مقالات

النصر المرتقب بين افتقاد العوامل والأسباب، والغفلة عن المبشرات

أ. د. عبد المجيد الحميدي الويس

سياسي وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

عوامل القوة, ومقومات النهوض والانبعاث في الأمة:

       جدير بنا ونحن نرى ما عليه العالم العربي والإسلامي([1]) من وهن وضعف، وذلة وهوان ، وتخلف وانكسار، وفرقة وتجزئة وشتات، وانعدام الرؤية الصائبة أن يتساءل الواحد منا عن نصيب الأمة الإسلامية (والعرب في قلبها) من عوامل القوة ومقومات النهضة والانطلاق، من أجل أن تستعيد الأمة سالف مجدها وعزتها، ورسالتها التاريخية الكبرى، وفي نظرنا أن هذا التساؤل لا يحتاج لكبير عناء للإجابة عليه.

         لقد كتب الكثيرون حول هذا الأمر, سواء كان ذلك من أبناء الأمة أنفسهم والغيورين على مستقبلها، من أجل التبصر بمكامن القوة وأسباب النهضة والانطلاق والانعتاق مما نحن فيه من تردٍ وتخلف وانحطاط.

          أم كان ذلك من أبناء الفريق الآخر الذين ينظرون إلى الإسلام على أنه الخطر القادم على الغرب، والعدو المتربص بالحضارة الغربية،  ومن ثم فهم يبرزون لأبناء جلدتهم ما تمتلكه الأمة من إمكانات الانطلاق والانبعاث الحضاري, في صيحة تحذير مما يمكن أن يكون قادما, ومهددا لمصالح الغرب ولوجوده.

          ومن بين هؤلاء نجد كتابا للمستشرق الألماني: ( باول شمتز ) صدر في عام 1939م (أي منذ أكثر من ستين عاما)، بعنوان “الإسلام قوة الغد العالمية” ([2])، وينصب اهتمام الكاتب – في كتابه – على تحليل أسباب قوة المسلمين، ودعوة الغرب الى الحذر منها، واعتماد التخطيط الاستراتيجي لضمان تفوق الامبراطوريات المسيحية على الاسلام.

         واستنادا إلى ما جاء في هذا الكتاب وغيره من الدراسات التي تعرضت لذات الموضوع, يمكن لنا أن نذكر بإيجاز بعض مقومات القوة المتنامية في العالم الإسلامي.

رصيد القوة الثقافية والروحية:

  • يتمثل في قوة الإسلام كدين، وما يملكه من منظومة قيمية فذة؛ غير مسبوقة، وقدرته الهائلة على المؤاخاة بين مختلفي الجنس واللون والثقافة, فلقد جمع الإسلام بين المسلمين على اختلاف عناصرهم وأجناسهم وبيئاتهم ولغاتهم، وألوانهم وأوطانهم وشعوبهم، ووضع عناصر للوحدة العربية والإسلامية تقوم على أسس واضحة, وقواعد شامخة, لا يتسرب إليها الضعف, ولا يدب إليها داء الشيخوخة والوهن، ولا يسرع إليها التآكل والانحلال، لأنها رابطة تقوم على أساس العقيدة الإسلامية, التي هي أساس الدين الإسلامي, وجوهره ومحوره، الذي هو فطرة الله التي فطر الناس عليها.

        وإلى تلك الرابطة العضوية الوثيقة, يشير القرآن الكريم في قول الله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}الأنبياء92، وكذا قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }آل عمران 103.

       كما أشار الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى ذلك البناء الصلب بقوله:  (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) البخاري.

   وهكذا تحظى الأمة الإسلامية بمميزات مهمة, تميزها عن غيرها من الأمم, وروابط قوية تجمعها وتوحدها، وحَّدتها في الماضي، وما زالت قادرة على توحيدها, والنهوض بها في الحاضر, إن هي تمسكت بها وسارت على أساسها, ومن أهمها:

        وحدة العقيدة، واللغة والأرض، والتاريخ المشترك، والعادات والتقاليد والأعراف المنبثقة من الإسلام كدين وعقيدة، والثقافة الإسلامية العامة، والآمال والآلام المشتركة.

رصيد القوة الاقتصادية:

  • يتمثل في وفرة مصادر الثروة الطبيعية لدى العالم الاسلامي، مما يجعل المسلمين في غير حاجة إلى أوروبا, ولا إلى غيرها, إذا ما تقاربوا واتحدوا وتعاونوا.

       فهم (المسلمون) يقبعون على ربع مساحة العالم الجغرافية تقريبا، ومعظمها من أخصب الأراضي, وأجودها إنتاجاً, وأكثرها تنوعا، ويسيطرون على أهم الممرات المائية والاستراتيجية في العالم، ويمتلكون أكثر من نصف إنتاج الطاقة ومخزونها:

        (حيث يمثل انتاج البترول في العالم الإسلامي حوالي: (60%) من الإنتاج العالمي، ولديهم ما يقرب من (80%) من احتياطي العالم).

رصيد القوة الاستراتيجية:

  • يتمثل في الموقع الجغرافي الاستراتيجي للعالم الإسلامي، وما له من أهمية كبرى من النواحي السياسية, والعسكرية, والاقتصادية، ويطل العالم الإسلامي على أهم البحار والمحيطات والمضائق البحرية، وتقدر حدوده البحرية بحوالي 102،347 كم، كما تحتضن أراضيه مدخلي المحيط الهندي (مضيق ملقا في الشرق بين ملاوي وسومطره، ومضيق باب المندب في اليمن)، ومدخلي البحر المتوسط (قناة السويس في مصر، ومضيق جبل طارق في المغرب، ومضيق هرمز على الخليج العربي)، ولعل من نافلة القول التأكيد على أن الموقع الجغرافي الاستراتيجي لا قيمة له في حد ذاته إذا لم يُستفد منه أمنياً وسياسياً واقتصاديا.

رصيد القوة الديموغرافية:

  • تتمثل في معدلات الخصوبة العالية في النسل البشري, مما جعل قوتهم العددية في تزايد وتنامٍ مستمر، فهم اليوم يشكلون ما يقرب من ربع سكان العالم ([3])، وفي هذا الصدد يستنفر (باول شمتز) الرأي العام الأوروبي والأمريكي ضد المد البشري في العالم الإسلامي قائلا :

   ” تشير ظاهرة النمو السكاني في أقطار الشرق الإسلامي إلى احتمال وقوع هزة عنيفة في ميزان القوى بين الشرق والغرب، فقد دلت الدراسات على أن لدى سكان هذه المنطقة خصوبة بشرية تفوق نسبتها ما لدى الشعوب الغربية، وسوف تتمكن الزيادة في الإنتاج البشري للشرق الإسلامي من نقل السلطة في مدة لا تتجاوز بضعة عقود، وسوف ينجح في ذلك نجاحا لا نرى من أبعاده اليوم إلا النزر اليسير، فمصر وحدها لديها أعلى نسبة مواليد بين كل شعوب العالم الإسلامي … بينما يعكف الباحثون في أوروبا على دراسة الظواهر التي تشير إلى الانخفاض المستمر في عدد السكان، ويحاولون تبديد التشاؤم الذي سببته نتائج دراسة إحصائيات تعداد السكان في الغرب…”

       ويتعجب (أحمد القديدي) مما حدث حين يعلق على هذا الاستنتاج قائلا: “غريب أن ينظر لنا الغربيون هذه النظرة، وأن يقومونا بهذا المعيار, في حين ما يزال جرح سقوط الدولة العثمانية طازجا وداميا, (وهو يشير هنا إلى الوقت الذي صدر فيه الكتاب 1939م، أي بعد أقل من عقدين ونصف من تاريخ سقوط دولة الخلافة الإسلامية).

         في حين ما تزال الهجمة الأوروبية الاستخرابية في عزها، وجل شعوب المسلمين ترزح تحت نير الاحتلال العسكري والسياسي والإداري والثقافي، غريب أن تكون لنا منذ (أكثر ) من ستين عاماً كل تلك المؤهلات للقوة والمناعة والانتصار، وأن يقع إجهاض ذلك المشروع الحضاري حتى يقع تأجيله بإرادة من الله تبارك وتعالى, إلى هذا الجيل الذي نشأ مع نهاية القرن العشرين, وطلائع القرن الحادي والعشرين”([4]).

       وبعد فكل هذه المقومات وغيرها – كما يقرر باول شمتز في كتابه المشار إليه آنفا – تؤثر تأثيراً بالغاً في جعل الإسلام قوة الغد العالمية، وسوف تسهم في المستقبل القريب، في تحول القيادة العالمية إلى الإسلام.

     وفي السياق نفسه، تأتي كلمات أحد مسؤولي وزارة الخارجية الفرنسية عام 1952م, حيث يقول – وهو يشخص حالة العالم الاسلامي, ويحذر من صحوته- : (العالم الإسلامي عملاق مقيد، لم يكتشف نفسه حتى الآن اكتشافا تاما، وهو حائر قلق، ضائق بتخلفه وانحطاطه، وإن كان يعاني من الكسل والفوضى، غير أنه راغب في مستقبل أحسن, وحرية أوفر،  وعلينا أن نبذل كل جهودنا حتى لا ينهض ويحقق أمانيه! ذلك إن فشلنا في تعويق نهضته, يعرضنا لأخطار جسيمة، ويجعل مستقبلنا في مهب الريح.

       إن صحوة العالم العربي, وما يتبعه من قوى إسلامية كبيرة, نذير بكارثة للغرب، ونهاية لوظيفته الحقيقة في قيادة العالم).

       نعم فلقد وهب الله تعالى العالم الاسلامي – بشهادة الخصوم أنفسهم كما رأينا – كل عناصر وأسس ومقومات وعوامل التقدم والنهوض والانبعاث الحضاري، سواء من ناحية الموقع الجغرافي: (حيث يقع في ملتقى ثلاث قارات)، أو من ناحية الوزن الاقتصادي: (الثروات الطبيعية)، والوزن اليموجرافي، والوزن الاستراتيجي، والوزن الثقافي ……الخ.

       وعلى الرغم من كل ذلك، فإن الغالبية العظمى من المجتمعات الإسلامية, تنتمي إلى ما يعرف “بمجتمعات العالم النامي أوالمتخلف”، حيث ” يعيش 37% مـن سكان العالم الإسلامي تحـت مستـوى خط الفقـر، أي ما يعادل (504) ملايين شخص تقريباً، وتبلغ نسبتهم إلى فقـراء العالم 39%”، أما عن معدلات التنمية في العالم الإسلامي, فإن الأمم المتحدة تصنف سنوياً دول العالم في ثلاثة مستويات تنموية وفقاً لمجموعة كبيرة من المؤشرات، وتتراوح قيمة التصنيف بين (1 وصفر)، وتقع 31 دولة إسلامية في مجموعة مستوى التنمية المتوسط (0،5ـ 0،8)، فيما تقع 20 دولة في مجموعة مستوى التنمية المنخفض (أقل من 0،5)، وتتمتع خمس دول فقط بمستوى مرتفع وهي: – بروناي (0،889) – البحرين (0،872) – الإمارات (0،855) – الكويت (0،848) – قطر (0،840).

      وتجدر الإشارة إلى أن كافة تلك المقومات والإمكانات مهما كانت عظمتها ومهما كان ثراؤها، لا تصنع تقدما ولا تبني نهضة ولا تؤسس لحضارة بمجرد امتلاكها ووجودها فحسب، دون أن تتوافر الإرادة الإنسانية الصلبة، والتفكير الخلاق، والتخطيط المحكم، والتدبير السديد والعمل الجاد والدؤوب والمتقن، والإدارة السليمة، والتعاون المثمر، والشعور بالمسؤولية، ووحدة الصف والكلمة…. إلى غير ذلك من مستلزمات الفعل الحضاري، تماما كالسلاح والعتاد العسكري في ساحات النزال، لا يقاتل بنفسه، إنما يقاتل بيد حامله، ويد حامله إنما يحركها إيمان بهدف، وإيمان برسالة، وإرادة قوية، وعزم على تحقيق النصر أكيد.

وما أصدق ما قاله أبو الطيب المتنبي:

وما تنفع الخيل الكرام ولا القنا … إذا لم يكن فوق الكرام كرام!

وقول الطغرائي في لاميته:

وعادة السيف أن يزهو بجوهره … وليس يعمل إلا في يدي بطل!

نعم, فماذا عساها أن تجدي خيل, بغير خيال، وما يجدي فرس, بغير فارس، وسيف صارم, بغير بطل؟! لا شيء سوى الوهم والسراب .


[1]ـ – نعني بالعالم الإسلامي هنا ذلك العالم الذي يمتد من خط طول 18 ْ غربا إلى 140 ْ شرقا، ومن دائرة عرض 10 ْ جنوب خط الاستواء إلى  55 ْ شمالا. وتبلغ مساحته حوالي 32 مليون كم2 أي ما يقارب ربع مساحة اليابسة البالغة حوالي 149 مليون كم2، وتحيط به حدود برية تقدر بحوالي 168،760 كم.

هذا وتتوزع دول العالم الإسلامي على أربع قارات، إلا أنها تتركز أساسا في قارتي أفريقيا وآسيا، حيث يوجد في الأولى 26 دولة هي: أوغندا، وبنين، وبوركينا فاسو، وتشاد، وتونس، والجزائر، وجزر القمر، وجيبوتي، والسنغال، والسودان، وسيراليون، والصومال، والطوغو، والغابون، وغامبيا، وغينيا، وغينيا بيساو، والكاميرون، وليبيا، ومالي، ومصر، والمغرب، وموريتانيا، وموزمبيق، والنيجر، ونيجيريا. وفي الثانية 27 دولة هي: أذربيجان، والأردن، وأوزبكستان، أفغانستان، والإمارات العربية المتحدة، وإندونيسيا، وإيران، وباكستان، والبحرين، وبروناي، وبنغلاديش، وتركيا، وتركمانستان، والسعودية، وسوريا، وطاجكستان، والعراق، وعمان، وفلسطين، وقرغيزستان، وقطر، وكزاخستان، والكويت، ولبنان، والمالديف، وماليزيا، واليمن. إضافة إلى وجود دولتين في أمريكا الجنوبية هما: سورينام وغويانا، وواحدة فقط في أوروبا هي ألبانيا ، هذا والجدير بالذكر أن العالم الإسلامي يكاد يكون متصلا  دونما حواجز أوفواصل بين قارات العالم القديم (آسيا وأفريقيا وأوربا) من أيريان الغربية شرقا في إندونيسيا إلى جزر الرأس الأخضر مقابل السنغال في المحيط الأطلسي غربا، ومن جبال الآرال وسبيريا شمالا إلى موزمبيق جنوبا

( المصدر : www.aljazeera.net/in-depth/oic/2000/11/11-30-3.htm – 104k -)

[2]ـ ترجم هذا الكتاب إلى العربية الدكتور محمد شامة ، وصدرت الطبعة الأولى للترجمة عن مكتبة وهبة بالقاهرة عام 1974م

[3]ـ تشير الدراسات والاحصاءات إلى أن تعداد المسلمين في العالم اليوم يقارب ” المليارين “، أكثر من ثلثيهم يسكنون البلاد الإسلامية، والثلث الباقي (الأقليات) يقيم في دول غير إسلامية، أودول يمكن اعتبارها إسلامية ولكنها لم تنضم بعد إلى منظمة المؤتمر الإسلامي، مثل البوسنة والهرسك، أودول لا تعتبر نفسها إسلامية رغم أن المسلمين يشكلون فيها أغلبية، مثل أريتريا وأثيوبيا. والأرقام الواردة هنا تخص الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، وعددها ست وخمسون دولة.

( المصدر :www.aljazeera.net/in-depth/oic/2000/11/11-30-3.htm – 104k -)

[4]ـ أحمد القديدي: مرجع سبق ذكرة: ص184.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى