ثقافة وأدب

عندما يندم الشهداء

يونس العيسى

إعلامي وكاتب
عرض مقالات الكاتب

تحاول كل صباح أن تستنزف اليأس الذي يحيط بكل كيانك، فتمضي مع موجة الفرح المفتعل، لعله يوصلك إلى جنة الحلم الذي تتمنى، وأنت تحاذر أن لا يذبل هذا الحلم ،فالأحلام الذابلة مثل الزهور الذابلة لا يمكن أعادتها إلى الحياة ثانية، لهذا تطرد كل وساوس الانكفاء من مخيلتك، لعلك تصل بالروح إلى منطقة التجاوز، ولكن هيهات مادامت العقول التي ترتجي منها أن تدخلك إلى دائرة التفاؤل، قد وضُعت على خلايا الشمع، فلا تستجيب جدرانها لصراخ الأطفال الجياع، ولا لبكاء الثكالى، ولا تستجيب حتى لصحوة ضميرها في لحظات النعاس اللذيذ، إنها عقول قادتنا الذين أبتلينا بهم، البشر يحرصون على أن تكون أوطانهم من بنفسج، وهم يحرصون على أن يكون وطننا من عوسج، لكي يهرب منه الجميع..
تحاول كل صباح أن تستنزف اليأس الذي يحيط بكل كيانك، فترسم وردة عباد الشمس على باب حزنك، وتصلي للفرح الذي تتخيل، وأنت تستمع إلى الأخبار فتعرف أن العصافير قد عقدت مؤتمرا ثانيا، ناقشت فيه أكل الذرة، نقرة نقرة، نقرتين اثنتين معا، نقرة واحدة، فتتسع هالة اليأس التي تغلف كل مجسات الفرح بروحك، مادامت كل البيانات التي تخرج بها مؤتمراتهم، لا تعدو أكثر من كلمات جوفاء، هم يسخرون منها قبل أن تسخر أنت منها، وهذا ديدن قادتنا، لأنهم لا يفكرون إلا بحدود ما يجعلهم يلتصقون أكثر بكرسي الحكم، حيث تحقيق مآربهم في التمسك بتلابيب السلطة، يجعلهم يغضون الطرف عن نهر الدم السوري، والذي ما توقف جريانه يوما.
تحاول كل صباح أن تستنزف اليأس الذي يحيط بكل كيانك، فتتذكر كل ما هو جميل في حياتك من لحظات، تتذكر طيبة أبناء شعبك حين كانوا يتقاسمون معك رغيف الخبز، تتذكر إصرارك على مقارعة أعتى نظام عرفه تاريخ وطنك، تتذكر كل تلك المصاعب التي تجاوزتها وأنت تجوب مسالك وطرق وطنك، تتذكر أحلامك بوطن تمتلئ سماؤه بالحمام الأبيض، وشوارعه بالفتيات الجميلات الذاهبات إلى المدرسة، تتذكر أمنياتك في أن تقرأ أسماء رفاقك الشهداء على الشوارع والمدارس والمكتبات والحدائق العامة، وفي مدار هذي اللحظة، تزداد كثافة هالة اليأس التي تحيط بكل كيانك ، وليس لك غير أن تتذكر الشاعر الذي يحرق روحه بالشعر وهو يقول :
” سأزور الشهداء القديسين،
وأراهم يفركون راحاتهم ندما
فقد قتلوا
من أجل أن يتربع شعيط ومعيط على صدورنا
بسياراتهم الرباعية الدفع وأنواتهم التي ما أنزل اللهُ بها من سلطان
وأقول لهم: طبتم موتاً
فما زال أبناؤكم يشحذون في الإشاراتِ الضوئية
والحكومات تسميهم شموخاً أطفالَ الإشارة
ونساؤكم يتقوسنَ بين الراتب والعقاري
وأمهاتكم في آخر صيحات الموتِ تلالاً من العباءات السودِ
تطير نائحةً إلى السماء !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى