منوعات

تأملات قرآنية مع شيخ الإسلام ابن تيمية (3)

الدكتور حسين القحطاني

عرض مقالات الكاتب

أثنى الله سبحانه وتعالى على نفسه فقال : (وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون) . “سورة القصص” اشتملت هذه الآية الكريمة على أربعة أمور عظيمة “التوحيد والحمد والحكم والمرجع” ، ولكن الحمد انفرد ذكره في الآية بالدارين تعظيما لشأنه ، لأن الله هو المستحق للحمد المطلق في الدنيا والآخرة ؛ فهو المنعم المتفضل على الخلائق جميعا ، وهو المالك لجميع ذلك ، وهو الحكيم في حكمه ، فالجميع في ملكه وتحت قهره وتصرفه ، والحمد المطلق يشمل الدنيا والآخرة ، لأنه سبحانه محمود من جميع الوجوه ، وغيره من ملوك الدنيا يقع منهم الظلم والتقصير أو التسلط بغير حق أو خطأ أوزلل ، وأما ملك الله عز وجل فمحمود لكماله ، ولذا وقع بين حمدين ، لعدله وحكمته ورحمته . يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : “إن الله سبحانه أخبر أن له الحمد ، وأنه حميد مجيد ، وأن له الحمد في الأولى والآخرة ، وله الحكم ، ونحو ذلك من أنواع المحامد . والحمد نوعان : حمد على إحسانه إلى عباده . وهو من الشكر ، وحمد لما يستحقه هو بنفسه من نعوت كماله ، وهذا الحمد لا يكون إلا على ما هو في نفسه مستحق للحمد ، وإنما يستحق ذلك من هو متصف بصفات الكمال ، وهي أمور وجودية ، فإن الأمور العدمية المحضة لا حمد فيها ، ولا خير ولا كمال . ومعلوم أن كل ما يحمد فإنما يحمد على ما له من صفات الكمال ، فكل ما يحمد به الخلق فهو من الخالق ، والذي منه ما يحمد عليه هو أحق بالحمد فثبت أنه المستحق للمحامد الكاملة ، وهو أحق من كل محمود بالحمد والكمال من كل كامل وهو المطلوب” . ومن المعلوم أن أعظم الأذكار التي تثقل وتملأ الميزان يوم القيامة هي المحامد لله تعالى ، فلا يوجد بعد التوحيد شيء له شأن في الموازين مثل الحمد لله تعالى . يقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- : “الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمد لله تملأن – أو : تملأ – ما بين السموات والأرض … ” رواه مسلم . وأعظم الناس حمدا لله تعالى في الدنيا والآخرة هو نبينا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- ولذا قال -صلى الله عليه وآله وسلم- : “لي خمسة أسماء أنا محمد وأحمد … ” متفق عليه . ومحمد صفة الحمد وهو الذي يحمد في نفسه وفي أفعاله ، يحمد ثم يحمد ثم يحمد ، فلا يحمد مرة واحدة فقط من عظمة نفسه وأفعاله ، وإنما يحمد كثيرا فصار محمدا . وأما أحمد فهو أحمد الحامدين على الإطلاق فلا يحمد الله مثله ، وهو أعظم من حمد الله تعالى في الدنيا والآخرة ، والدليل على عظم حمده في الآخرة حديث الشفاعة الكبرى والمقام المحمود ، كما في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يوم القيامة “يأتي تحت العرش ، فيقع ساجدا لربه ، ثم يفتح الله عليه ، ويلهمه من المحامد ، وحسن الثناء على ربه شيئا لم يفتحه لأحد قبله” . وصدق حسان بن ثابت -رضي الله عنه- حين قال : “شق له من اسمه كي يجله …. فذو العرش محمود وهذا محمد” .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى