منه دول الخليج كالفاكس والإنترنت ، لم نكن في سورية نسمع عن هذه الأشياء .

عقب خروجي من السجن أواخر عام 1986 سافرت لبلاد عربية وفوجئت باستعمال هذه الأشياء التي ذكرتها .

وفي أواخر التسعينيات بدأ السماح باستعمال الفاكس ولكن نظراً لحاجة الأجهزة الأمنية لمراقبته والتي لم تكن ممكنة بالأسلوب السابق ، فقد اشترطت أجهزة الاقتصاد على كل مستورد لأجهزة الفاكس أن يقدم جهازاً مجانياً ، كي يرسل هذا الجهاز إلى أجهزة مراقبة الاتصالات ليتمكنوا من بسط رقابتهم على رسائل الفاكس ، ولدي المستند لذلك .

أما الإنترنت “وكذلك الموبايل” فكان الرفض القاطع لإدخالها في عهد الرئيس حافظ الأسد باعتبارها أدوات تصلح للتجسس .

إلا أن الرئيس الحالي بشار الأسد كان وراء إدخال شبكة الإنترنت ، وكذلك أخواله آل مخلوف وراء إدخال الهاتف النقال “الموبايل” والهدف هو المال فقط .

هذه فكرة موجزة للتخلف الذي يسود سوريا لجهة التكنولوجيا التي دخلتها متأخرة جداً بالقياس للعالم العربي والآن سأورد إجابتي عن الأسئلة كالتالي :

1- نص الدستور على الحريات في مواد هامة :

المادة /25/ : 1- الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على
                         كرامتهم وأمنهم .

               2- سيادة القانون مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين .

              3- المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات .

              4- تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين .

المادة /26/ : لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وينظم
                    القانون ذلك .

المادة /27/ : يمارس المواطنون حقوقهم ويتمتعون بحرياتهم وفقاً للقانون .

المادة /28/ :  1- كل متهم برئ حتى يدان بحكم قضائي مبرم .

               2- لا يجوز تحري أحد أو توقيفه إلا وفقاً للقانون .

               3- لا يجوز تعذيب أحد جسدياً أو معنوياً أو معاملة مهينة ويحدد القانون عقاب من
                         يفعل ذلك .

               4- حق التقاضي وسلوك سبيل الطعن والدفاع أمام القضاء مصون بالقانون .

المادة /29/ : لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني .

المادة /30/ : لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها ولا يكون لها أثر رجعي
                    ويجوز في غير الأمور الجزائية النص على خلاف ذلك .

المادة /31/ : المساكن مصونة لا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا في الأحوال المبينة في القانون .

المادة /32/ : سرية المراسلات البريدية والاتصالات السلكية مكفولة وفق الأحكام المبينة في القانون .

المادة /33/ : 1- لا يجوز إبعاد المواطن عن أرض الوطن .

              2- لكل مواطن الحق بالتنقل في أراضي الدولة إلا إذا منع من ذلك بحكم قضائي أو
                        تنفيذاً لقوانين الصحة والسلامة العامة .

المادة /34/ : لا يسلم اللاجئون السياسيون بسبب مبادئهم السياسية أو دفاعهم عن الحرية .

المادة /35/ : 1- حرية الاعتقاد مصونة وتحترم الدولة جميع الأديان .

              2- تكفل الدولة حرية القيام بجميع الشعائر الدينية على أن لا يخل ذلك بالنظام العام .

المادة /36/ : 1- العمل حق لكل مواطن وواجب عليه وتعمل الدولة على توفيره لجميع المواطنين .

              2- يحق لكل مواطن أن يتقاضى أجره حسب نوعية العمل ومردوده وعلى الدولة أن
                        تكفل ذلك .

              3- تحدد الدولة عدد ساعات العمل وتكفل الضمان الاجتماعي للعاملين وتنظم لهم حق
                        الراحة والإجازة والتعويضات والمكافآت .

المادة /37/ : التعليم حق تكفله الدولة وهو مجاني في جميع مراحله وإلزامي في مرحلته الابتدائية وتعمل
                    الدولة على مد الإلزام إلى مراحل أخرى وتشرف على التعليم وتوجهه بما يحقق الربط
                    بينه وبين حاجات المجتمع والإنتاج .

المادة /38/ : لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول والكتابة وكافة وسائل
                    التعبير الأخرى وأن يسهم في الرقابة والنقد البناء بما يضمن سلامة البناء الوطني والقومي
                    ويدعم النظام الاشتراكي وتكفل الدولة حرية الصحافة والطباعة والنشر وفقاً للقانون .

المادة /39/ : للمواطنين حق الاجتماع والتظاهر سلمياً في إطار مبادئ الدستور وينظم القانون ممارسة
                    هذا الحق .

ومعروف أن الدستور وضع عام 1973 وقد فصل على مقاس النظام الحاكم آنئذ ، ولم يكن الإنترنت معروفاً ولذا فلا يوجد نصوص تخص الإنترنت ، إلا أن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص على غير ذلك .

2- يقول الناس عادة أن في تغيير الحكومات رحمة ، فعندما جاء الرئيس بشار الأسد إلى الحكم “وبغض النظر عن الطريقة التي جاء بها” فإن الناس تفاءلوا وكنت مع من تفاءل ، وسطرت للرئيس عدة رسائل وضعت فيها رؤيتي للمستقبل ، إلا أنني لم أتلق أي رد ، كما لم ألتمس أي توجه في اتجاه ما كتبت وتجدون صورة عن رسائلي .

ومعلوم كيف تم تراجع حقوق الإنسان والتعبير سواء في الاعتقالات التي طالت عدداً من الناس والناشطين في الشأن العام منذ العام الماضي وحتى الآن ، وكذلك إغلاق المنتديات ومنع اللقاءات والاجتماعات ومنها منتدى الأتاسي واجتماعات لجان إحياء المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان ومنع بعض المواطنين من السفر وما إلى ذلك ، وقد بينا ذلك في تقرير جمعية حقوق الإنسان للعام 2004 فيرجى الرجوع إليه .

3- حتى الآن لا يوجد سوى جهتين تقدمان خدمة الإنترنت ، الجمعية الوطنية ، ووزارة الاتصالات ، وأما عدد السوريين الذين لديهم إمكانية الدخول على الإنترنت فهي ليست كبيرة والمشتركين لا يتجاوز عددهم ثمانين ألف مشترك ، وكثيراً ما يتعلق الأمر بقلة الدخل وارتفاع تكاليف الاشتراك نسبياً ، فإذا كانت نسبة الفقر تعادل 60% من مجموع السكان ، فلا أظن أن المواطن يتجه للاشتراك بالإنترنت ولكنه يسعى لتأمين معيشته أولاً .

4- تتم المراقبة عبر حفظ مراسلات السوريين والتي عادة ما تتم لمدة مائة يوم ، فضلاً عن أن الأجهزة الأمنية قد تضع أسماء معينة تحت الرقابة فمجرد ظهور الاسم يضيء ضوء معين وبالتالي تجري المراقبة ، فمثلاً هيثم المالح اسم معروف وهو يخضع للرقابة هاتفياً وبريدياً وعن طريق “شبكة الإنترنت” .

5- في الحقيقة ليس معروفاً على الضبط عدد الذين تم إيقافهم بسبب استعمال الإنترنت ، ذلك أن جميع الاعتقالات تتم بسرية تامة ، وإذا كان يوجد لدينا أكثر من ألفي معتقل في سجون الأمن السرية فإن عدداً من المعتقلين تم توقيفهم بسبب استعمال شبكة الإنترنت وفي جميع أحوال الاعتقال في الأجهزة الأمنية لا يوجد أية إمكانية للاتصال لا بالمحامين ولا بالأسرة ويبقى المعتقل فترة طويلة قد تمتد لأكثر من سنة دون أن يعرف أي شخص عنهم شيئاً وبخاصة المحامين أو الأسرة ، أما التعرض للإساءة فهي أمر روتيني في سجون الأمن السرية .

لا يوجد قانون ينظم التعامل مع الإنترنت ، ولكن السلطات حين تعتقل شخص تنيب إليه نشر معلومات كاذبة ولا تهم الأداة في هذه الحالة .

وللمناسبة فإن حبيب صالح وإبراهيم حميدي وعلي العبد الله لم يعتقلوا بسبب الإنترنت . ولقد كنت وكيلاً لعبد الله الشاغوري وهيثم ومهند قطيش ، ولدينا محكمة أمن الدولة يمكن أن تحكم على أي شخص ودون سبب ظاهر بالمدة التي تكون مطلوبة منها .

6- معلوم لديكم أنني أتعرض لضغوط أمنية منذ أكثر من خمسين عاماً وبالتحديد بدءاً من عام 1951 حين تم توقيفي لأول مرة ، ثم كنت تحت الرقابة الأمنية بين عامي 1955 و1958 ، كما اعتقلت بدءاً من عام 1980 حتى نهاية 1986 بسبب عملي في لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان في نقابة المحامين ، كما سبق أن فصلت من القضاء عام 1966 بسبب خلافي مع النظام ، ولا أزال خاضعاً للرقابة بين مكتبي وداري وكما أنني ممنوع من السفر منذ سنتين ونصف ولا أستطيع مغادرة سورية حتى إلى بيروت أو عمان .

أجهزة الأمن تمارس ضغوطاً على زبائن المكتب باعتباري أمارس العمل القانوني قضاء ومحاماة حتى الآن ومنذ نحو خمسين عاماً بصورة أدت لكثير من الزبائن إلى ترك المكتب إلى مكاتب أخرى وخسرت أكثر من نصف دخلي نظراً لهذه الضغوط .

7- لا تستطيع سورية أن تبقى متخلفة عن العالم فالإنترنت الآن يحتل مساحة واسعة جداً للمستعملين على مستوى العالم ، إلا أن السلطات في سورية تتجه لإصدار قانون خاص يدرج الإنترنت في نطاق الرقابة الأمنية .

8- كما رأيتم يضم الدستور مواد جيدة لجهة الحريات كما يوجد نصوص أخرى مبعثرة هنا وهناك ، إلا أن أهمية النصوص تنبع من تفعيلها ، ولو عدنا إلى النصوص الأخرى الموجودة بدءاً من إعلان حالة الطوارئ التي نرزح عنها منذ أكثر من اثنين وأربعين عاماً ، والقانون رقم (49) لعام 1980 الذي قضى بإعدام كل منتسب للإخوان المسلمين ، والمادة /16/ من القانون (14) لعام 1969 المتعلق بأمن الدولة والذي يحصن الموظفين الآمنين من الملاحقة القضائية إذا ارتكبوا جريمة ، وكذلك القوانين العديدة المبعثرة هنا وهناك ، ومنها قانون المطبوعات والتي تعطي السلطة الحاكمة صلاحيات لا حدود لها في قمع الحريات وتكديس الناس في السجون بلا رقيب ، وكذلك الصلاحيات الكبيرة للأجهزة الأمنية المتعددة والتي تحصي على المواطنين أنفاسهم ، كل ذلك يعطل نصوص الدستور وأية نصوص تحمي حقوق المواطنين ، وإذا أضفنا إلى كل ذلك التغول الذي جرى على السلطة القضائية بحيث أضحت معطلة وشلاء لا تملك صلاحياتها ، وأقرب مثالين لنا هما قضيتا مأمون الحمصي ورياض سيف اللذين كان ينبغي إطلاق سراحهما منذ أكثر من شهرين وللآن لا يوجد قضاء يتخذ الخطوة الصحيحة .

ولذلك فالعمل يبدأ من هنا ، وممارسة الضغط لإلغاء حالة الطوارئ والقوانين والمحاكم الاستثنائية قد تكون الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى