مقالات

المنافقون وإسقاط الدول

أحمد هلال

كاتب وحقوقي مصري – عضو منظمة العفو الدولية
عرض مقالات الكاتب

المنافقون هم العدو الأكبر لنهضة الدول، ومن رحمة الله بشعب مصر أن حدث الانقلاب أيًا كانت الأسباب ،أظهر الانقلاب أسوأ من عندنا، كما أظهر أفضل من عندنا أيضا.

أخطر فئة ظهرت في المجتمع المصري هم النخب المنافقة سواء كان نخب سياسية، أو نخب داخل الجماعة باعتبارها محور ارتكاز كبير في التغيير، والانتقال السلمي المتدرج من الحكم الشمولي الاستبدادي العسكري إلى حكم مدني عبر التعددية، و الانتخابات، و التشاركية السياسية في الحكم ووصولها بسرعة فائقة إلى حكم مصر من دون ترتيبات مسبقة.

وصول يمثل صدمة، وارتباك داخل الجماعة، وأصبحت لا تمتلك رفاهة الاختيار بين المطروح على الساحة السياسية المصرية ، فكل الأحداث إقليميًا، ودوليًا، ومحليًا كانت تتجه نحو المشاركة وتتقدم الصفوف الأولى ، ولا بديل آخر يمكنه أن يتحمل تبعية نتيجة المرحلة الثورية ،التي هبطت بديموقراطية علي الشعوب العربية من دون سابق إنذار.

استخدم المجلس العسكري كل الطرق لتضييق الخناق على الثوار عن طريق تغيير مسارات الأحداث بالقانون، والتشريعات ،وحيث أنه كان يمتلك كل السلطات في يده ،وحيث أنه أدرك رغبة الإخوان المسلمين في المشاركة لا المغالبة، وتشكيل جبهة مدنية متماسكة تضم كافة نسيج المجتمع المصري المدني من أجل صناعة مشهد ثوري مدني، وانتقال سلمي للسلطة متدرج، وإبعاد الجيش المصري تدريجيا عن الحياة السياسية المصرية ،فلم يرغب المجلس العسكري الذي يشعر بالتململ من ذلك التغيير الذي يضر بمصالحهم ، وأدرك أن تفتيت القوى المدنية هو محور ارتكاز كبير في تفكيك مشهد يناير في ميدان التحرير، وعدم إعطاء الفرصة للتغيير بتلك البساطة و السهولة، خصوصا وأن رقابهم كانت تقترب من مقصلة العدالة.

فلم تكن ثورة يناير مجرد انتقال من الحكم الشمولي الاستبدادي العسكري إلى حكم مدني، بل كادت أن تكون تهيئة لإقامة دولة مدنية مختلفة.

قام بتغيير نظام الانتخابات من النظام الفردي إلى نظام القائمة ، ثم قام بحل مجلس النواب بعد أغلبية الإخوان المسلمين داخل البرلمان، وقام بالتضييق على مرشحي الرئاسة، واعتذار الكثير من الشخصيات التوافقية عن عدم خوض الانتخابات ،ثم دفع برجاله إلى سباق الرئاسة لاستعادة الأمور سلميًا ، وكاد أن يقوم بانقلاب ناعم بتغيير نتيجة الانتخابات من أجل استباق الإخوان المسلمين بإعلان غير رسمي لنتيجة الانتخابات.

وفي وسط تلك الأحداث ظهر بوضوح جيش المنافقين المتربصين بمصر، منهم حزب النور البرهامي ، ثم مجموعة من أساتذة العلوم السياسية المصرية الساقطة، ثم مجموعة من الوزراء والمحافظين ومستشاري الرئيس المنسحبين، والمنبطحين ،ثم من مجموعة وزراء كانوا ممثلين أيضًا للإخوان المسلمين ،كل هؤلاء شكلوا ظهيرًا منافقًا كبيرًا أدى إلى تسارع الأحداث نحو انهيار التجربة المصرية و إسقاطها، وليس إفشالها.

وبرغم عدم وجود داعمين للرئيس إلا أنه كاد أن ينجح وحيدًا، ولو كان فاشلًا ما تجمعوا حوله لإسقاطه؛ لأنهم يدركون جيدًا لو تخطى الرئيس محمد مرسي – الرئيس الشهيد –  عامه الثاني في الرئاسة، لحدث تغيير كبير في مصر، لكن تحولت التجربة المصرية نحو الإفشال بفضل جهود المنافقين من كل اتجاه.

أكبر من يكسر إرادة الشعوب هو فتنة الداخل المتغلغل داخل الصف الثوري، أو النسيج المصري.

كان لابد من وقوع الانقلاب حتما لعدم توفر مكونات متجانسة متوافقة لديها مشروع واحد، وهو بناء الدولة المصرية، لكن تحول جيش المنافقين إلى مطعن كبير في جسد الثورة المصرية، فانهارت من الداخل ولم يكن الانهيار من الخارج.

أكبر تجمع للمنافقين كان في 30يونيو، ولو أدرك الجميع خطورة خروجهم في ذلك اليوم ولو رجعوا بتفكيرهم إلى منطق الديموقراطية التي يتناجون بها ، وهي أن هناك رئيس مدنى منتخب من حقه استكمال مدته في الرئاسة أيًا كان أداؤه ،وعدم المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة (وهذا مصطلح جديد وعمل من أعمال الشياطين) لظهرت نيات المجلس العسكري الحاقدة، وما استطاع الخروج في 3/7والانقلاب العسكري.

لكن كان للمنافقين دورًا أساسيًا ومحوريًا في عدم الرغبة في استكمال المسار الديموقراطي، والممارسة السياسية ،والتغيير السلمي.

وبعد مرور الوقت بسبع سنوات مضت ظهر كل المنافقين من كل اتجاه ،وأصبحت الساحة كاشفة للجميع ،وعليه فإن تحجيم دور هؤلاء في المستقبل سيكون سهلًا ولا يحتاج إلي بحث كبير.

الانقلاب هو تعديل مسارات كبيرة، واكتشاف الدولة المصرية من داخلها ورؤية مختلفة لإدارة الصراع ، وإظهار حجم الفساد داخل الدولة المصرية ، في جميع مؤسساتها التي كانت تدعي الشرف و الوطنية.

التغيير ممكنًا، وسيحدث لا محالة ، لكنه يتطلب استعدادًا كبيرًا، ووضع الأمور في نصابها ،ومعالجة الأخطاء وتداركها

على الجميع أن يستعيد قراءة الأحداث إقليميًا ودوليًا، ويبحث عن أخطائه، ليعتذر عنها ويتجنبها.

المسؤولية تشاركية وكل الأطراف قد أخطأ، لكن الاعتراف بالخطأ لا يكون بملاحقة فصيل واحد واتهامه بكل البلايا.

ربما نرى من لديه شجاعة الاعتذار من دون اتهام الآخرين.

ما يحدث اليوم في مصر هو معاناة من أجل التغيير الحقيقي، وليس نجاح الانقلاب ، الشعب الذي يدفع ثمن حريته لابد يومًا ما أن يكون حارسًا لها.

“لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا “(1) الطلاق

“وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ” (21) يوسف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى