مقالات

ثورة السويداء وانعكاسها على الحالة السورية؟؟

علي الصالح الظفيري

ناشط سياسي سوري
عرض مقالات الكاتب

سوريا تلك البقةُ الجغرافيةُ التي رسم حدودها الحالية مندوبٌ أو أكثر ممن احتلوا تلك المنطقة وغيرها وسلخوها عن جسم الدولة العثمانية .
هي تضم العديد من الأعراق والأغلبية الساحقة من العرب ، وتنوع ديني والأغلبية مسلمون سنة ، وتيارات سياسية متنوعة يغلب عليها الطابع القومي .
وقد بات واضحًا بأن النظام العالمي كان يسعى بأن يُحكم هذا البلد طائفيا بستار عروبي ، وهنا بدأ الدعم الخارجي للطوائف لاختيار الأنسب ليُدعم وصوله للحكم ، وهنا كان العلويون والدروز المرشحين الأقوى في تلك المعادلة الدولية ، ولكن تاريخ السويداء لم يكن مُشجعًا ، فلا يخفى على قارئ في التاريخ أن أبناء تلك المدينة من العرب الأقحاح ، من بني معروف وأنها ساهمت برجالها الشرفاء آنذاك في إفشال المخطط الفرنسي الخبيث بتقسيم سوريا الحالية إلى دويلات على أساس طائفي أو عرقي ، بل وكان ومايزال سلطان باشا الأطرش يُعتبر رمزًا وطنيًا في ذاكرة السوريين ، فلم يتعامل أنباء بلاد الشام عبر العصور بمنطق طائفي أو عرقي متعصب وعاش الجميع منسجمين مع بعضهم البعض مع الحفاظ على خصوصية الأقليات الطائفية والعرقية التي لم تعاني من التمييز والاضطهاد مطلقًا ، والدليل محافظتهم على عاداتهم ولغتهم وأديانهم كل تلك القرون . ومن هنا وقع الإختيار على الطائفة النصيرية التي حول الفرنسيون إسمها إلى الطائفة العلوية لتكون مقبولة أكثر ، وتم تسليم العلويين الحكم في سوريا بغطاء حزب البعث ، وهنا هُمشت السويداء حالها كحال غيرها من المحافظات ، وهي تلك المحافظة السورية التي أغلب سكانها من العرب الدروز ، فالنظام المجرم الاستخبارتي القمعي نفذ ما تلقاه من أوامر من مشغليه بأن يتم التعامل مع كل محافظة سورية بأسلوبٍ مختلف عن الآخر ، فعانى أهالي السويداء من الفقر والإهمال والتهميش الممنهج مما اضطر شبابها إلى الهجرة الداخلية للعمل في المحافظات الأخرى وخاصة دمشق أو للهجرة الخارجية وخاصة إلى الأرجنتين ودول أمريكا الجنوبية .
فإذا أردت أن تدرس المجتمع في محافظة السويداء بتعمق فستجد أن قسم منهم كان ينفذ أوامر النظام المجرم مقتنعًا بالفتات الذي يحصل عليه ، وهذا القسم ستجده موجود في كل المحافظات السورية مع الإختلاف في النِسب ، وقسم معارض أصيل للنظام وتلك الفئة على الأغلب من غير المتدينين من شيوعيين أوعلمانيين يرفضون التبعية العمياء لشيوخ الطائفة بل ربما يرفضون التدين مطلقًا ، وقسم آخر وهو ربما الأكثر ، ملتزم بتعلميات شيوخ الطائفة الذين هم أيضًا ينقسمون إلى من هو محسوب على النظام أو معارض له ساكتًا عن التحريض عليه حفاظًا على أبناء طائفته من جهة ، وخوفًا من بطش النظام المجرم من جهة أخرى . وهذا أيضا تجده في جميع طوائف المجتمع السوري .
ومع اندلاع الثورة السورية كانت الخصوصية للسويداء واضحة ، فكان موقف أبناءها من الثورة بحسب الشرائح التي أسلفنا ذكرها ، فمنهم من انجرف مع النظام المجرم بحكم التطوع في الجيش أو الأفرع الأمنية قبل الثورة أو بعدها وهم قلة ، وقسم شارك باحتجاجات ضد النظام تُقيمُ بأنها خجولة ، والقسم الأكبر الذي انصاع لشيوخ الطائفة الذي يبدو أنهم قرروا اعتزال الثورة والنظام معًا والحفاظ على خصوصية السويداء وأمنها الذي غالبًا ما تكفل به أبناؤها الذين رفض الكثير منهم الإلتحاق بجيش النظام المجرم وطبعًا بناءً على تفاهمات بين مشايخ الطائفة وأمن النظام الذي كان من مصلحته تحييد السويداء على الأقل بناء على مبدأ فن الممكن ، ولكن هذا لم يمنع بأن يلعب النظام معهم لعبة القط والفأر ، بإستخدام ورقة داعش تارة ، والفتنة مع المحافظات المجاورة تارة أخرى ، وكان محاولاتهُ تبوء بالفشل على الأغلب ، بسبب الوعي ، وقوة السيطرة من شيوخ الطائفة ، أو الضغط الخارجي الذي حذر النظام من خطوطٍ حمراء معلنة وسرية عليه عدم تجاوزها .
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن ، لماذا الآن ياسويداء ؟؟
طبعًا هنا لا بد لنا أن نفرق بين احتجاجات مطلبية خدمية تعتبر عابرة إن توقفت وتيرة الاحتجاجات ، وبين مظاهرات ممنهجة إن زادت وتيرة الاحتجاجات وتطور الأمر إلى ثورة شعبية بكل ما تحمله الكلمة من معنى .
فإن مشينا مع الاحتمال الثاني سيكون الأمر مدروس بعناية بل وربما بضوء أخضر دولي من داعمي الطائفة ، وهنا يكون التوقيت مناسب جدًا بحيثُ يسمح للسويداء بأن تلحق بركب الثورة ولو متأخرة وسيكون لها مايبرر تأخرها إن طرح نقاش معمق في هذا الأمر ، وهنا تكون السويداء ربحت زمن الثورة ولم تخسر كثيرًا زمن النظام ، فمن يُقيِمُ مايجري في السويداء عليه أن يدرس خصوصية المحافظة ويفهم موقفها من الثورة والنظام بعقلية من يريد مصلحة أهلها قبل كل شيء وقد نجح من خطط لهذا ، ويخطأ من يتوقع أن مايجري فيها له تداعيات على غيرها من المحافظات الأخرى ، فإن أرادت المحافظات الأخرى القيام بما قامت به السويداء ستكون ردة الفعل من النظام المجرم مختلفة تمامًا عن حالة السويداء .
لذا نقول : نعم نفرح بكل صوت يلعن النظام ورموزه ونبارك كل أصبع يرفع بوجه النظام ولو تهكمًا ، ولكن لا نعول الكثير على حراك محافظة واحدة ، ولا نقلل من أهميته الرمزية بحكم كونها محافظة فيها أقلية يدعي النظام المجرم زورًا وبهتانًا أنه يحمي تلك الأقليات التي لم يحميها عبر التاريخ أحد مثلما حماها السوريون العرب السنة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى