مقالات

شيعة السلطة في العراق.. بين الانفجار وفك الاشتباك!

داود البصري

كاتب وصحفي عراقي
عرض مقالات الكاتب

حالة الاحتقان والتوتر الدموي السائدة في العراق منذ عقود طويلة ،ليست بالشيء الجديد على مزاج شعب أجيال كثيرة منه لم تعرف طعم الراحة ،ولا حتى الحياة طيلة العقود الخمسة المنصرمات اللواتي توالت بين الانقلابات العسكرية و التصفيات الرفاقية و الحروب العبثية و الغزوات الحمقاء و الإستنزاف الرهيب لموارد الثروة الوطنية و التراجع الحضاري المخيف الذي حول العراق بكل ألقه القومي السابق و تاريخه العريق لمستنقع تخلف طائفي قبلي فظيع برزت فيه الوحشية كصورة نمطية لمجتمع تقاطعت فيه الرؤى و توقفت عجلة التاريخ عند الكثير من شرائح شعبه عند حدود العصر الأموي الأول!!؟، ومنذ إحتلال العراق عام 2003 وتبدل موازين القوى السلطوية و إنهيار الدولة العراقية الشامل ، كان واضحًا أن البديل لم يكن ذلك الحلم الطوباوي الديمقراطي التنموي الذي حلم به البعض ، فاللإحتلال أجنداته و ترتيباته و رؤاه المستقبلية و الستراتيجية ، فالقضية ليست متعلقة بالعراق فقط بل بالمنطقة بشكل عام وحيث أضحى العراق أنبوبة الإختبار لكل وصفات المخططات الإقليمية القادمة ، بعد الاحتلال برزت الثقافة الطائفية التي و إن كانت متواجدة تحت الغطاء في المراحل التاريخية السابقة إلا أنها أضحت منهجا حياتيا و سياسيا للعراق الجديد الذي وقع بين براثن فئات طفيلية متخلفة بعضها عريق في العمالة و التبعية وبعضها كان نشيطا في إدارة الإرهاب الإيراني الطائفي في المنطقة و بعلم الولايات المتحدة التي تجاهلت كل ملفات الإرهاب المعروفة للقاصي و الداني و أنخرطت في بناء دولة عراقية مسخ ليس لها من الديمقراطية المزعومة إلا شكلها الكسيح المعوق البائس ، فتحت ظلال وشعارات تلك الديمقراطية تسلل العملاء و الطائفيون و الإرهابيون و أستطاعوا أن يبنوا لهم مواقعا محصنة في قلب النظام الجديد ، لا بل أن السخرية وصلت لدرجة أن قادة عراقيين كانوا جنودا في الحرس الثوري الإيراني أضحوا من المرضي عليهم أمريكيا ودخل بعضهم المكتب البيضاوي في البيت الأبيض في عهد الرئيس أوباما و أعني هنا وزير النقل السابق و العميد في الحرس الثوري الإيراني و أحد قادة فرق الموت الشيعية في العراق والرمز في الحشد الشيعي وهو هادي العامري في خطوة لم أكن أعتقد أنها ستحدث ولو في الأحلام ولكنها حدثت ، بل أن التناغم الأميركي مع عصابات الإرهاب الإيرانية و التي توالي ولي إيران الفقيه علي خامنئي جعل منها لاعبا مركزيا مباشرا و مهما في العراق ، ومع تسلم حزب الدعوة العميل السلطة في العراق بعد إنتخابات 2005 ومجيء حكومة الفاشل الطائفي إبراهيم الجعفري التي إندلعت في أيامها الحرب الطائفية القذرة ودخل العراق في حمام دم رهيب إقتضى الأمر معه تبديل القائد بقائد دعوي أيضا ولكن بمواصفات مختلفة قليلا فجيء بشخص لم يكن يطمح إلا بمنصب مدير ناحية ،وكان بائسًا و مفلسًا و مسؤولاً عن حسينية الصدر في الحجيرة بريف دمشق ليسلموه عرش العراق في طفرة جينية لا تحدث إلا في العراق فقط لاغير ، فكان نوري المالكي كاتب التقارير السابق للمخابرات السورية هو البديل الستراتيجي لقيادة العراق نحو الجحيم وهو ماحدث فعلا حيث تم نهب الدولة وإختلاس مئات المليارات التي توفرت في عز الفورة النفطية وحيث بنيت خلالها أسس و مقومات و ركائز الدولة العميقة والتي يعاني العراق من تبعاتها اليوم و أستمرت سطوة المالكي لثمانية أعوام عجاف كانت نهايتها في بيع و تسليم مدينة الموصل وفق سيناريو خبيث أحدث حربا طائفية قذرة و أنتج و بشكل شرعي وممنهج عصابة طائفية جديدة تحت ظلال الفتاوي الكفائية و الجهادية هي عصابة الحشد الشيعي التي أفرزت أكثر من ستين عصابة شيعية إرهابية مسلحة تمارس القتل تحت راية العقيدة بل أن بركاتها الدموية شملت الشعب السوري المظلوم لتقاتل تلك الرايات لنصرة المجرم بشار الجحش وحزبه البعثي التافه وتحت شعار أشد تفاهة وهو ( لن تسبى زينب مرتين ) !!!، فكانت الخزينة العراقية هي الممولة لتلك الحرب الدموية القذرة ضد الشعب السوري ، وتلاشت الثروات العراقية وتمت إبادة آلاف الأرواح قبل أن يرحل نوري المالكي عن السلطة المباشرة دون أن ينسى تذكير الناس بأنه سيد الدولة العميقة ،وعبر قولته الشهيرة ( ما ننطيها ) أي لا نعطيها ولن يأخذها منا أحد في إشارة للسلطة!! وكان صادقًا في قولته تلك أبعد حدود الصدق ، فرغم مجيء بديله الدعوي أيضا حيدر العبادي ثم مجيء المتقلب على مختلف الموائد عادل عبد المهدي ظل المالكي هو من يدير المشهد بصورة خلفية وظل عصيا على المساءلة عن كل الجرائم و الإنتهاكات التي حدثت في عهده ولا زالت الجماهير المنتفضة تطالب بفتح ملفاتها و محاسبة مرتكبيها دون جدوى! ، لقد إنطلقت في تشرين الماضي ثورة شبابية تغييرية كبرى في العراق كانت ولا زالت تطالب بإسترداد الهوية العراقية وطرد الأحزاب الطائفية العميلة وتصحيح الأوضاع بشكل حاسم ولكنها جوبهت من حكومة عادل عبد المهدي بإرهاب سلطوي مرعب في ظل صمت دولي أضحى معتادا على شعوبنا وقدم الشباب العراقي الحر الثائر أكثر من 800 شهيد و آلاف المصابين كان واضحا للجميع من هو الطرف الذي يمارس القتل و لكنهم لم يفصحوا عنه ولن يفصحوا لأسباب طائفية محضة إنهم عصابات الحشد الشيعي و أدوات دولة الإرهاب الشيعي الإيراني القاتلة وعجزت الطبقة السياسية البائسة عن الفعل الصريح ،وعن الإستجابة لأدنى متطلبات الشارع الشبابي العراقي الثائر وظلت الأزمة تجرجر نفسها في ظل حيرة قاتلة ، فالعراق بستان قريش والشيعة عبر أحزابهم الإرهابية ليسوا على إستعداد للإعتراف بالذنب وطلب الصفح من الجماهير بل أنهم أوغلوا في الجريمة ولم تتفتق أذهانهم إلا عن حلول مخادعة عرفوا و تميزوا بها عبر التاريخ ضمن قضية و إشكالية ( الحيلة الشرعية )!!!… فبعد سلسلة مناورات و أسماء و تحركات تم طرح إسم شخص مغمور سياسيا و محدود الكفاءة و بلا تاريخ و لاحتى ثقافة معينة ليكون مرشحا لقيادة عملية التغيير الشكلي الوهمية و التي أبسوها لباس الجدية ، فجيء برئيس ما يسمى بجهاز المخابرات والذي عينه الفاشل حيدر العبادي في هذا المنصب ليكون رئيسا للحكومة في أعقد مرحلة حاسمة في تاريخ العراق المعاصرفكان مصطفى مشتت الغريباوي هو فارسهم الجديد والذي بدأ مسيرته السلطوية بتكريم حكومة سلفه عادل عبد المهدي وهي أفشل حكومة في تاريخ العراق!! وطبعا دون أن يكشف وهو رئيس للمخابرات عن هوية قتلة الشباب العراقي في الساحات في بغداد و الناصرية وواسط والبصرة و كربلاء و النجف! ، ثم قام إبن مشتت بحركة مثيرة للسخرية و الغثيان بزيار عصابة الحشد الشيعي و ارتدى معطفها و تفاخر بها وهو يعلم علم اليقين بإنها الجهة المسؤولة عن قتل الشباب ولكنه أرسل رسائل المحبة و التطمين للطرف الذي سلمه السلطة ، بعد ذلك قام مشتت بسلسلة من التعيينات في المراكز الإستشارية لطاقمه وهي لا تسمن أو تغني من جوع ، ثم جاءت الحركة التمهيدية الأولى في تعرض جهاز مكافحة الإرهاب لعصابة ( ثأر الله ) في البصرة التي يتزعمها المجرم الطائفي وعميل جهاز اطلاعات الإيراني المدعو يوسف سناوي الموسوي ،وهو أحد قادة فرق الموت خلال الحرب الطائفية ولا زال مسيطرا على أملاك و أراضي الدولة و مصادرا لأراضي و بساتين أهل السنة في البصرة ولكنه بوقاحة استطاع الرد على الهجوم الحكومي و تمكن من إعادة السيطرة على مقره وطرد القوة الحكومية دون أن يجرؤ من يسمي نفسه القائد العام للقوات المسلحة وهو مصطفى مشتت على رد الإهانة فأبتلعها وسكت!! ، ومع ذلك قام بحركته الكبرى الجديدة في الهجوم على أحد مقرات عصابة كتائب حزب الله الشيعية بقيادة الإرهابي أبو فدك المحمداوي و إعتقال عصابة كانت تخطط لقصف مطار بغداد و السفارة الأميركية ومنطقة الكاظمية كما أعلن بيان رسمي ولكن الرد جاء من عصابات الحشد عبر اقتحام المنطقة الخضراء و استعراض القوة في شوارع بغداد ثم صدور سلسلة من التهديدات على لسان قادة العصابات الإرهابية و أبرزهم قيس الخزعلي زعيم عصابة العصائب ،والذي دعا علنًا ابن مشتت لمعرفة حجمه !!!، لربما يذهب الحلم بالبعض بعيدًا و يتصور أن الكاظمي سيشن حرب إبادة شاملة ضد الميليشيات الشيعية الحشدية الإرهابية!! ولكن ذلك مجرد أوهام، فالرجل في البداية و النهاية هو صنيعة وواجهة متقدمة و مدنية لتلك الميليشيات و الجماعات الشيعية تتشبث بالسلطة حتى النفس الأخير و الجيش العراقي الحالي لايمتلك القدرة على مناطحة الميليشيات التي تخترق طوليًا وعرضيًا ذلك الجيش كما أنها تمتلك أدوات وعناصر قتالية و تعرضية و إستخبارية بإستطاعتها حسم الموقف في بغداد و عموم العراق خلال ساعات قليلة ، والكاظمي ليس هو الرجل الذي يستطيع قطع أذرع الميليشيات ، فمن فشل أمام عصابة صغيرة في البصرة لن يستطيع حسم الأمور في بغداد ؟ كما أن منطقة جرف الصخر المحتلة من عصابة حزب الله و الحرس الثوري تشكل تحديًا حقيقيًا أمام الكاظمي وجيشه ، ما يقوم به الكاظمي هو مجرد إدارة بائسة للأزمة العراقية و محاولات تخدير بائسة عبر إطلاق الوعود ولكن دون تحقيق أي إنجاز ميداني على الأرض!، خصوصا و إن زيارة الكاظمي لأميركا على الأبواب و منها وفيها و عبرها سيتم نقل رسائل إيرانية للطرف الأميركي!… لو أراد الكاظمي فعلاً حسم الموقف وقلب الطاولة على جماعة إيران فالطريق لذلك واضح ويبدأ من إعلان حالة الطواريء وحل البرلمان واعتقال عصابات الإرهاب الحشدية واعتقال رمز دولة الإرهاب العميقة نوري المالكي ومحاكمته و مساءلته عن المليارات التي إختلسها و الأرواح التي أزهقها و الشباب العراقي على أتم الإستعداد لمساندة الكاظمي أما غير ذلك فمجرد عبث وقد أثبتت التجارب بأن شيعة السلطة في العراق عنوان تاريخي للفشل الشامل!، إنهم في البداية و النهاية أهل الحيلة الشرعية!!.. لقد عاشرتهم طويلاً و أعرفهم أكثر من نفسي..!!

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً على ابو عبدالرحمن إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى