دين ودنيا

تأملات قرآنية مع شيخ الإسلام ابن تيمية (5)

الدكتور حسين القحطاني

عرض مقالات الكاتب

قال الله سبحانه وتعالى : (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء • تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون • ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار • يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء) “إبراهيم” . مثل كلمة التوحيد “لا إله إلا الله” كشجرة عظيمة ، وهي النخلة ، أصلها متمكن في الأرض ، وأعلاها مرتفع علوا نحو السماء ، تعطي ثمارها كل وقت بإذن ربها ، وكذلك شجرة الإيمان أصلها ثابت في قلب المؤمن علما واعتقادا ، وفرعها من الأعمال الصالحة والأخلاق المرضية يرفع إلى الله تعالى ، وينال ثوابه في كل وقت . ويضرب الله الأمثال للناس ليتذكروا ويتعظوا فيعتبروا . ومثل كلمة الكفر والشرك كشجرة خبيثة المأكل والمطعم ، وهي شجرة الحنظل ، اقتلعت من أعلى الأرض ؛ لأن عروقها قريبة من سطح الأرض ما لها أصل ثابت ، ولا فرع صاعد ، وكذلك الكافر لا ثبات له ولا خير فيه ، ولا يرفع له عمل صالح إلى الله عز وجل . فالنتيجة : يثبت الله الذين آمنوا بالقول الحق الراسخ في الحياة الدنيا ، وعند مماتهم بالخاتمة الحسنة ، وفي القبر عند سؤال الملكين بهدايتهم إلى الجواب الصحيح ، ويضل الله الظالمين عن الصواب في الدنيا والآخرة ، ويفعل الله ما يشاء من توفيق أهل الإيمان وخذلان أهل الكفر والطغيان . والخلاصة : من أثبت أصول الإيمان في قلبه وصل بفروع عمله الصالح إلى ربه في الدنيا بالحياة الطيبة وفي الآخرة بالفوز العظيم ، ومن ضيع أصول الإيمان في قلبه حرم الوصول إلى ربه في الدنيا بالخزي والعار وفي الآخرة بالعذاب المهين . يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : “الكلمة هي قضية جازمة وعقيدة جامعة ، ونبينا -صلى الله عليه وآله وسلم- أوتي فواتح الكلام وخواتمه وجوامعه ، فبعث بالعلوم الكلية والعلوم الأولية والآخرية على أتم قضية ، فالكلمة الطيبة في قلوب المؤمنين وهي العقيدة الإيمانية التوحيدية كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، فأصل أصول الإيمان ثابت في قلب المؤمن ، كثبات أصل الشجرة الطيبة وفرعها في السماء : (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) “فاطر” ، والله سبحانه مثل الكلمة الطيبة أي كلمة التوحيد بشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء . فبين بذلك أن الكلمة الطيبة لها أصل ثابت في قلب المؤمن ، ولها فرع عال وهي ثابتة في قلب ثابت ، كما قال : (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) ، فالمؤمن عنده يقين وطمأنينة ، والإيمان في قلبه ثابت مستقر ، وهو في نفسه ثابت على الإيمان مستقر لا يتحول عنه ، والكلمة الخبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ، استؤصلت واجتثت كما يقطع الشي يجتث من فوق الأرض ، مالها من قرار : لا مكان تستقر فيه ولا استقرار في المكان ، فإن القرار يراد به مكان الاستقرار ، كما قال تعالى : (وبئس القرار) “إبراهيم” . فالمبطل ليس قوله ثابتا في قلبه ، ولا ثابت فيه ولا يستقر ، كما قال تعالى في المثل الآخر : (فأما الزبد فيذهب جفاءا وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) “الرعد” ، فإنه وإن اعتقده مدة فإنه عند الحقيقة يخونه ، كالذي يشرك بالله ، فعند الحقيقة يضل عنه ما كان يدعو من دون الله ، وكذلك الأفعال الباطلة التي يعتقدها الإنسان عند الحقيقة تخونه ولا تنفعه ، بل هي كالشجرة الخبيثة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ، فمن كان معه كلمة طيبة أصلها ثابت كان له فرع في السماء يوصله إلى الله ، فإنه سبحانه إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ، ومن لم يكن معه أصل ثابت فإنه يحرم الوصول لأنه ضيع الأصول . ولهذا تجد أهل البدع والشبهات لا يصلون إلى غاية محمودة” . (الفرقان بين الحق والباطل)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى