مقالات

“قيصر” يطارد رئيس الهلال الأحمر السوري

ياسر الحسيني

كاتب وإعلامي سوري
عرض مقالات الكاتب

ربما معرفتي الشخصية به جعلتني أجزم بأنّ  وزارة الخزانة الأمريكية لن تترك أحداً يفلت من العقوبات ممن ساندوا النظام في حربه الوحشية على الشعب السوري ، إذ صدرت القائمة الثانية من وزارة الخزانة في 21/06/20 لتشمل (39) شخصاً من رجال الأعمال السوريين بعد أربعة أيام فقط من إعلان القائمة الأولى مع بدء تنفيذ القانون في 17/06 والتي شملت رأس النظام وزوجته أسماء الأخرس.

كان من بين الأسماء المذكورة في القائمة الثانية المهندس خالد حبوباتي رئيس مجلس إدارة منظمة الهلال الأحمر السوري ولم أستغرب ورود اسمه رغم أنّه ظلّ بعيداً عن الأضواء لغاية 2016 حين تم تعيينه رئيساً للهلال الأحمر السوري .

 خالد حبوباتي هو ابن أحمد توفيق حبوباتي صاحب مطعم (نادي الشرق) المعروف لدى الطبقة المخملية بدمشق والتي كان معظمها من المقربين من الرؤوس المتنفذة في النظام، وكان الابن صديقاً مقرّباً من باسل الأسد هو وعدد محدود من الأصدقاء “شلة” أيام الجامعة في الثمانينات وكان ابن عمّتي واحداً من تلك الشلة.

في تلك الفترة كانت تعيش سوريا صراعاً شرساً دموياً بين النظام و” جماعة الأخوان المسلمين” لاقت مدينة حماه مالاقته كلّ المدن السورية من دمار ومجازر وحشية طوال سنوات الثورة، مع فارق أن حماه ذبحت بعيداً عن الإعلام ولم يرشح عنها سوى بعض القصص التي كنت أسمعها في الجلسات المغلقة ورغم ذلك كنّا نتداولها همساً.

أبطال مجازر حماه كانوا يجتمعون في نادي الشرق بشكل شبه يومي ، يحتسون الويسكي ويعقدون الصفقات على طاولة القمار التي كان يديرها الحبوباتي الأب لأمراء الحرب آنذاك ” رفعت الأسد قائد سرايا الدفاع ـ علي حيدر قائد الوحدات الخاصة ـ شفيق فياض قائد الفرقة الثالثة ـ علي دوبا رئيس شعبة المخابرات العسكرية” وكان يلتحق بهم أحياناً نائب رئيس الاتحاد العام للفلاحين توفيق العلو، ثم تنتهي جلستهم عند الثالثة ظهراً تقريباً حينما تجهز وجبات الغداء (مناسف كبيرة)  تسبقهم إلى سيارات المرافقة وهي مغطّاة بورق القصدير ويخرج من أطرافها البخار محمّلاً برائحة اللحم المشوي التي تملأ البهو الخارجي للنادي، لتصل ساخنة إلى بيوتهم.

كنت أسمع بعض قصصهم من صديقي الذي كان يعمل محاسباً في النادي في تلك الفترة، وهي كثيرة لا داعي للتطرّق إليها الآن، صدف أن زرته يوماً وحين وصلت النادي وجدت رتلاً من السيارات متوقفة وسط الطريق وتتقدّمهم سيّارة إسعاف، فيما وقف جمهرة من العاملين على الرصيف فاقتربت من صديقي الذي أخبرني بأنّ ( المعلم) مات. وبعد ساعة تقريباً تحرّك الموكب ببطء و صوت المقرء يخرج من مكبرات الصوت لسيارة الإسعاف وهو يتلو بعض آيات من القرآن الكريم ، ثم يتوقف ليقول :” ترحموا على الحاج أحمد توفيق حبوباتي”، فهمست باذن صديقي مستغرباً:” صاحب مقمرة وحاج؟!”.

في الفترة التي كانت ترزح فيها البلاد تحت وطأة ” الحصار المزيف” في الثمانينات ، كانت أغلب السلع الأساسية يتم بيعها على البطاقة التموينية، واختفت الكماليات من الأسواق ، يومها كان خالد حبوباتي يمتلك سيارة بورش فاخرة ولكنّها موضوعة في الكراج الملحق بالنادي وممنوع عليه استخدامها بأمر والده، وفي إحدى الأمسيات وبعد إلحاح من أصدقائه “الشلة” بأن يأخذهم بها ليجوبوا فيها شوارع أبو رمانة والمالكي ، وبعد أن نفذ رغبتهم أعاد السيارة إلى مكانها .. ولكن ليلتها ( كما رواها خالد للشلة) :” جاء هاتف من القصر الجمهوري لوالده وكان على الطرف الآخر محمد ديب دعبول مدير مكتب الرئيس، وأخبره عن التصرف غير المقبول من إبنه خالد وذكّره بأن الرئيس لا يريد لهذه المظاهر البرجوازية أن تخرج للعلن والبلاد تمرّ بحالة من الحصار”.

بعد أن تخرجت من الجامعة انقطعت أخباره ونسيته تماماً في خضم مشاغل الحياة ، وعاد اسمه ثانية في 2009 عندما اشتكى مشايخ الشام من وجود ” كازينو للقمار” بالقرب من فندق مطار دمشق الدولي لصاحبه خالد حبوباتي، وهو على غرار كازينو لبنان، ولكن شيئاً لم يحدث رغم وصول الشكوى لبشار عن طريق الشيخ ( البوطي) ، وبعد عدة أسابيع قرأت ردّ الحكومة في جريدة تشرين الذي جاء مختصراً:” بخصوص الشكوى المقدمة لرئاسة مجلس الوزراء ضدّ السيد (خ،ح) المتعلقة بافتتاح كازينو على طريق المطار ، فقد تبين أن السيد (خ،ح) لم يحصل على الترخيص اللازم من المجلس وهو يعمل على مسؤوليته الشخصية”.

لقد كان الأمر مستفزّاً جداً لعموم أهل الشام، ولكن النظام لم يكن ليكترث لذلك، فلقد كانت المافيات هي التي تدير شؤون البلاد وليس الحكومة ، ثم اندلعت الثورة واختفى اسم خالد وراء شركات عديدة كان يديرها منها ( شركة نادي المحيط) و (شركة الرخاء للتجار) و( شركة ميرا للإستثمار السياحي) وغيرها من الشركات، ثمّ عاد وظهر من جديد عام 2016 حين أصدر رئيس الحكومة يومها عماد خميس قراراً بتعيينه رئيساً للهلال الأحمر السوري بدلاً من عبد الرحمن العطار الذي قدم استقالته نتيجة ضغوط من النظام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى