تحقيقات

عوامل تحرك الشارع السوري ضد اﻷسد… معركة الذئب المنفرد

فراس العبيد – رسالة بوست

الصدمة التي تركتها مجزرة حماة وما يعرف بأحداث الثمانينات في القرن الفائت، وامتداد المشهد إلى شكل آخر من اﻹجهاز على ملف الثورة السورية، ضد نظام اﻷسد، ترك بصمته الواضحة على نفسية الناس، وخلق أرضية وبيئة لرفض أي تحرك آخر لمواجهة الظروف الراهنة.

ورغم ما تعانيه مناطق سيطرة اﻷسد من آثار سلبية لسياسات فاشلة اقتصادية واجتماعية، إلى غيرها من العجز الذي أرخى بظلاله على جميع مفاصل البلاد، إﻻ أنّ “الركون” إلى “التفرج والترقب” يسود المشهد السوري، فيما عدا تحركات خجولة بدأت تكشف هشاشة النظام “اﻷمنية”.

تأديب الشارع:

ولعل النظام نجح في تهميش دور الشارع، وإقصاءه أو عزله، من خلال ملفين؛ ترك هامش للتذمر عبر الفيس بوك، ووسائل التواصل اﻻجتماعي، وفق مبدأ “ديوان النكتة”، وبالتالي؛ ضبط تحركه في إطار “الكلام والجعجعة”، ومن جهةٍ أخرى، إشغاله بالمعيشة وطرق جديدة لابتكار مصادر دخل للعيش، ما يعني ابتعاده عن “السلاح” في معركة تقرير المصير، والمواجهة الحتمية. وبتعبيرٍ آخر؛ إعادة سيناريو الثمانينات، والحفاظ على كرسي السلطة بات ممكنًا، لكن الشارع يحتاج إلى تأديب، منعًا لتحركات مستقبلية.

ويصر محللون أن الشارع الموالي، غير معني بما يحدث، ويطبق مبدأ “مين ما اتجوز أمي قلو عمي”!! إﻻ أنّ تلك المقولة، تنفيها مجموعة عوامل تاريخية وشرعية؛ فمثال “الطليعة المقاتلة” القريب يؤكد عودة السيناريو مجدداً شريطة اﻻستفادة من التجربة السابقة وتلافي اﻷخطاء التي وقعت بها.

اقتصاد ممانع:

وتشهد التقارير الصادرة عن وسائل اﻹعلام الموالية والمختصة بالشأن اﻻقتصادي، أن الفجوة كبيرة بين الدخل (اﻷجور) والقوة الشرائية لليرة. وهو اﻷمر الذي برر لـ”شبيحة اﻷسد” ومرتزقته في المجال “اﻷمني” إلى ابتكار طرقٍ لابتزاز الناس، وتشليحهم أموالهم عنوةً، باﻻستناد إلى “سطوة النفوذ”.

ويمكن القول بأنّ المشهد حوّل البلاد إلى “مربعات وتكتلات أمنية” أقرب إلى كيانات ستخرج عن السيطرة مع الوقت، وستترك أثرها اﻻجتماعي بوضوح. ويبدو أنّ مقولة “اقتصاد ممانع” بررت نهب الناس، أمام “صمت” الشارع، الذي يعكس مقولة “قيل لفرعون: من فرعنك، قال: ما لقيت مين يمنعني”، وإذا لم يرَ الظالم سيفًا على جنب المظلوم تمادى في غيّه وظلمه.

بالتالي؛ الفرصة مواتية، لمزيد من “خلق الفوضى اﻷمنية” واﻻستفادة من تعاطف المدنيين، الموالين والمعارضين للأسد، والتحرك بخفة ضمن هذا الهامش، دون توسعته في “حرب التصفيات لرؤوس السطلة”.

انفلات أمني متعمد:

كما تشير التقارير مؤخرًا إلى ارتفاع وتيرة القتل والخطف، والتشليح وغيرها، والضحية هم “المستضعفون” من السوريين، في مناطق اﻷسد. إذ هزت دمشق وريفها خلال اﻷيام القليلة الماضية 3 جرائم قتل واغتصاب.

إضافةً لوقوع اشتباكات يوم الخميس الفائت، استخدمت فيها القنابل والأسلحة الخفيفة في منطقة دف الشوك جنوب دمشق بين مجموعتين من الشبيحة على خلفية اﻻختلاف في عمليات سرقة. جميع تلك المؤشرات تشير إلى تعمد إبقاء تلك الحالة مع إمكانية القول بالعجز عن ضبطها أو تلجيمها.

وبالمجمل؛ هشاشة النظام اﻷمنية واضحة وسلوكه اﻻنتقامي، سينعكس ردات فعل على الشارع، من الممكن اﻻستفادة منها، “عسكريًا”.

عوامل التحرك:

وبالمحصلة؛ عوامل التحرك متوفرة، لكنها تحتاج إلى “القلّة الصادقة”، كما تحتاج إلى عزيمة وثبات على العقيدة والمنهج الصحيح، في فهم “طبيعة الصراع” و”مكمن الداء”، والعمل ضمن هذا اﻹطار، وفيما عدا ذلك مجرد وهم ما لم يحمل بين طياته رسالة واضحة، وغاية نقية. أمّا الركون إلى “النكتة” و”السخرية” فهي جهد الضعفاء الخائرة قواهم اليائسون البائسون، من عاش ويريد البقاء في مدرسة “البؤساء”.

قال تعالى؛ “فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ” سورة البقرة: (249). ويمكن أن نقرأ بعض اﻹشارات من اﻵيات السابقة؛ التمحيص، الثبات، القلة، الثقة بالله تبارك وتعالى، معية الله، الصبر. وهي العوامل المساعدة.

وبمطلق اﻷحوال؛ طبيعة الصراع، وتركيبة النظام وتشابكه مع المصالح الدولية “الصليبية”، ترجح طول المعركة.

وبالمختصر؛ السيف أصدقُ من وعود الكاذبين، ولا كرامة لأصحاب تلك الصور المتداولة على وسئل التواصل اﻻجتماعي تتباكى على “الفقر والعوز” ما لم ينتفض “الضعيف وبالقوة” فيما يعرف بـ”حرب الذئاب المنفردة”، وإﻻ فإنّ ديمقراطية ترامب، ومانويل وبوتين، وأحلام الفرس، هي التي صنعت “طاغوتًا” اسمه “نظام اﻷسد، وتحطيم الصنم لا يكون بالتباكي ونشر الصور، أو حتى السخرية. وإنما تكون تلك الصور أدوات مساعدة لتحريك الشارع والعقيدة الصحيحة تضبطه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى