حقوق وحريات

إضاءات سياسية (32)

هيثم المالح

عرض مقالات الكاتب

القضية الكردية

 (في الماضـي وحاضرها اليوم ومستقبلها غداً)

دمشق 09/06/2005

لا أحد يستطيع أن ينكر أن هناك مشكلة اسمها المشكلة الكردية ، وللبحث في أية مشكلة يجب الرجوع إلى جذورها :

في المـــاضـــي

وحاضـرها اليـوم

ومستقبلها غداً

إن من أهم أسباب ظهور القضية الكردية اليوم يرجع إلى الجذور حين اعتقد الأكراد أنهم شعب متفرد كالترك والفرس ، مع أن الدراسات التاريخية والمراجع العربية ككتاب نهاية الأرب للنويري والاشتقاق لابن دريد ووفيات الأعيان لابن خلكان “وهو كردي” ومروج الذهب للمسعودي تنص بما لا يقبل الشك أن الأكراد في أصلهم عرب ينحدرون من أربع قبائل واحدة يمنية وثلاث مضرية .

لَعَمْرُكَ ، ما الأكْرادُ أبناءُ فارسٍ

ولكنَّهُ كُرْدُ بنُ عَمرِو بنُ عامرِ([1])

والسؤال الذي يجب أن نسأله : كيف تهيأ للأكراد هذا التقوقع في نسيج خاص .. ؟ والجواب أن الأكراد هاجروا من الجزيرة العربية وصعدوا في شمال العراق وفي خراسان وحتى هراة فاكتسبوا لغتهم من مزيج من العربية والفارسية واللغات المحلية .. ولكن كثيراً منهم لم يتخلوا عن لغتهم العربية .

عاش الأكراد في العصور الإسلامية ومنذ العهد الأموي ضمن كيان الدولة الإسلامية شأنهم شأن بقية الأمم والشعوب الإسلامية وقد استطاعوا أن يرسموا صوراً مشرقة في تاريخنا السياسي ، والاجتماعي ، والعلمي ، ومساهمتهم في تحرير بعض أجزاء العالم الإسلامي على يد محمود زنكي وصلاح الدين الأيوبي “كمثال على ذلك” وتمتلئ كتب تراجم العلماء والفقهاء والمؤرخين بأسماء علماء من الأكراد ومن يرجع إلى كتاب وفيات الأعيان يجد مثالاً على ذلك .

كان مجيء الأكراد من الشمال لمحاربة الصليبيين أن عادوا للانتشار في العالم العربي ولكن مجيء العثمانيين دفعهم إلى التحصن بالمناطق الجبلية والوعرة كما في شمال سوريا وشمال العراق .

إن مقام الأكراد في الجبال منعزلين أبقى على لغتهم وعاداتهم ، وقد كانت الدولة العثمانية إلى أواخر حياتها تعامل الأعراق الأخرى معاملة سيئة ، إلى جانب تحول حكم العثمانيين إلى الاستبداد الأمر الذي أثار ردة فعل لدى الأكراد فتقوقعوا على أنفسهم ، وحين سادت فكرة القوميات في نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين برز الأكراد بقوميتهم شوكة في جانب القوميات الأخرى .

في الوقت الحاضر : الناظر إلى الأكراد ومناطقهم يرى أن هناك جوراً وظلماً قد أصاب الأكراد كما أصاب غيرهم بسبب الإهمال الشديد لمنطقة الجزيرة شمال شرق سوريا “بصورة أدت إلى تخلفها” ، فالمدنية والحضارة متأخرة عن المناطق الأخرى والسلطة الحاكمة تمنع عن الأكراد هوياتهم وجوازات السفر وتضّيق عليهم في أحوالهم السياسية والأمنية .

فأصل البلبلة هنا هو الصراع القومي الذي برز والذي أذكاه الشيوعيون الأكراد لجعل المناطق الكردية نواة لدولة شيوعية في المنطقة .

السؤال الآن : هل يحق لكل قبيلة أو عنصر أن ينفصل بنفسه ويكوِّن دولة خاصة به ؟ بمعنى هل يحق لقبائل عنـزة أن تقيم لها دولة وكذلك الروَلة.. بالطبع لا.. ؟ .

ثم إن العالم اليوم يتكتل في تجمعات تعطي أفرادها مزيداً من الرخاء والتقدم ، فها هو الاتحاد الأوروبي ، والاتحاد الهندي ، والاتحاد الإندونيسي ، والاتحاد الكندي ، ودول الكومنولث ، والاتحاد الإفريقي ، خير مثال على ذلك .

فكيف لنا أن نقبل بأن ينسلخ قسم من العرب الأكراد عن الوجود العربي ، وللننظر الآن إلى شمال العراق فهناك بوادر انفصال كردي كما هناك من يسعى إلى مثل ذلك في سوريا وتركيا وإيران : مما يعني التوجه إلى تمزيق العالم الإسلامي والعربي فوق تمزقه وإضعافه فوق ضعفه .

ما أراه أن الحل السليم هو أن ينخرط الأكراد في المجتمعات المحيطة بهم ، و يجري إنصافهم ، كما البعد عن العصبية القبلية المقيتة .

ملاحظات حول رد السيد محمد الراشد حول المسألة الكردية

كلنا شركاء 17/06/2005

دمشق 30/06/2005

بداية أشكر الأخ السيد محمد الراشد على كتابته التي رد بها على نداء متواضع أرسلته عبر “كلنا شركاء” لا ليكون بحثنا أكاديمياً وإنما ليكون بمثابة رسالة للإخوة الأكراد ، في سعيٍ لوضع العصي في عجلات تسير في اتجاه معاكس لما ينبغي أن يكون من علاقات أخوية بين جميع مكونات المجتمع في سورية .

فلا زلت كما يعتقدني الأخ كاتب الرد مدافعاً عن حقوق الإنسان ليس من الآن وإنما منذ زمن بعيد ، وقد دفعت ثمناً غالياً لكلمتي منذ عام 1951 وحتى تاريخه .

إلا أن ما يوجب الدهشة هو أن يتم رفض هذه الرسالة والتي هي بمثابة نداء إخوة ينتمون لأصل واحد ، ومن الجدير هنا أن أضرب مثلاً “والله قد ضرب الأمثال العديدة في القرآن الكريم” ، هذا المثل الذي كثيراً ما يتردد على مسامعنا ، حين يذكر يهود إسرائيليون أنهم أبناء عمومتنا تقرباً منا ، وهو تاريخ معلوم بالضرورة ، وبرغم صراعنا المرير معهم منذ زمن طويل بسبب قدوم أغرابٍ عنا واحتلالهم الأراضي الفلسطينية ، إلا أنه لم يجر أن رفض أحد من جانبنا هذه المقولة على اعتبار الصلة الأسرية بين سام وحام ولدي نوح .

إلا أنني فعلاً فوجئت بالرفض الذي ورد في رد الأخ الراشد على مجرد تقديم رأيٍ ضمن المنشور المذكور أنفاً !! .

ثم أليس من حق أي مواطنٍ أن يدلي برأيٍ لمناقشة مسألة ما ؟ وهو ما يذكي الحوار ويغني الثقافة ؟ .

ومع أن بإمكان الأخ الذي رد عليّ أن يرجع إلى المراجع التي ذكرتها ليتبين الحقيقة ، ذلك أن ما قدمت لم يكن يتجاوز كما قال الأخ الراشد “600” كلمة بمعنى أنها ليست بحثاً أكاديمياً ، ومن المفيد لأي منا المراجعة التاريخية لزيادة المعرفة والتأكد من صحة ما يطرح على الساحة الثقافية ، ومع ذلك سأدرج للأخ الكريم مقطعاً من كتاب لسان العرب لابن منظور يرجع تاريخه لأكثر من سبعمائة عام حين لم تكن المسألة القومية مطروحة بأي شكلٍ وبأي اتجاه ، وأن أي بحثٍ من هذا القبيل إنما هو مجرد تحليل لا غير ، وإذا كانت جمعيتنا قد نظمت تقريراً عن المسألة الكردية ، فإنني لا أزال أتمسك بنتائجه وأتحدث عنه في سائر الفضائيات والمقابلات كما هو معروف :

قال العلامة أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الإفريقي المصري في المجلد الثالث من كتابه لسان العرب صفحة  (379) طبعة دار صادر بيروت لعام 1955 .

كرد : الكَرْدُ : الطردُ . والمكاردةُ : المطاردةُ . كردهمْ يكردهم كرداً : ساقهم وطردهم ودفعهم ، وخص بعضهم بالكرد سوق العدو في الحملة . وفي حديث عثمان ، رضي الله عنه : لما أرادوا الدخول عليه لقتله جعل المغيرة بن الأخفش يَحْمِلُ عليهم ويَكْردُهُم بسيفه أي يَكُفُّهم ويطْرُدُهُم .

وفي حديث الحسن ، وذكر بيعة العقبة : كان هذا المتكلم كرد القوم قال لا والله أي صرفهم عن رأيهم وردهم عنه . والكردُ : العنقُ ، وقيل : الكَعرْدُ لغة في القردِ وهو مجثم الرأس على العنق ، فارسيّ معّرب ، قال الشاعر الليث :

فَطَارَ بمَشْحُوذِ الحَدِيدَةِ صارِمٍ

فَطَبَّقَ ما بَيْنَ الذُّؤَابَةِ والكَرْدِ

وقال آخر :

وكُنَّا إِذا الْجَبَّارُ صَعَّرَ خَدَّه

ضَرَبْنَاهُ دُونَ الأُنْثيَيَيْنِ على الكَرْدِ

وقد روي هذا البيت :

وكُنَّا إذا العَبْسِيُّ نَبَّ عَتُودُه

ضربناهُ بين الأُنْثَيَيَنِ على الكَرْدِ

وقال ابن بري : البيت للفرزدق وصواب إنشاده : وكنا إذا القَيْسِيُّ ، بالقاف . والعَتُودُ : ما اشتدّ وقوي من ذكور أولاد المعز . ونبِيبُه : صوته عند الهياج . وأراد بالأُنثيين هنا : الأُذنين . والحقيقة في الكرْد ، أنُ أصل العُنق . وفي حديث معاذ : أنه قَدِمَ على أبي موسى باليمن وعنده رجل كان يهودياً فأَسلم ثمَّ تَهَوَّد ، فقال : والله لا أقعُدُ حتى تضربوا كَرْدَه أي عنقه ، وأنشد أبو الهيثم :

يا ربِّ بَدَّلْ قُرْبَه بِبُعْدِه

واضربْ بحدِّ السيفِ عَظمَ كَرْدِه

التهذيب في الرباعي : ابن الأعرابي : خُذْ بِقَرْدَنِه وكَرْدَنِه وكَرْدِه أي بقفاه . والكُرْدُ : الدَّبْرَة ، فارسي أيضاً ، والجمع كُرُودٌ والكُرْدة كالكُرْد ، والكُرْد ، بالضم : جيل من الناس معروف ، والجمع أكراد ، وأنشد :

لَعَمْرُكَ ، ما كُرْدٌ مِن أبناء فارسٍ

ولكنهم كُرْدُ بنُ عَمْرِو بنِ عامِرِ

فنسبهم إلى اليمن . 

في هذه العجالة أردت أن أذكر الإخوة الأكراد بالمصير الواحد الذي ينتظرنا جميعاً إذا لم نتحد ونتعاون في رفع الظلم والحيف عن مجتمعنا والعمل للنهوض به من كبوته في سبيل بناء حضارتنا الجديدة ونحيي تراثنا التاريخي المشترك .

 
 

[1])) وفيات الأعيان : لابن خلِّكان في ترجمة المهلب بن أبي صفرة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى