منوعات

الثورة في ميزان الدكاكين الإعلامية

يونس العيسى

إعلامي وكاتب
عرض مقالات الكاتب

 التقييمات السلبية والمصطلحات الإعلامية لمراحل وأحداث الثورة السورية، يضعها الإعلام في ميزان دكاكينه التي انشأها رجال الأعمال

 واعتبروها «دكاكين» إعلامية وليست مؤسسات إعلامية!

والفرق شاسع بين مؤسسة إعلامية تحكمها نظم إدارة علمية ومستقرة وبين دكان تخضع إدارته لمزاج حضرة صاحب الدكان!، الذي همه عرض بضاعته وترويجها وإعادة تغليفها وتسميتها حسب حالة السوق الرائجة واعتبار الإعلام مجرد سلعة كباقي السلع يمكن أن يعرضها في دكانه يختار له إدارة وعاملين حسب مزاج سيادته، ويستطيع أن يطردهم أو يستبدلهم بمن يشاء وقت ما يشاء.

المصطلحات التي يستخدمها الإعلام بحق ثورتنا تزيف الحقيقة وتضييع لحقوق الشعب الثائر فالثورة في الأخير فعل بشري ليس معصوما من الأخطاء، والذي يريد أن يتعامل مع الثورة  على أنها منزهة من الأخطاء مخطيء بالقدر نفسه لدى الذي يتعامل معها بمعايير لا يستطيع هو نفسه أن يدعي تمثله لها، ويحاسب رفاقه فيها بوصفهم لصوص ثورات، وينصب نفسه قديس الثورة وكاهنها الأكبر!

الثورة ليست انقلابا عسكريا خطط له مجموعة من الأفراد للاستيلاء على السلطة، ولا هي ثورة حزب واحد يفرض ما يريد لأنه لا يوجد أحد غيره.

يزدحم الفضاء السوري بما لا يحصى من وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، بالإضافة لعدد أكبر من المواقع على صفحات التواصل الإجتماعي، وان ما تبثه من اخبار تشوش حواس المشاهد والقارئ والمستمع في سعيه للحصول على حقيقة الخبر وينطبق عليها اغنية داخل حسن ووحيدة خليل (ادور على الصدك ياناس .. ضاع وبعد وين الكاه) .. فهذه القناة تؤكد الخبر وتلك تنفيه وموقع يحرفه وإذاعة تدس الفتنة فيه ومقروءة تصوغه بخباثة على طريقة (حق يراد به باطل).

ان المصطلحات المستخدمة في الإعلام ليست كلمات عشوائية، أو جمل مرصوصة تقال كيفما اتفق، بل هي كلمات مفتاحية، تحمل مضامين عميقة، ومفاهيم محددة، والمصطلحات تعد من أخطر الجوانب التي يمكن من خلالها بناء المفاهيم أو تغييرها، وكسب المواقف أو تبديلها، كما أنها قد تكون بابا للتضليل الإعلامي.

 يقال عادة: ” لا مشاحة في الاصطلاح “، وهذه الكلمة يقصد بها التساهل في التعامل مع اختلاف المصطلحات العلمية في مجالات العلوم المختلفة، حيث يتم التعامل معها بمرونة، ولكن هذا الموقف المتساهل لا ينسحب ولا يعمم في مجال الإعلام  لخطورته ودوره الكبير في بناء المفاهيم أو تغييرها، وخاصة في الثورة السورية وتضارب المصالح الدولية تجاهها، المتنافسة بتصنيع ونحت المصطلحات الإعلامية، وتسويقها ونشرها، بحيث تعبر عن وجهة نظر صانع المصطلح، وتظهر موقفها  ان كان مع الثورة أو ضدها او يقف على الحياد.

فالمصطلح الإعلامي هو الكلمة، أو الجملة المركّزة، المعبرة عن حالة، أو موقف، أو قضية، أو حدث، أو منطقة جغرافية، أو فترة زمنية، أو جهة معينة، وذلك لإبراز حقيقة، أو طمس أخرى، أو كسب موقف دولي، أو إقليمي، أو تغيير اتجاهات وميول معينة، لدى شعب، أو أمة معينة، أو صناعة صورة نمطية، أو سلب إرادة الآخرين والسيطرة عليها، أو تكوين رأي عام، ويكون ذلك بما يتوافق مع مصالح صانع المصطلح.

مصطلحات مغلوطة دست كما يدس السم بالعسل في خطاب الإعلام العربي، دسها الاحتلال الإسرائيلي حول فلسطين واصبحنا نتناولها بكل سذاجة.

عرب اسرائيل =  فلسطينو الداخل أو فلسطينيو 48

الجانب الإسرائيلي = دولة الإحتلال

الزعيم الفلسطيني = الرئيس الفلسطيني

الإدارة المدنية = الحكم العسكري

السجناء الأمنيون = الأسرى الفلسطينيون

النزاع الفلسطيني الإسرائيلي = الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

المطالب الفلسطينية = الحقوق الفلسطينية

المهاجرون اليهود = المحتلون اليهود

الإرهاب الفلسطيني = المقاومة الفلسطينية

التحريض = الوعي الفلسطيني والثقافة الفلسطينية

كذلك في سورية  بعض الوسائل الإعلامية المحسوبة على الثورة السورية تنهج الاتجاه ذاته بحرب المصطلحات التي يدسها نظام الأسد واعوانه

وأصبحت تستخدم..

الأزمة السورية = الثورة السورية

المعارضة السورية = الشعب الثائر

تنديد وحراك = المظاهرة

درع الفرات وغصن الزيتون = المناطق المحررة بالريف الشمالي

الفصائل العسكرية = الجيش الحر

 الدولة الإسلامية = داعش

وحدات حماية الشعب الكردية = ميليشيات قسد

النظام السوري = نظام الأسد

سيطرة = احتلال

مطالب = حقوق

والله يستر المعتقلين والشهداء من تسميتهم بالسجناء الخارجين عن القانون والقتلى الإرهابيين.

والمصطلحات المستخدمة في الإعلام تهدف إلى تحويل الثورة إلى حرب و صراعات، وتلك المصطلحات لا تعبر عن مضمون الثورة وتسعى إلى تقديمها بأجندة القناة التي تستخدمها، فبدلا من مصطلح “ثورة” استخدموا مصطلحات أخرى مثل “حرب أهلية”، “أزمة”، “صراع”، “حرب”، واللعب بهذه يهدف إلى تحييد الرأي الشعبي العام العالمي والعربي، وهناك عدة عوامل ادت لفوضى المصطلحات في ثورتنا، منها دخول تنظيم داعش وغيره من التنظيمات التي تشابهه في الفكر والمنهج والتي استخدمت مصطلحات اساءت لفكر ثورتنا، وكذلك الجهل الإعلامي الذي ساد ومازال من بداية الثورة نتيجة ظهور من سموا انفسهم إعلاميين بالتوازي مع ظهور مايسمى ” شرعيين”

لم يفقهوا خطورة الإعلام والدين، خدموا أجندات الوكالات التي عملوا فيها وتناقلوا الخبر والمعلومة في وسائل التواصل الإجتماعي بقاعدة القص والنسخ واللصق.

والمصطلحات لم يقتصر على الإعلام وحده نشرها، ومن يتابع بيانات المؤتمرات العالمية والإقليمية  حول الثورة السورية سيعرف حجم مايدار ضدها من استخدام تلك المصطحات، وكذلك بيانات وقرارات وإعلانات المنظمات والمجالس المحلية والمؤسسات الأخرى المنبثقة جراء الثورة السورية.

وجدير بالذكر ان الناشطين السوريين الذين انتبهوا لخطورة المصطلحات المتداولة في الإعلام، اطلقوا في 22 كانون الأول من عام2015 حملة تحت عنوان “#احكيها_صح” لتصحيح المصطلحات التي تم تحريفها بغية إفراغها من مضمونها الثوري والإنساني والحقوقي، لتحويلها إلى مجرد حرب أهلية أو نزاع مسلح، واطلقت الحملة عدد من الصور التي تحدد أكثر المصطلحات التي تم تحريفها وأهمها مصطلح “الثورة السورية”، و”علم الثورة” و”الجيش الحر” و”المعتقل” و”الشهيد”، التي تحاول وسائل الإعلام بتشويهها وترويج مصطلحات مضادة لها.

فهل يستقيم ميزان الإعلام و يحكيها صح..؟؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى