مقالات

قيس سعيّد وخيبة الأمل

نعيم مصطفى

مدير التحرير
عرض مقالات الكاتب

لا أحد يمكنه أن ينكر أن تونس الخضراء كانت أيقونة الثورات والربيع العربي، وللأسف لم يُقيض لأي دولة حتى الآن ممن حاكت شقيقتها تونس وسارت على نهجها في إسقاط طاغيتها، لم يقيض لها النجاح، وإنما تكالبت عليها ضباع وذئاب وكلاب الأرض من كل حدب وصوب لإسقاطها ودفنها ولكن إرادة الشعوب في النهاية ستنتصر مهما طال الزمن.

الدولة الوحيدة التي نجحت ثورتها وتوجت بدستور ديمقراطي على غرار الدول الأوربية المتقدمة، والمتحضرة هي تونس، وأعتقد أن سبب غض الطرف وعدم عرقلة مسيرة هذا البلد هي بعده الجغرافي عن إسرائيل، وعدم وجود النفط فيه وأموراً أخرى لا مجال لذكرها.

أما شقيقاتها اللاتي تحولت ثوراتهم إلى أنهار من الدماء (سورية – ليبيا – اليمن – مصر) فظروفهم تختلف كثيرًا عن تونس لذلك حيكت المؤامرات من أجل إسقاط ثوراتهم.

لو وقفنا عند تونس منذ أن اقتلع شعبها الديكتاتور وطردوه، لوجدنا أنها تسير بالاتجاه الصحيح وإن كانت مسيرتها لا زالت محفوفة بالأشواك، ولكن تعاقب عليها ثلاثة رؤساء بظرف تسع سنوات وهذا بحد ذاته إنجاز كبير.

هناك أمراء ورؤساء زرعهم أعداء العرب وأعداء الإسلام، وهم نبتة غريبة عن أرضنا وإن كانوا يعيشون في وسطنا، يسعون ليل نهار لتنفيذ مخططات الغرب المتمثلة بقمع الشعوب واضطهادها، ومحاربة واعتقال علمائها ومفكريها، وإبقاء الدولة  في مستنقع التخلف، حتى تبقى إسرائيل في راحة وطمأنينة، وحتى يسهل للغرب أن يستولي على ثرواتها النفطية والباطنية…

وبالعودة إلى تونس وإلى رئيسها الحالي الذي نجح بجدارة وعبر صناديق الاقتراع، وقد توسم الشعب التونسي والشعوب العربية كافة فيه خيرًا؛ لأنه خرج من رحم الثورة، وكان شعاره يتناغم مع أهداف الثورة وتطلعات الشعب ( الشعب يريد) وقد راحت الأنظار تتعقب حركاته وسكناته منذ أن أُعلن فوزه، وتترقب ماذا سيفعل، وكيف سيفعّل شعاره الذي أطلقه في حملته الانتخابية، ولكن ما لبثت هذه الآمال والتطلعات أن بدأت تتبخر، وبدأ يشعر المواطن الذي انتخبه أنه قد أخطأ وجانب الصواب، ولم يقتصر هذا على المواطن التونسي فحسب، وإنما تعداه إلى المواطن العربي الذي يشاطر التونسيين في آلامهم وآمالهم.

فعلى الصعيد الداخلي اصطدم مع البرلمان ورئيسه المنتخب، وقد تبين أن هذا الصدام له علاقة بأيدي خفية تبغض الثورات الديمقراطية، وتنفق أموالها ووقتها في سبيل هذا الهدف ( وهذا معروف لدى الجميع الإمارات وعيال زايد) وأنهم زرعوا في البرلمان حزب بقيادة المحامية عبير موسي (رئيسة حزب الدستور الحر) التي راحت تزبد وترغي وتصول وتجول في البرلمان من أجل إعادة الدولة العميقة إلى الواجهة.

وانشغل الرئيس أيضًا بتغيير النظام والدستور، بدل من انشغاله بحلول مشاكل الناس الكبرى، وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية.

وعلى الصعيد الخارجي قام بزيارة إلى فرنسا، ولم تكن مرضية إطلاقًا لا لمؤيديه ولا لمعارضيه.

فقد وقف مهزوزًا – وهو الذي يحمل شهادة الدكتوراه بالقانون ويتقن الفرنسية – أمام ماكرون قائلًا له وكأنه تلميذ بين يديه أنا أقرأ كتبك وأقرأ الكتب التي تقرأها، وكأنه أمام سقراط أو أرسطو أو أفلاطون… مع أن ماكرون عليه إشارات استفهام كثيرة، فهو صغير السن وثقافته ضحلة، ولطالما بوأه مكانته الحقيقية أوردغان بنعته له بذي العقل الصغير، ولم يكتف بذلك (سعيد) وإنما أطلق تصريح من منصة اللقاء الصحفي الذي جمعه مع ماكرون، قائلاً إن حكومة الوفاق هي شرعية مؤقتة ولن تدوم، وهذا الموقف يتقاطع مع موقف ماكرون، ضاربًا بعرض الحائط الديمقراطية التي أنجبت حكومة الوفاق  كما أنه سبق له أن صرح عن علاقته بالنظام السوري بتصريح باهت ينمّ عن أنه رجل لا يحترم صناديق الاقتراع التي أتت به، وقد خيّب آمال الشعوب العربية التي تنتظر منه أن يصدّر لها ثورة الياسمين التونسية، لا أن يدعم الانقلابيين والطغاة والديكتاتوريين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى