مقالات

تهور وغباء ترامب

نعيم مصطفى

مدير التحرير
عرض مقالات الكاتب

من يقرأ تاريخ رؤساء أمريكا الذين تعاقبوا على حكمها يجد أنهم على درجات متفاوتة في الذكاء.

فمنهم من كان مستوى روائز الذكاء عنده مرتفعة ، وصُنف كأذكى رئيس حكم أمريكا (وهو جون كوينسي آدامز)،  ومنهم من كان مستواه متوسط، ومنهم من وصف بأنه أقل ذكاء بين رؤساء أمريكا( وهو وارن جي هاردينج)، وذلك أن الدستور الأمريكي لا يشترط  على المرشح أن يخضع لمعايير الذكاء.

والواقع أن الرئيس الحالي، قد أثار جدلاً كبيراً منذ أن وصل إلى سدة الحكم، ولم تتوقف الأقلام والألسن عن قصفه وسلقه بأقذع الكلمات العبارات، ومن ذلك وصمه بالغباء والسطحية وضيق الأفق، وهو متمترس ومتخندق حلف عشيقته(تويتر) يذود عن حياضه بكل ما أوتي من قوة، وردة فعله غالباً ما تكون مشابهة لطريقة الهجوم عليه وذلك باستخدام   كلمات قصيرة وقاسية(غبي، خائن، مجنون… ) ويصف نفسه بأنه من أذكى رؤساء أمريكا.

ولو وقفنا عند مسيرة الرجل وقيادته للدولة، لوجدنا أنه ينتقل من حفرة إلى حفرة، وإذا ما أراد معالجة أمر ما فإنه غالبا ما يزيد جراحه.

كثير من رؤساء أمريكا وصلوا إلى الحكم عبر تدرج سياسي؛ أي أنهم استلموا مناصب ومارسوا السياسة، وحلبوا أشطرها قبل أن يظفروا بالرئاسة، إلا أن ترامب انحدر من عالم التجارةن ومن حلبات المصارعة، ومن ثقافة المجلات الإباحية؛ لذلك نجد أنه يتعثر كثيراً في مزاولته لمهنته الجديدة .

ثمة مطبات كثيرة وقع فيها الرجل، تنم عن غبائه، وقلة خبرته في السياسة، ولا يمكن أن نحصرها في مقال، أو عدة أسطر؛ لأنه كتب فيها الكتب الكثيرة، ولكنني سأذكر بعضها على جناح السرعة ، ثم أشير إلى النقطة المفصلية في حياته السياسية والطامة الكبرى التي يمكنها أن تهزمه أمام خصمه في الولاية الثانية.

في نهاية العام الفارط، وبداية هذا العام، تعرضت الحكومة لاختبارين مهمين، هما جائحة كورونا، والحادثة العنصرية التي جرت ضد جورج فلويد.

ولم يوفق ترامب في التصدي لتلك الحادثتين، بل تخبط كثيراً وكانت مواقفه محفوفة بالتناقضات، فقد استهتر بوباء الكورونا في بداية الأمر، ولم يتخذ أي إجراءات وقائية، مما جعل المرض يتفشى بشكل كبير بين الأمريكيين، مما أثار حفيظة الرأي العام ضده، ثم جاءت حادثة جورج فلويد العنصرية، كذلك لم يحسن الرئيس معالجتها بالحكمة والرؤية الصائبة، وإنما كلما قام بإجراء كلما زاد من تفاقم الأزمة، حتى إن وزير دفاعه قد انتقده، وبعض مسؤولي الولايات قد وجهوا إليه كلمات لاذعة واصفين تصرفاته بالحماقة.

والحقيقة أن أكبر خطأ قد ارتكبه، وكان وبالاً عليه، ويمكن أن يسوقه إلى حتفه السياسي في نظري هو قيامه بتعيين ثلة من الشخصيات الكبيرة حوله ثم طردهم، ابتداء من وزير الخارجية ومروراً بوزير الدفاع… إلى المستشار القومي جون بولتون، هذا الخط الذي سار عليه أدى إلى تعريته، وإلى نحره ثقافياً، وسياسياً على منصة البيت الأبيض.

فمن المعلوم أن الإنسان بفطرته عندما يُطرد من وظيفته، وخاصة إذا كان لها ثقلها ووزنها السياسي، فإن ردة فعله ستكون قاسية إزاء من طرده أو تسبب في طرده.

ومن الملاحظ أن ترامب قد غيّر كثيرًا من الوزراء وذوي الشأن الذين عينهم هو، بطريقة مهينة وغير لبقة، مما أوغر صدورهم، وأدى إلى فتح جبهة ضده ينوء كاهله بمقارعتها.

معظم الذين طُردوا كان سلاحهم الذي قاموا بإشهاره هو تأليف كتاب عن مثالب ترامب، على الصعيدين الشخصي والسياسي.

وحسبي أن أقف عند آخرهم والذي صدر أمس، وهو كتاب جون بولتون الذي استفز ترامب وأخرجه عن طوره ودفعه لنعت بولتون

ب(الخائن) .

ومما ذكر في الكتاب أن ترامب وجهه للمساعدة بجملة الضغط على أوكرانيا للحصول على معلومات تطيح بالديمقراطيين من أوكرانيا، وادعى بولتون أيضاً، أن الرئيس الأمريكي  لم يرغب برفع وقف المساعدات العسكرية لأوكرانيا حتى يستجيب المسؤولون فيها على طلباته.

ومما جاء في الكتاب، أن ترامب لا يعرف إن كانت فنلندة دولة مستقلة أم تابعة لروسية، وكذلك لا يعرف إن كانت بريطانيا دولة نووية أم لا، ومما جاء في الكتاب أيضاً أن ترامب يعمل لمصلحته الشخصية وليس لمصلحة الأمة الأمريكية، والدليل على ذلك – كما يرى بولتون – أنه أيّد رئيس الصين، وحاول التغطية على جرائمه بحق مليوني مسلم آيغوري (باعتقالهم) مقابل أن يدعم الرئيس الصيني ترامب في ولايته الثانية.

تلك كانت لمحات من الكتاب، فالكتاب فيه تفصيل وفيه ذم كثير لشخصية ترامب.

والذي أراه أن تلك الكتب وآخرها وليس أخيرها مذكرات بولتون الذي صب جام نقده على ترامب، ستؤدي إلى تعثره وسقوطه وهزيمته في انتخابات الولاية الثانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى