بحوث ودراسات

السياسة الأميركية تجاه الثورة السورية 1 من 5

د. قصي غريب

كاتب وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

نشرت هذه الدراسة في مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية، وفي مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية.

مقدمة

فاجأت الانتفاضات والثورات التي اندلعت في 2011 ضد الأنظمة الاستبدادية في أكثر من دولة عربية الإدارة الأميركية وأربكتها، ولكن بسبب القدرات والإمكانات والخبرات السياسية والدبلوماسية والمخابراتية التي تتمتع بها الولايات المتحدة كدولة عظمى في الساحة الدولية سرعان ما استعادت توازنها؛ وبدأت باستخدام السياسات المضادة لهذه الانتفاضات والثورات بالتعامل مع وضع كل دولة عربية ثائرة على حدة وبخاصة الثورة السورية.

وفي هذه الدراسة سنتناول أبعاد التعامل الأميركي مع الحالة السورية من خلال أن ما حصل في المنطقة قد باغت الولايات المتحدة، ومثل خطراً على مصالحها، في الوقت الذي أصبحت تتجنب الدخول بحرب جديدة لإسقاط الأنظمة بسبب الخسائر الفادحة التي تكبدتها في العراق وأفغانستان؛ وأنها تنفذ في سورية رؤى فكرية، وتستخدم سياسة فاعلة لتحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية تقوم على تحويل تجاه الثورة السورية، وتهميش الأكثرية وتفضيل الأقليات، ونزع السلاح الكيميائي السوري، وتحويل اتجاه الصراع في المنطقة، وتجريم الإسلام والأكثرية، وتمكين أصحاب القدرات المحدودة.

أولاً – انتفاضات وثورات مباغتة

بعد عقود من القهر السياسي والتردي الاقتصادي والتراجع الاجتماعي، ثارت الشعوب العربية على الأنظمة الاستبدادية التي تدعمها وتساندها الولايات المتحدة، فالإدارات الأميركية الجمهورية والديمقراطية ظلت على مدى عقود تمارس سياسة الحرص على ضمان أمن إسرائيل، وتدفق النفط، واستقرار الأنظمة الاستبدادية المتعاونة معها، وقد اعترفت بذلك كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية بكلمة ألقتها في الجامعة الأميركية بالقاهرة في 30 حزيران 2005 حين قالت([1]) : ” لقد سعت الولايات المتحدة لمدة 60 عاماً من أجل تحقيق الاستقرار على حساب الديمقراطية في الشرق الأوسط لكننا لم نحقق أيا منهما “. ولكن على الرغم من هذا الاعتراف الصريح بدعم الاستبداد في العالم العربي، إلا أن المخدوعين بسياسة الشعارات قد وقعوا تحت تأثير نظرية المؤامرة، فشككوا أن الانتفاضات والثورات التي اندلعت ضد الأنظمة الاستبدادية تقف ورائها الولايات المتحدة وإسرائيل للقضاء على ما سموه بتيار المقاومة والممانعة في المنطقة من خلال نشر الفوضى الخلاقة لإنشاء شرق أوسط جديد يكون فيه الفاعل المؤثر إسرائيل؛ والذي كان قد بدأ التبشير به والترويج له وفرضه باستخدام القوة وشن الحرب في عهد إدارة الرئيس جورج دبليو بوش؛ إلا أن كل المعطيات تؤكد على أن الإدارة الأميركية التي يرأسها باراك أوباما، وكذلك مراكز الأبحاث والدراسات التي تزودها بالأفكار والخطط السياسية والاستراتيجية قد تفاجأت بمباغتة اندلاع الثورات، ولم يكن لديها القدرة على توقعها والتنبوء بها لاسيما وأن الحاكم العربي – الذي يأخذ شرعية ومشروعية استمرار نظامه المستبد من رضا واسترضاء الولايات المتحدة – قد نقل للإدارة الأميركية الحالية وللإدارات السابقة عن طريق أجهزته الأمنية أن الشعوب العربية قد دجنت وتحولت إلى ( قطيع ) يسهل اقتياده بالاتجاه الذي يريد؛ ومن ثم لديه القدرة على ضبط إيقاع حركته بعيداً عن أي مؤثرات([2]).

كانت آثار الصدمة على إدارة الرئيس باراك أوباما قد ظهرت واضحة من خلال سياسة التعامل مع هذه المتغيرات والتحولات العميقة التي استجدت في الساحة العربية؛ فقد كان هناك تباين واضح في السياسة الخارجية الأميركية تجاهها مثل دعوة حسني مبارك للرحيل عن الحكم بعد أيام فقط من المظاهرات الاحتجاجية في مصر؛ وتردد واضح في التعامل مع الحالة الليبية من خلال عدم الرغبة في قيادة الجهد الدولي والدعوة إلى الحوار في الحالة اليمنية؛ في حين رفضت الإدارة الأميركية توجيه الانتقاد إلى بشار الأسد على الرغم من مرور أسابيع على الاحتجاجات في سورية، وقمع قوات النظام لها بقسوة مفرطة، بل إن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون كانت ترى فيه رجلاً إصلاحياً يمكن أن يقود انتقالاً حقيقياً إلى الديمقراطية([3]).

كما ادعت الإدارة الأميركية أن الفضل باندلاع الثورات في العالم العربي يعود إليها، فأظهرتها وسائل الإعلام الأميركية أنها منهمكة في وضع اللمسات الأخيرة على الأجندة الرسمية للديمقراطية للعالم العربي، وزعم بعضهم أن استراتيجية الرئيس باراك أوباما في عدم التدخل وخطاباته الملهمة قد أسهمت في نهوض الحركات الديمقراطية التي يقودها الشباب في العالم العربي([4]).

مع أن تصريحات المسوؤلين الأميركيين قد وصفت ما يحصل باللحظة المجهولة، وخلق أوضاع جديدة والزلزال الكبير فوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون قد قيمت ما حصل من متغيرات وتحولات في المنطقة العربية قائلة([5]) : ” إن الشرق الأوسط يمر بمرحلة تغيير سريعة جداً، إنها لحظة فيها الكثير من المجهول ولكن أيضاً تشكل فرصة لنا “.

كما أكد مستشار الأمن القومي توم دونيلون على أن الإدارة الأميركية تأخذ بعين الاعتبار استراتيجياً المتغيرات والتحولات الجديدة التي تحصل في الساحة العربية؛ والتي من الممكن أن تؤدي إلى خلق أوضاع جديدة حيث صرح عن ذلك بقوله([6]) : ” إن الإدارة الأميركية تقدر السياق الاستراتيجي للموقف الحالي حتى لو أدت الأحداث اليومية إلى دائرة جديدة “.

في حين وصف نائب وزير الخارجية نيكولاس بيرنز ما تشهده المنطقة العربية من متغيرات على أنه زلزال كبير، وأنه الأهم منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، ونصح إدارة الرئيس باراك أوباما بأن تعيد حساباتها بصورة كاملة بما يتكيف مع المتغيرات الجارية([7]).

ولذلك قامت السياسة الأميركية على ضبط حركة هذه الثورات بواسطة التكيف معها والتحكم فيها من خلال الوقوف إلى جانب المطالبين بالحرية، والتعامل مع حالة كل دولة على حدة، بحيث لا تعتمد الإدارة الأميركية على أنموذج واحد يصلح للتعامل مع جميع الدول العربية؛ واعتبار أن السياق المحلي في كل دولة هو العامل المهيمن المحدد للتعامل مع الحالة المستجدة، وبما أن الولايات المتحدة ترى أن مصالحها الاستراتيجية في العالم العربي قد أصبحت في خطر نتيجة سقوط الأنظمة التي تعتمد عليها، فقامت باستغلال الفرصة من خلال حرصها على أن يكون لها دور في إدارة ” الربيع العربي “، عبر التدخل في تحديد نتائجه وهوية أنظمة الحكم المستقبلية في دوله، وعملت من أجل أن تكون الأنظمة البديلة وقياداتها تتوافق بصورة عامة مع السياسة والقيم الأميركية، أو غير بعيدة عنها([8]) ولهذا وضعت خططاً وتكتيكات الاختراق بالاتجاه الذي ترغب فيه، ويصب بمصلحتها باستخدام القوة الناعمة السياسية والدبلوماسية والمخابراتية والإعلامية، وتجنب قدر الإمكان استخدام القوة الصلبة العسكرية والدخول بحرب نتيجة لتعلم بعض الدروس المكلفة. وكان الرئيس باراك أوباما قد مهد لتنفيذ هذه السياسة من أن التغيير لن يكون سلساً وسريعاً وسيستمر سنوات، فقال في 19 أيار 2011([9]) : ” إن الصرخات المعبرة عن كرامة الإنسان تسمع في أرجاء المنطقة، وقد تمكنت شعوبها من خلال القوة الأخلاقية للاعنف من تحقيق تغييرات خلال ستة أشهر تزيد على تلك التي حققها الإرهابيون على مدى عقود؛ وبالطبع إن تغييراً من هذا الحجم لا يتأتى بسلاسة، ففي يومنا وعصرنا هذا يتوقع الناس أن ينجلي تحول المنطقة في غضون أسابيع، لكن ستنقضي سنوات قبل أن يسدل الستار على هذه الحلقة، وخلال تلك الفترة ستكون هناك أيام مشرقة وأيام قاتمة، وفي بعض الأماكن سيكون التغيير سريعاً، لكن في غيرها سيكون متدرجاً، وكما سبق أن شهدنا فإن النداءات من أجل التغيير قد تفسح المجال أمام تزاحم شرس على السلطة “.

كما أنه اعترف أن ما حصل في العالم العربي ليس للولايات المتحدة يد فيه فقال([10]) : ” أميركا ليست هي التي دفعت الناس إلى شوارع تونس والقاهرة، بل الشعوب نفسها هي التي أطلقت هذه الحركات، والناس أنفسهم هم الذين يتعين أن يقرروا نتائجها “.

ثانياً – تجنب الدخول بحرب جديدة

كانت الولايات المتحدة من أجل تأكيد الهيمنة على العالم كقوة سياسية ودبلوماسية وعسكرية واقتصادية وتقنية، وأنها صاحبة القرار والفعل في الساحة الدولية قد تبنت استراتيجية القدرة على الدخول في حربين في آن واحد والانتصار فيهما في نهاية المطاف؛ إلا أن غزو أفغانستان والعراق والخسائر البشرية والمالية التي تكبدتها القوات الأميركية، وبخاصة التي ألحقتها بها المقاومة العراق والتي وصلت إلى 4474 قتيلاً و33 ألف جريح حسب الأرقام الرسمية؛ وأنفقت حوالي تريليون دولار([11]) قد أسهمت في إرهاق اقتصادها وإنهاكه ما أدى إلى حدوث أزمة اقتصادية خانقة فيها على غرار أزمة الكساد الكبير؛ أو الانهيار الكبير التي حصل في 1929، وكانت لهذه الأزمة الاقتصادية الجديدة أثار سلبية على حياة المواطن الأميركي، وعلى الاقتصاد العالمي، وخلق رأي عام أميركي ضد الحرب، وقد خلفت هذه الأزمة الداخلية بسبب تنفيذ هذا الخيار الاستراتيجي والدخول في هاتين الحربين اللتين كانتا مكلفتين جداً للولايات المتحدة تياراً من الرأي العام ضد الحرب؛ ما دفع بإدارة الرئيس باراك أوباما وبعض القادة العسكريين مثل الجنرال مارتن ديمبسي إلى ضرورة الانسحاب من العراق وأفغانستان، وتجنب الدخول في حرب وعدم تكرار ارتكاب الأخطاء في المستقبل، وفي هذا الشأن وبعد أن استخدمت قوات بشار الأسد الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين السوريين، أصدر الرئيس باراك أوباما بياناً في 31 آب 2013 أكد فيه على احترام آراء الذين يطالبون بتوخي الحذر وبخاصة في الوقت الذي تخرج بلاده من حرب كان وضع نهاية لها أحد أسباب انتخابه رئيساً؛ وعبر عن السئم من الحرب لاسيما بعد نهاية حرب العراق، وأنه بصدد وضع نهاية لحرب أفغانستان، ومن ثم في عدم القدرة على تسوية الصراع الدائر في سورية عن طريق القوة العسكرية الأميركية، ولهذا السبب لا يوجد تفكير في دخول حرب يخوضها آخرون([12]). وتأكيده في 10 أيلول 2013 على أنه قاوم دعوات للقيام بعمل عسكري في سورية لأن الولايات المتحدة لا تستطيع إيجاد حل لحرب أهلية في بلد آخر من خلال القوة؛ وبخاصة بعد عشر سنوات من الحرب في العراق وأفغانستان([13]). وأيضاً عندما أكد أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 أيلول 2013 على أن الولايات المتحدة في هذه الظروف الجديدة تعمل من أجل التحول بعيداً عن حالة الحرب الدائمة، لكن مع جهوزيتها لتوظيف جميع عناصر القوة بما في ذلك القوة العسكرية لتأمين مصالحها الأساسية في المنطقة؛ إلا أن عدم الرغبة في استخدام القوة العسكرية ليس مؤشراً على ضعف عزم أميركا في المنطقة بقدر ما يبين بأنهم لم يتعلموا من دروس تجربة العراق، مع إمكانية استخدام سياسات أخرى لتأمين المصالح الأميركية([14]). وكذلك توضيحه بخطاب حالة الاتحاد في 20 كانون الثاني 2015 على تعلم الولايات المتحدة بعض الدروس المكلفة على مدى السنوات الثلاث عشرة الماضية؛ فبدلاً من قيام الأميركيين بدوريات في أودية أفغانستان، فقد تم تدريب قواتهم الأمنية التي تتولى زمام القيادة، وبدلاً من إرسال قوات برية كبيرة إلى الخارج يتم التعاون في إطار شراكة مع دول من جنوب آسيا إلى شمال أفريقيا لحرمان الإرهابيين الذين يهددون أميركا من إيجاد الملاذ الآمن؛ وفي العراق وسورية تعمل القوات العسكرية الأميركية على وقف تقدم قوات تنظيم الدولة الإسلامية، وبدلاً من الانجرار إلى حرب برية أخرى في الشرق الأوسط، فهي تقود تحالفاً واسع النطاق، يضم دولاً عربية للحد من قدرات هذه المجموعة الإرهابية وهزيمتها في نهاية المطاف، كما يتم دعم المعارضة المعتدلة في سورية التي يمكنها أن تساعد في هذا الجهد الذي سيستغرق وقتاً طويلاً ويتطلب التركيز، ولكن سوف ينجح، فالقوة والدبلوماسية هما الطريقتان اللتان تقودان بهما أميركا([15]).

ويبدو أن هذا الحذر الأميركي من استخدام القوة العسكرية ليس مجرد خطاب محصور بحالة الاتحاد، بل نهج يتماشى مع التصريحات العلنية التي أدلت بها الإدارة الأميركية حول اعتبار تفادي الخسائر البشرية هدفاً من أهداف الأمن القومي الأميركي.

وكان الرئيس باراك أوباما في 19 أيار 2011 قد عبر عن السياسة الأميركية تجاه الثورات والانتفاضات التي حصلت في العالم العربي قائلاً([16]) : ” لا نملك أن نمنع كل ظلم يرتكبه نظام حكم ضد شعبه، وقد علمتنا التجارب في العراق كم هو عسير وباهظ ثمن محاولة فرض تغيير النظام بالقوة مهما كانت النية من وراء ذلك حميدة “.

ولكن هذا الخطاب يتناقض مع حقيقة أن الولايات المتحدة لم تمتنع عن دعم ومساندة الأنظمة الاستبدادية على مدى عقود، وباعتراف وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس.

ثالثاً – رؤى فكرية للتطبيق السياسي 

تقوم السياسة الخارجية الأميركية على اعتماد التنظيرات والرؤى الفكرية والخطط السياسية، والاستراتيجية الصادرة عن مراكز الأبحاث والدراسات الأميركية خارطة طريق في التعامل السياسي والدبلوماسي والعسكري والمخابراتي مع أي حالة طارئة أو مستقبلية في العالم؛ لاسيما في العالم العربي لتصبح أمرأ واقعاً، وفي الحالة السورية كتب أكثر من مختص وعالم سياسي أميركي عن طريقة التعامل معها ومنهم على سبيل المثال:

أ – دانيال بايبس

كتب دانيال بايبس – وهو من المحافظين الجدد – في صحفية الواشنطن تايمز في 11 نيسان 2013 مقالة بعنوان : ذريعة الأسد هي أنه إذا سقط النظام السوري الآن فإن الأشرار الآخرين سينتصرون([17]). وقد دعا فيها الإدارة الأميركية والحكومات الغربية إلى تقديم الدعم لنظام بشار الأسد الاستبدادي لخلق توازن بينه وبين معارضيه لمنع انتصار الإسلاميين في سورية؛ ولاسيما بعد أن أصبحت قدراته تتراجع وانتصارهم مرجحاً، فالسبب وراء تقديم هذا الاقتراح هو أن قوى الشر عندما تحارب بعضها بعضا تصبح أقل خطراً على الغرب، وهذا ما يجعلها تركز على أوضاعها، ويمنع أياً منها من تحقيق انتصار بحيث تشكل خطراً أكبر، فالقوى الغربية يجب أن تدفع الأعداء إلى طريق مسدود بينهم من خلال دعم الطرف الخاسر، لجعل الصراع بينهم يطول أكثر.

وأكد بايبس أن هذه السياسة كان لها سابقة خلال الحرب العالمية الثانية، فقد كانت ألمانيا النازية في موقع الهجوم ضد الاتحاد السوفيتي، وكان إبقاء الجنود الألمان منشغلين في الجبهة الشرقية أمراً حاسماً لانتصار الحلفاء، ولذلك قام فرانكلين دي روزفلت بمساعدة جوزف ستالين من خلال دعم قواته والتنسيق الحربي معه، ولكن للضرورة الاستراتيجية التي حققت نجاحاً  ملحوظاً، والحال نفسها مع الحرب العراقية – الإيرانية 1980 – 1988 التي أوجدت وضعاً مماثلاً، فبعد منتصف 1982 عندما أصبحت القوات الإيرانية في موقع الهجوم ضد القوات العراقية، بدأت الحكومات الغربية بدعم العراق على اعتبار أن النظام الإيراني كان أكثر خطورة من الناحية العقائدية، وكان في موقع الهجوم وكان الخيار الأفضل أن تستمر الحرب لمنع أي منهما من الخروج منتصراً، وأن تطبيق هذه السياسة في سورية اليوم تسوغه أوجه شبه كثيرة، فالأسد يشغل دور العراق والقوى المتمردة تشبه إيران، التي ستصبح أقوى مع الوقت وتمثل خطراً متزايداً، فالقتال المستمر في سورية يعرض الجوار للخطر، والجانبان ينخرطان في جرائم حرب، ويمثلان خطراً على المصالح الغربية، ولذلك يجب أن تذهب المساعدة الأميركية إلى الطرف الخاسر أياً كان.

وأضاف بايبس أن بقاء الأسد يفيد النظام الإيراني الأكثر خطورة في المنطقة، ولكن انتصار المتمردين سيعزز كثيراً الحكومة التركية التي تتحول بصورة متزايدة إلى حكومة مارقة ويقوي الجهاديين، ويستبدل حكومة الأسد بإسلاميين عدوانيين، فاستمرار القتال يسبب ضرراً أقل للمصالح الغربية من استيلاء الإسلاميين على السلطة، وهناك توقعات في أن يتصارع الشيعة والسنة، والأفضل ألا يفوز أي من الطرفين، وإن إدارة الرئيس باراك أوباما تجرب سياسة طموحة ودقيقة تقوم على دعم المتمردين الجيدين بأسلحة قاتلة في الوقت الذي تستعد فيه لشن هجمات محتملة بطائرات من دون طيار ضد المتمردين السيئين؛ وهي فكرة جيدة، لكن التلاعب بقوى الثوار من خلال التحكم عن بعد ليس له حظ كبير بالنجاح، إذ أنه في نهاية الأمر ستقع المساعدات في أيادي الإسلاميين، والضربات الجوية ستصيب المتمردين الحلفاء، ومن الأفضل أن يتقبل المرء حدوده، وأن يطمح إلى ما هو مجدٍ من خلال دعم الطرف المتراجع، واليوم السعيد هو الذي تحارب فيه إيران والأسد الثوار وأنقرة، حتى يستهلكوا بعضهم بعضا، عندها يمكن للحكومات الغربية أن تدعم العناصر غير البعثية وغير الإسلامية في سورية لمساعدتها في أن تكون بديلاً معتدلاً، وقيادة سورية إلى مستقبل أفضل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى