مقالات

وفي مطار عربي…

محمد الفضلي

كاتب وأديب سوري
عرض مقالات الكاتب

وصلتُ على متن الطائرة التركية، التي كنت العربي الوحيد فيها.

نزل الركاب الأجانب جميعاً، وأمام كوة الجوازات…ختم لهم الشرطي ختم الدخول مرحباً، ومهللاً، ترافقهم ابتسامته العريضة.

حتى وصل دوري، فقدمت له وثائقي، ووقفت على بعد خطوات، أنتظر..

غابت الابتسامة عن وجهه القبيح فجأةً، وحلّ تقطيب الحواجب، لقد عاد إلى حقيقته التي حاول إخفاءها منذ قليل.

نظر إلي شزرًا، كعربيد ليل يتسول لفافة تبغٍ:

-أأنت سوري.؟!!!!

-نعم يا سيدي.. سوري ولي الشرف والفخر.

-أنتظر هناك جنب الحائط حتى يُنظر بأمرك.

 لقد وجد الشرطي ضالته أخيراً، ليمارس عليّ سادتيه،

ما أسخف الشعور بالقهر والذل، حين تبرز وثائقك الوطنية السورية، وتعتبرها أضعف ما لديك!!

 وهي التي ستعامل بموجبها….

ﻻ فكرك، و ﻻ أخلاقك، و ﻻ خبرتك، و ﻻ ماذا تعرف؟!!

لا يعنيهم هنا الألف وخمسمئة كتاب، التي طالما تبجحت أنك قرأتها، و وعيتها.

لن تعامل كصاحب عقل، وجسم، ورأس، وشعر، وأقدام.

يذهب إلى الحمام حين تمتلئ مثانته، ويسقط على الأرض حين يستسلم للنوم.

لن تعامل حتى كمن يدب على أربع، يموء وينبح ويعوي.

أأنت سوري!!

ياالله…ما أعظمها من تهمةٍ في بلادٍ يُفني المواطن عمره فيها، حتى يعيش كحشرة ويموت كحشرة.

أنت سوري!!

مرحبًا بك في بلاد القهر العربي يا صديقي.

انتظرت قرابة الساعة، حتى انفجرت من مللي،

كم هو سيء انتظار اللاشيء.

توجهت إلى جلالة الشرطي، وصرخت بوجه عظمته:

ماذا أنتظر هنا؟!!

وكأنني جذع شجرة ملقى على جانب الطريق، أجابني ببرود ساقط:

الضابط يريد أن يراك.

_ومتى يريد أن يراني؟!!

-عندما يريد

عدت إلى مكاني، وصممت على العودة،

ما الذي جاء بي إلى هنا؟!

آه لو تعلم يا حافظ الأسد كم شتمت روحك النجسة تلك الساعة!!

لو تعلم كم اتسع قاموس الشتم لدي، ووصلت إلى أس عائلتك، وعقيدتك، وصلت حتى إلى لندن عام 1965.

استقبلني ضابط المخابرات العربية بلطف غير معهود، وبعد أسئلة متقدمة في الغباء…سألني إن كان أحد أساء لي، فأجبته:

نعم ..لقد كان خطأي، أنا من أسأت لنفسي اذ جئت إلى هنا، لقد اعتقدت أن لغتي العربية جواز سفري، وتاريخي الأمويّ مربط فرسي، وانتمائي القريشي أرفع به رأسي.

فضحك وقال لي:

تعرف …إنها إجراءات مفروضة علينا، لأنك فقط سوريّ، وكسوريّ فقط يجب أن نفعل هكذا.

الآن كم وقتا تحتاج لتقيم عندنا

قلت له: نصف ساعة تكفيني، أطمأن على والدتي، التي لم أرها منذ سنوات، وأعود أدراجي.

لكنه ضحك، وقال:

لا ..سأعطيك عشرة أيام.

قلت له:

والله…كثير ، أنا لا أستطيع التنفس هنا كل هذا الوقت.

نادى للشرطي، وطلب منه أن يختم وثائقي، وتمنى لي إقامة سعيدة في بلاده، التي تستيقظ على القرف

 وتنام على القرف.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. للاسف يا اخي العربي اننا نتهم الغرب بالعنصرية، ولو نظرنا في قرارة انفسنا وتمعنا حقاً، لوجدنا ان العنصرية متاصلة في حشايا حسابتنا، هل لك ان تقول ان دول الخليج ليست عنصرية بحق كل من يعمل لديها؟ لقد قيل لي وانا معلما اولاً للغة الانجليزية في احدى دول الخليج، انني اعمل خادماً لديهم، وقال لي اخد المدرسين اللذين يعملون معي، و هو اقل مني تعليماً- هو حاصل على دبلوم معهد معلمين، ولدي شهادتين ماجستير من الولايات المتحدة-، ان والده لديه الكثيرين من اشكالي، وهم يقدسونه بسبب رواتبهم العالية. هل تعتقد ان الشعوب العربية التي زين الله اكثرها بالسلام ليست عنصرية؟ باى بل انهم اكثر عنصرية ويملكون من النعرات الطائفية ما يملأ الكون. كان هذا كافيا لي كي اعواد ادراجي، وان لا اعمل في الوطن العربي مهما اقتضت الحاجة. انا آسفٌ حقاً لما حل بك يا اخي العربي، ولكن عش متوقعاً ان هذا ما هو الا النذر اليسير مو عنصرية وعنجهية العرب، اللذين يموتون كل يوم تحت اقدام الامريكيين والاجانب ويتفننون في ارضاءهم. طوبى لكل من عرف قيمة ونفسه وسحقاً لمن تكبر على عباد الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى