منوعات

الدور التركي بشكل عام (وفي سورية وليبيا على وجه الخصوص)

علي الصالح الظفيري

ناشط سياسي سوري
عرض مقالات الكاتب

تركيا اليوم ، تلك الدولة التي ورثت تاريخ إمبراطورية ربّما كانت الأقوى في العالم ، نامت لعقود ولكن لم تمُت ، وبعدما وصل حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم فيها ، نفض الغبار عن سيفها الذي كاد يصدأ ، وقام بإنجازاتٍ كبيرة بمختلف المجالات ، يعترف بها اليوم العدو قبل الصديق ، وإن تجاوزنا الخوض بمسألة أن التجربة التركية هي دور مُنح لها لغايات مشروطة ، أو أنه استحقاق طبيعي لنضالٍ طويل اقترن بالدهاء السياسي والنزاهة الإدارية ، فتلك الجدلية لن نصل فيها إلى يقين .
المهم أنّ تركيا اليوم رقم صعب في عالم السياسة الدولية المعقدة سواء في محيطها الإقليمي أو العالمي ، فاليوم تجد تركيا في قطر ، الصومال ، سورية ، ليبيا وغيرها علنًا ، ولها في الكثير من الدول دورٌ خفي صار واضحاً للمراقبين .
ولكن الدور التركي الواضح في سورية وليبيا والذي يخضع لمراقبة المتابع العربي وغيره ، والذي صار أمر واقعًا في تلك الدولتين ، وقد بات واضحًا أنّ تركيا تقف إلى صف الشعوب المظلومة في مواجهة الحُكّام الظلمة وأتباعهم ممّا صار يُطلق عليه مصطلح الدولة العميقة ، ولكن الدور التركي يختلف بطبيعته بين دولة وأخرى لعدّة أسباب ، حيث أنّ تركيا تتحرّك في سورية ضمن اتفاقية ” أضنة ” التي وقّعها رئيس النظام السابق تحت التهديد التركي آنذاك ، وهي تسمح لتركيا بالتحرّك على طول الشريط الحدودي السوري التركي وداخل العمق السوري بعمق ثلاثين كيلومتر تقريبًا ، فتدخلها عسكريّاً في سوريا لا يتعدّى حماية أمنها القومي من التهديدات الإرهابية كما تصرح به ، ولا تستطيع أن تتجاهل النظام السوري الذي غدا واجهة فقط وكل من تدخل لدعمه يحتج بأنه مع الأسف مايزال معترف به دوليًا ومُمُثل في المنظمات والمحافل الدولية وهذا عار على مايسمى بالمجتمع الدولي ، بل أن تركيا كلّما تدخلت في الشأن السوري تجد أوّل المعترضين حكومات الدول العربيّة و جامعتهم ، فمن هنا يكون التحرّك حذر ومحدود جداً لأنّه مراقب ومرفوض غربيًّا ، لا سيّما أمريكا وروسيا ، لذا تحاول تركيا في سورية أن تُفِهم الرافضين لتدخلها أنه شر لا بد منه ، وكثيراً ما كانت تعاند الجميع في هذا بأنّها تحارب التنظيمات المصنّفة عالميًّا على أنها إرهابية مثل داعش وتنظيم البي كاكا ، وهنا تُلجم من يحاول وصفها بأنها دولة مُحتلّة لأراضي دولة مجاورة وهذا كان أيضًا يجعلها تقوم بضربات عسكرية جراحية تثير غضب المنتقدين ثم تمتص ردة الفعل الدوليّة ، وبعد تحقيقها النسبة الأكبر من الأهداف تنتقل إلى السياسة وميادينها التي أثبتت أنها تُتقنها بجدارة .
أمّا الوضع في ليبيا فهو على العكس تماماً فهي تقف مع حكومة الوفاق المعترف بها دوليّاً كممثل شرعي لليبيّين ، بل ولم تتدخل بقوّة ملحوظة إلا بعد أن وقّعت معها على اتفاقيات دوليّة ، وهنا كانت مساحة الحركة أفضل بكثير من سورية ، ومع هذا لم تسلم تركيا من لسان حكام العرب وجامعتهم والغرب وروسيا ، لافي سوريا أو في ليبيا .
وهنا علينا أن نسلّط الضوء على عدة مسائل يجهلها أو يتجاهلها أحيانًا من ينتقد الدور التركي بشكلٍ عام وفي سورية و ليبيا بشكلٍ خاص .
فنجد أحيانًا من يشكّك في نوايا التدخل ، وهذا مشروع إن كان تشخيصًا للتدخّل ، وهناك من يطالب بأن تُدَمر تركيا نفسها لأجل أي قضية عربيّة أو إسلاميّة ، كونها وريثة للدولة العثمانيّة ، وهذا أمل منشود ، لكنه بعيد عن الواقع .
وهناك من يجعل التدخل التركي مجرّد دور في مسرحية السياسة العالمية التي لا يعرف أحد من الذي يكتبها ومن يخرجها .
ومن هذا كلّه نستنتج أن السياسية الداخلية والخارجية بكل جوانبها إقتصادية كانت أو عسكرية تخضع لضوابط القوانين الدولية التي غالبًا ما يفرضها الأقوى لخدمة مصالحه ، وأن التفاهمات التي تكون بين الدول بشكلٍ سرّي أو علني تُبنى على فلسفة التوازنات الدولية والمصالح المشتركة لا على العواطف ، فالدور التركي بسلبيّاته يُعتبر الأفضل والأقرب إلى قلوب الجماهير النظيفة التي لم تتلوث فطرتها بالمال أو الإعلام الخبيث .
وهنا ينبغي على الجماهير زيادة الوعي والتمحيص أكثر في ما مضى من أحداث وفي ماهو قادم وربّما يكون القادم أدهى وأمر ، نسأل الله تعالى السلامة .
وهذا لا يتأتى إلا بتوحيد الجهود ونبذ الأنا والتقوقع القومي أو الحزبي و المناطقي ، وهذا كلّه مع الأسف موجود في جسد الثورات العربية التي ساندتها تركيا بما تستطيع ، أو على الأقل تقاطعت مصالحها مع تركيا التاريخ والحاضر والمستقبل .
فتركيا كدولة ليست جمعيّة خيريّة كما يريدها البعض ، بل هي دولة تحاول أن تحجز لها دور بين الكبار وتقدم مصلحتها أولاً ، وهذا طبيعي في منطق أي دولة في العالم ، وهذا خير لها ولنا كدولة مسلمة ستكون لنا حصن ومثالٌ يحتذى به ، وإن نجحت – ونتأمل هذا ونسعى له – فهو قطعًا سيصبُّ في مصلحتها ومصلحة دول الجوار التركي ، بل ودول العالم العربي والإسلامي ككل بإذن الله .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى