تحقيقات

الجوﻻني يقدم صك البراءة هل ينجو؟

فراس العبيد- رسالة بوست

مقدمة:

المتتبع للمشهد على عتبة المسرح اﻹدلبي، في الشمال السوري، يتقرر لديه، غياب اﻹعلام عن أبرز الفصول في إدراة ملف المحرر، وتحديدًا، “اﻹقصاء” أو “اﻻستئصال” الذي انتهجه متزعم “هيئة تحرير الشام”، أبو محمد الجوﻻني مع خصومه. ولعل المبرر لدى من يوصفون بـ”دكاكين الشاورما”، أن الصراع بين “إخوة المنهج”، والمقصود به أصحاب التوجه “السلفي” أو “الرديكالي”، كما ينعتونهم. في حين أنّ ما يجري سيؤسس لمرحلة انتقالية، ﻻ تقل خطورة عن “بقاء النظام” مستقبلا، سواء بوجود بشار اﻷسد، بعد تغيير سلوكه، كما تريد واشنطن، أو استبداله، بمن يلبي مطامح “تل أبيب وشركائها”، في المنطقة.

أستانا والفصائل الرديكالية:

ويعتقد مقربون من التيار “السلفي الجهادي”، بكل مسمياته، أن استئصال الجوﻻني، لغرفة عمليات “فاثبتوا”، وتفكيك فصائلها، وعلى رأسهم “حراس الدين”، يصب في خدمة “النصيرية”، إذ تزامن مع الضربة التي وجهتها واشنطن “طيران التحالف” ﻷحد رموز القاعدة، الشيخ “أبو القسام اﻷردني/خالد العاروري”، وسط مدينة إدلب، بعد أيام من تشكيل الغرفة، التي كان يفترض أن تستمر في سياسة “أضرب وأهرب”، و”التنكيل بالنظام” عبر إغارات نوعية على مواقعه. والتي ستشكل منعطف خطير يقلب الطاولة على الروس واﻷتراك، في آنٍ معًا، على اعتبار أنهم أو أحدهما الحاجز الفاصل لضمان اﻷمور مستقرة ولصالح “اﻷسد”. كما أن وجهة النظر تلك تعتبر أن مخرجات “أستانا” والبنود المتعلقة بالفصائل الراديكالية يعرفها القاصي والداني والخواص والعوام على حدٍّ سواء. وإن كان البعض لا يعتقد بوجود عمالة ﻷجندات خارجية في تنفيذ المخطط، إﻻ أنه يرى بأنّ سياقها الزمني مع باقي البنود والمعلوم أيضًا، مع إصرار بعض الفصائل على الاستمرار بخطوات – ظاهرها أنها ممنهجة ومنسقة – تضعه في شبهة الانخراط في تنفيذ هذه البنود. صك البراءة:

والعارف بأحوال “أبو محمد الجوﻻني” وتقلباته السياسية، ومراوغته، بين تنقلٍ من “تنظيم الدولة/داعش” إلى بيعةٍ لـ”تنظيم القاعدة”، ومن ثم “فك اﻻرتباط”، مرورًا بما تم تسريبه من مصادر مطلعة، حول بدأه بعملية “غسل أدمغة مقاتليه”، للعودة إلى صفوف “الجيش الوطني”، بصيغة شرعية، يقدمها “مرقعوه”، يفهم حقيقة الصراع في المنطقة، وعدم خروجه عن إطار “الزعامة للمحرر”. إﻻ أنّ أوراق الجوﻻني، في الدخول إلى وظيفة “حاكم عسكري” أو “والٍ” للمحرر، غير مكتملة الثبوتيات، رغم إمكانيتها والعمل بوظيفة “مسؤول مؤقت بعقد بالوكالة”، إذ إنها مرّت بحماية اﻷرتال التركية، التي كان يرى فيها “ردة” أحرار الشام، وغيرهم، إلى كفاية واشنطن مؤونة “اسئصال التيار الرديكالي” في لعبة “الوﻻء والبراء” التي أدارها شرعيوه على مقاسهم. بالمجمل؛ تحرير الشام بزعامة الجوﻻني، الذي يؤكد مقربون منه أنه يرى في نفسه فاتحًا للشام، قدّم الطاعة والوﻻء على صحنٍ من ذهب للغرب، بعد أن سحبها من “التيار” الذي زعم انتمائه إليه، “السلفية الجهادية”، طبعًا. وتغافل شرعيو الجوﻻني، عن نصوص قرآنية تزيد على اﻷقل عن عشرين نصًّا في موضوع “الوﻻء والبراء”، وما يتعلق به.

هروب إلى اﻷمام:

والواضح أنّ العجز العسكري، ومصادرة القرار السياسي والسيادي، من أيدي اللاعبين في الساحة الثورية، بغض النظر عن مشاربهم الفكرية، هو أس المشكلة في الساحة. فالجميع؛ استسلم لنظرية عجزه وأنّ “العين ﻻ تقاوم المخرز”، متجاهلًا أنه “ﻻ يحك جلدك مثل ظفرك”، وترك القرار في الهدن والحرب بأيدي الجيران وتحت وصايتهم ومصالحهم، بغض النظر عن رأينا وموقفنا من تلك المصالح، ومدى إيماننا بها. وعلى سبيل المثال؛ فإن العودة بعقارب الساعة إلى الوراء قليلًا تؤكد أن “غرفة عمليات الفتح المبين”، و”تحرير الشام أحد أركانها”، عندما أعلنت الهدنة، لم تعلق قبولًا أو رفضًا؛ ﻷنها حقيقة لم تكن “مخيرة” وإنما “مسيّرة”. وبالمحصلة؛ المعركة تمت إدراتها على أساس أنها “مرسومة مسبقًا”، وأدار الاتراك في وقتها المعركة من جهة التخطيط والدعم اللوجستي والتمهيد المدفعي والجوي، وسرب بعض وجوه وقياديو الهيئة أنّ تركيا وقعت في صدمة من ناحية القتال ميدانيًا وهي نقطة أخرى لسنا في صدد البحث فيها في هذه السطور. بالتالي؛ ما قامت به الفصائل “المتهالكة” في المحرر، لا يخرج عن صراع على “العظمة” وتسليم القرار للآخر، عن حسن أو سوء نية، ليس إﻻ لهدف “نيل الرضا”. وتغافل الجميع أن اﻵخر، عندما سينال “وطره” ستكون الزيجة بحكم “البائن” بينونة ﻻ عودة بعدها؛ فالمصلحة الدولية تقتضي أو اقتضت ذلك، وقضي الأمر. الفصائل العميلة والمستَعملة وﻻ شك أنّ المشهد يستوعب التشكيك في مصداقية العاملين على الساحة، وانقسامهم بين فصائل عميلة ومستَعملة، أرخت علينا ظلالها القاتمة السواد. ويصدق وصف الشيخ “أبو محمد المقدسي”، في تفصيل حال الساحة وتقسيماتها، حيث يقول على معرفه في تيلغرام؛ “فالفصائل العميلة؛ هي تلك التي صُنِعت على عين الطواغيت؛ وتُوَجّه من الخارج بحسب رغبات طواغيت العرب والعجم. وأمّا الفصائل المستعملة؛ فهي التي تماهت مع المشاريع والاتفاقات في كل حركاتها؛ وسكناتها وتُطبّقها مرحليًا بخبث ومكر وتمويه؛ كما يرى ويتابع الناس”. ويخلص إلى نتيجة، أن هذه الفصائل المستعمَلة تعمل في حقيقة الأمر عمل الفصائل العميلة؛ وإن لم تمتهن العمالة رسميًا حتى الآن”.

المعارضة والحمار والملك:

وتلعب المعارضة أو بقاياها، بما فيهم تنظيم الجوﻻني، على مبدأ أن الفترة القادمة ستكون “هدنة عسكرية”، فإمّا أن تتغير المعادلة الدولية أو المزاج العام للجيران، أو حصول خيارات أخرى من بينها فناء “متزعموا المشهد اليوم كالجوﻻني وغيره”. وأمّا الحقيقة التي لا يشوبها غبار، فقد سقط الساقطون أمام امتحان فهم “حقية الصراع”، وقدموا فروض الوﻻء والطاعة في غير مكانه، ولدينا ما يفسّر سبب تقهقر أحوال المسلمين،في كتاب الله تعلى، ما يغني عن الكلام السابق، ويعين على اﻹجابة حول السؤال الذي افتتحنا به عنوان هذه السطور. قال تبارك وتعالى: ((وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)). سورة البقرة: 120 والجميع في “صفوف المعارضة” سيردد قريبًا مقولة؛ “أكلت يوم أكل أخي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى