حقوق وحريات

إضاءات سياسية (31)

هيثم المالح

عرض مقالات الكاتب

هل ينبغي تغيير الدستور 

02/07/2005

لا مشاحة في أن نفراً من العسكريين بخلفيات بعثية وناصرية قد قاموا بانقلاب عسكري لاستيلاء على السلطة وذلك في الثامن من آذار/مارس 1963 ، ثم أعقب ذلك صراع بين جناحي الانقلابين في تموز/يوليو 1963 مكن البعثيين من الانفراد بالسلطة ، وكانت السلطة الحاكمة قد استفتحت عهدها بدءاً من عام 1963 بإصدار قانون العزل المدني ، وهو قانون إقصائي بكل معنى الكلمة ، وبموجبه اعتبر كل من شمله مسرحاً من وظيفته ، وطال هذا القانون أساتذة جامعيين وأحد القضاة بسبب حكمه على عسكري بالإعدام ، فيما سمي فتنة حلب .

كما استصدرت السلطة الحاكمة المرسوم رقم (6) المتعلق بمناهضة أهداف الثورة ، ثم المرسوم (14) الذي أسس لجهاز المخابرات العامة أمن الدولة ونصت مادته السادسة عشرة على اعتبار أن الجرائم التي يرتكبها العاملون في هذا الجهاز لا تخضع للمساءلة إلا بموافقة الرئيس .

وكان العهد الانقلابي قد استفتح بإعلان حالة الطوارئ متجاوزاً أصول إعلانها وذلك في أول يوم للانقلاب الذي سمي “ثورة” .

هذه الحالة أرخت بظلالها على المجتمع وأدخلت الخوف والرهبة في صفوفه بصورة أضحت الخطر بالاتجاه المعاكس تخضع لحسابات كثيرة .

وفي ظل هذه الحالة الاستبدادية تم قمع كل حركة مناوئة للنظام بدءاً من إضرابات حلب مروراً بحماة 1964 ودمشق 1965 ، وانكفأ الناس عن التفكير بالمشاركة في الشأن العام .

ثم جاءت ما يسمى الحركة التصحيحية التي قادها الرئيس حافظ الأسد وظن بعض الحزبيين أو الأحزاب أن الفرصة قد حانت فانخرطوا باللعبة السياسية القائمة على أساس مصلحي .

وفي عام 1973 صدر الدستور السوري الذي لا زال معمولا ًبه حتى الآن .

معلوم أن الطابع الغالب لصياغة الدساتير أن تتم عبر مجلس تأسيسي يتواضع عليه الشعب ، إلا أن هذا المجلس لم يوجد وبالتالي فقد صدر الدستور عن مجلس الشعب كما يؤشر إلى ذلك المرسوم رقم (206) الصادر عن رئيس الجمهورية بتاريخ 13/03/1973 ، وبالتالي فهذا الدستور :

1- صيغ من قبل مجلس الشعب لا من قبل مجلس تأسيسي .

2- معلوم أن مجالس الشعب في سورية لا تنتخب انتخاباً ديمقراطياً ، وكثيراً ما يجري إلغاء انتخاب بعض الأعضاء ولكن لا يؤبه لذلك ، ويجري تثبيت الأعضاء الذين يلغى ترشيحهم من قبل المحكمة الدستورية وبالتالي فإن دستوراً يصدر عن مجلس كهذا لا يمثل إرادة الشعب .

3- باعتبار أن المرسوم لم تجر مناقشته من قبل جمعية تأسيسية فقد عرض على الاستفتاء العام ، ونحن نعلم ما يعني الاستفتاء العام في سورية وكيف يجري تزويره ، ومع ذلك فالاستفتاء لا يعتبر ديمقراطية في هذه الناحية لأن :

أ‌- الشعب كان واقعاً تحت تأثير إرهاب الدولة نتيجة سلسلة القوانين والأحكام العرفية التي قدمنا لها .

ب‌- نتيجة قمع المعارضة بصورة وحشية مما دفع الناس للاستسلام للنظام .

ت‌- قمع أية محاولة لنقد الدستور ، وأضرب مثالاً على ذلك اعتقال القاضي الشرعي السابق المرحوم محمد الشماع لانتقاده للدستور .

من ذلك نجد أن هذا الدستور لا يمثل إرادة الأمة ولم يجر مناقشته بصورة تكشف عيوبه ولم يكن مسموحاً على المستوى الشعبي تناوله بصورة من الصور وإقراره بالاستفتاء الضعيف كان تحصيل حاصل أمام هذه الصورة التي رسمتها سابقاً . ماذا ينبغي لنا أن نفعل ؟ .

في الواقع إن الدستور السوري المعمول به حالياً من الناحية النظرية تكتنفه عيوب كثيرة :

1- لو رجعنا إلى مقدمة الدستور نراها تحكي أموراً لا يؤمن بها حتى البعثيون ، فقد قررت المقدمة أن الحركة التصحيحية جاءت نتيجة مسيرة نضال الحزب إلا أن الواقع اليقيني هو الذي يدحض هذه الناحية ، فكثير من الحزبيين لم يؤيدوا الحركة التصحيحية وإقصاء قادة بعثيين ، ومع ذلك فالدستور يقول بغير ذلك .

2- إن الدستور قرر أن الحركة التصحيحية نتيجة نضالية للحزب وتلبية لمطالب الشعب ، وبهذه العبارات تم تكريس الحكم العسكري الاستبدادي وحكم الفرد المطلق لأن ما قام به هو الإلهام بعينه .

3- إن الدستور ركز سائر السلطات بيد رئيس الجمهورية .

4- إن الدستور ألزم التنظيمات الجماهيرية بالعمل لتحقيق بناء المجتمع الاشتراكي وحماية نظامه (م249) أي أنه لا خيار أمام التنظيمات سوى أن تسير برأي السلطة الحاكمة .

5- اشترط الدستور أن يكون نصف أعضاء المجلس من العمال والفلاحين وبالتالي مهد الدستور للنظام الاستبدادي الإقصائي . 

6- حطت المادة /91/ المساءلة عن رئيس الجمهورية إلا في حالة الخيانة العظمى .

7- نظم الدستور مواد لإنشاء المحكمة الدستورية ولكنه فرغها من محتواها ، وحتى في الطعون الانتخابية ليس للمحكمة الدستورية صلاحيات سوى تنظيم تقرير بذلك يحال إلى مجلس الشعب (م 144) من الدستور وأما فحص دستورية القوانين فلا تحال إليها إلا إذا … مشروع القانون من قبل رئيس الجمهورية أو ربع أعضاء مجلس الشعب وهو ما لم يجر طيلة فترة حكم النظام منذ عام 1963 وحتى الآن .

مما تقدم تتضح لنا :

1- أن الدستور وضع من هيئة غير شرعية .

2- أن الدستور وضع في ظروف لا يتمتع فيها المواطن بحريته في قول رأيه .

3- أن هذا الدستور وضع في ظل حالة الطوارئ والقوانين سيئة الذكر .

ولذلك فلا مندوجة لنا من تغييره عن طريق انتخاب مجلس تأسيسي في ظل حالة الحرية .

تعليق على خبر من جريدة الحياة 14/06/2005 :

حول استعانة سورية بخبراء دوليين للحد من التعصب

30/07/2005

نشرت جريدة الحياة خبراً مفاده أن الحكومة السورية وقعت اتفاقاً مع “البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة” يهدف إلى تحويل “رجال الدين والمؤسسات الدينية إلى اتجاه تنموي يحد من التعصب” وقد نقلت المرصد هذا الخبر على صفحتها الخامسة من العدد (28)  وللتعليق على هذا الخبر أبين بعض الملاحظات :

ما هو معروف أن نظام إنشاء الأمم المتحدة وصفها بأنها منظمة غير دينية ، بمعنى أنها منظمة علمانية لا تتدخل في الأديان ، وما هو مستغرب حقاً أن تبرم وزارة الأوقاف اتفاقاً من النوع الذي أشارت إليه جريدة الحياة في عددها آنف الذكر ، وما هو مستغرب أيضاً أن الحكومة سبق ورفضت التوقيع على اتفاق من هذا القبيل .

إلا أن اللافت هو الطريقة التي عرضت فيها الحياة هذا الموضوع متزامناً مع ما زعم من “تفكيك خلية إرهابية” ثم سردها لأعداد المساجد ومعاهد تحفيظ القرآن الكريم وتدريس علوم الدين .

فهل لبست الأمم المتحدة جبتنا وأتت مهرولة لتعلمنا كيف ندرس الدين أو نحفظ القرآن الكريم ، وهل علماء الشريعة لدينا بحاجة للتأهيل حتى يتمكنوا من تدريس الشريعة الإسلامية على الطريقة الأممية ؟ .

وهل لكيفية عرض الخبر في جريدة الحياة علاقة بما يجري الترويج له من حرب على الإسلام والمسلمين والذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية الآن تحت غطاء الأمم المتحدة ؟ .

ثم نريد أن نسأل هل لدينا شيء اسمه المؤسسة الدينية ، ومن الذي يمثلها ؟ فإذا كان المقصود هو المساجد بالتحديد وما يدرس فيها من الشريعة الإسلامية وفقهها وليس الكنائس وما يتفرع عنها ! فنحب أن نتساءل : هل المساجد ودور العبادة هي مؤسسة ؟ فلئن كانت دور العبادة بإشراف دائرة الأوقاف ، إلا أن هذه الإدارة إنما ينحصر عملها في تعيين الخطباء والأئمة والمشرفين فقط ولا يتعداه إلى طريقة التدريس ولا المنهج الذي يمارس فيه هذه التدريس ، وإن منصب وزير الأوقاف إنما هو منصب سياسي ولا يعتبر ممثلاً للمؤسسة الدينية المزعومة .

إن خبر الحياة قد دفعني إلى استذكار الماضي القريب حين كان المسجد الأموي يعج بحلقات الفقه والدراسات الإسلامية دون التدخل في شؤون المدرسيين ، وما يشترط فيهم فقط أن يكونوا في مستوى علمي معين ، ولقد تخرج من الأموي رجال علم فضلاء يتمتعون بعقل نير وحس سليم نشروا الفضيلة والنور ، ولم يتخرج منه إرهابيون ، وأما المار اليوم في الأموي فكأنما يلمس اتجاهاً لتحويله ليكون معلماً أثرياً لا جامعة تشع العلم والنور .

وأخيراً أود أن أتساءل كيف يتحول علماء الشريعة والدين “وليس رجال الدين” إلى رجال تنمية في ثوب أمم متحدة يتمترس خلفها أخطبوط أمريكي بشع ؟ .

إن لدى علمائنا وفقهائنا من الخبرة العالية في تدريس الدين بعيداً عن أية جهة وصائية تأتينا عن طريق الأمم المتحدة أو سواها لتعلمنا كيف ندرس أو ندرٍّس الدين وعلومه .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى