مقالات

صديق عن صديق يختلف

حسام الدين الفرا

شاعر وكاتب سوري
عرض مقالات الكاتب

رُشّح صديقي لاتباع دورة، وورشة عمل في العاصمة، برعاية منظمة اليونيسيف الراعية للطفولة، حول المدرسة صديقة الطفل، وكانت جدّ مفيدة، تعرّفَ من خلالها على بعض الزميلات والزملاء الذين انخرطوا، وانخرطنَ فيها بحماس .

قال صديقي : استفدنا خبرات ومعلومات، لجعل المدرسة صديقة، وجاذبة للأطفال، يُضاف إلى ذلك صرف مكافأة للمشتركين فيها أعانتهم على ضنك العيش، وجعلتهم يعيشون في بحبوحة بضعة أيام .

بعد أن عاد صديقي إلى مدينته التي رشحته للدورة، والتي حُدّدتْ فيها خمس مدارسَ، لتطبيق مشروع المدرسة صديقة الطفل .

 جاء ممثل عن اليونيسيف إلى المدينة، لرؤية ما طُبق على أرض الواقع، فاتصلت التربية بصديقي ليرافق الضيف الذي كان من جنوب السودان .

ذهب صديقي برفقة الضيف بسيارة التربية، وجالوا في المدارس المعنية، وأُعجب الضيف بما شاهد فيها، من تطبيق لأهداف الورشة التي أقيمت، ولم يتم التطرق لأي شيء خارج نطاق التربية والتعليم والطفولة .

وهم في السيارة فاجأ صديقي اتصال على جوّاله .

 : ألو نعم مَن معي  ؟

جاءه صوت مخيف زعزع كيانه : أنت فلان الفلاني تركب السيارة مع ممثل اليونيسيف؟

قال : نعم كيف عرفت ؟

: أنا هو بشحمه ولحمه، ولكنْ مَن أنت ؟

ردّ عليه : هل يسمع أحد بقربك كلامي  ؟

وتابع : أنا فلان من فرع الأمن .

قال : أهلا وسهلا تشرفنا .

: خير إن شاء الله .

أجابه : لا تخف، ولا تجعل الضيف يسمع أو ينتبه .

في مشواركم هل حدث أي شيء ؟

وهل تكلم أحد ما أمام الضيف، ومَن قابلتم ؟

أريد كل ذلك في تقرير تسلمه للتربية .

امتقع وجه صديقي، ونشف الدم في عروقه .

قال : كل الأمور كانت على ما يرام، ولم يتحدث أحد إلا عن التربية والطفولة .

رد رجل الأمن : قلت لك دوّنْ كل شيء وأعطه للتربية .

أقفل الخط، ويبدو أن السائق انتبه لتعكّر مزاج صديقي، فسأله عن الأمر، فأخفى عنه ما جرى، وهو متأكد أنهم اتصلوا بالسائق أيضاً ليعرفوا كل شيء .

لعن صديقي اليوم الذي ذهب فيه للدورة، والمكافأة المجزية التي أخذها، وقال : ( بدهم يطالعوا روحتنا وانبساطنا في الدورة والمكافأة من عيوننا عامص) .

أنا رحت للدورة والورشه حتى تصبح المدرسة صديقة الطفولة، وليس لأصبح أنا صديق الأمن .

وتذكر صديقي عندما سافر أول مرة خارج بلده .

كيف طُلب منه أن يراجع أحد الفروع المسؤولة عن السفر في العاصمة، والذي يهتم برعايا الوطن خارج الحدود، وكيف قضى ساعات من التوتر والقلق كي يحصل على الموافقة، وعندما قال له رجل الأمن هناك بأن الوطن وحمايته مسؤولية الجميع، وعلى أبناء الوطن في الخارج أن ينتبهوا لأي أمر قد يلحق الأذى بالبلد، وعلى أبناء الوطن البررة أن يُبلغوا السفارة هناك عن أي سلوك شائن .

وطبعاً كانت إجابة صديقي : الوطن غالٍ وهو في عيوني .

ولكنه لم يعرف اين تقع سفارة بلده في الدولة التي ذهب إليها، ولم يزرها ابداً للتزوّد بتعليماتهم الكريمة .

وتذكّر صديقي أيضاً عندما كان طالباً جامعياً في معسكر التدريب الجامعي الصيفي في المسلمية، كيف ناداه زميل له ليسأله عن زميل آخرَ يسكن معه في الخيمة، ويستفسر عن تصرفاته وأحاديثه .

تفاجأ صديقي يومها بزميله وقال لنفسه : هل هو طالب ام أمن أم مخبر ؟

وقال صديقي : يعني ألا تكفي فروع الأمن، وما فيها من عناصرَ، ليحاولوا جعل كل شخص في المجتمع تابعاً لهم، يرصد حركات وسكنات الآخرين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى