تحقيقات

تحالفات تقلب الطاولة في الشمال السوري المحرر

فراس العبيد – رسالة بوست

معادلة جديدة فرضها التيار الجهادي على المسرح في الشمال السوري المحرر، تحت اسم غرفة عمليات “فاثبتوا” في إدلب، ينظر إليها دوليًّا، كمقدمة لتحريك عمليات خاطفة تجاه نظام اﻷسد، لاحقًا، وسط حذر غربي من تشكيلها نواةً لهجمات أوسع مستقبلًا. وتبدو تلك المعادلة خلاصة تجارب التيار الجهادي المشتت، والمستهدف داخليًّا وخارجيًّا، رغم أنه لم يصل إلى سقف الطموحات المتوقعة، والمرتبطة بتوحيد القيادة أو “الرأس”. تشويه التيار: ويتوقع من غرفة عمليات “فاثبتوا” إزالة اللغط الشعبي، حول مشروع “الجهاد” كوسيلة تحقيق انتصار حاسم على نظام اﻷسد، إذ وجه تنظيم الدولة بقيادة البغدادي، وهيئة تحرير الشام، بزعامة الجوﻻني، ضربات حقيقية، شوّهت المقاصد الشرعية من “الجهاد”، وحوّلت الغاية منه إلى مسألة “التمكين”؛ فاﻷول انشغل بإقامة الحدود وملاحقة مخالفيه وتكفيرهم، متجاهلًا النظام، والثاني؛ لعب على نظرية استئصال اﻵخرين، واتفق مع سابقه في ملاحقة مخالفيه. وبالمحصلة؛ بات ينظر إلى التيار الجهادي على أنه حركة تسعى ﻹقامة السلطة واﻻرتزاق من أقوات الناس! يقع على عاتق الغرفة الجديدة، دور تاريخي في إعادة المكانة الصحيحة للتيار، مع ملاحظة يفترض أن ﻻ نغفل عنها؛ الفصل بين قيادة “تحرير الشام” وعناصرها وتحديدًا المرابطين على تخوم النظام. عمليات نوعية: ومن جهةٍ أخرى، ومن ضمن مشروع غرفة عمليات “فاثبتوا” وتماشيًا مع الهدف السابق، من المتوقع أو يفترض اللجوء ﻷعمال عسكرية، على غرار الغرفة السابقة “وحرِّض المؤمنين”، ولا يستبعد أن يكون الرد قاسيًّا على المدنيين، من طرف الروس واﻷسد. وتشير إيديولوجيا التيار الجهادي وأرشيفه القديم أنه يركز في أعماله القتالية على “الحرب الخاطفة”، ومن ثم “حرب العصابات” دون النظر إلى التسمك بالموقع واﻷرض؛ فالغاية المرحلية، استنزاف الخصوم، ودفعه للتراجع. على غرار المدرسة “اﻷفغانية” مؤخرًا. التحالف رد سريعًا: وتجدر اﻹشارة إلى أن الوﻻيات المتحدة اﻷمريكية، فهمت الرسالة، ذات المدلول بعيد المدى، وردت مباشرةً، بعد يومين من تشكيل الغرفة، باستهداف “رأس الحربة”، داخل الغرفة، بضربة جوية، أدت إلى مقتل القيادي في تنظيم “حراس الدين”، أبو القسام اﻷردني، والقيادي العسكري بلال الصنعاني، وسط مدينة إدلب. تركيا تحت المجهر: ويستبعد أن تستهدف تلك الغرفة الجار التركي، سواءً في عمقه أو داخل المحرر، وإن لم يكن يومًا حليفًا، لكن المواجهة غير مستبعدة، مع “تحرير الشام” التي بدأت قبل أيام بالترويج ﻻستئصال “المفسدين، والغلو” حسب زعمها. وينظر البعض هنا إلى أن “تحرير الشام” دخلت منذ قتال أحرار الشام وحماية وإدخال اﻷرتال التركية، تحت وصاية اﻷخيرة، تدريجيًا، وإن زعم الجوﻻني، عكس ذلك، فالواقع يشهد ضدّ كلامه. ويشار إلى أن تحرير الشام، بررت لقتال أحرار الشام، بسبب محاولتهم إدخال اﻷتراك، ثم قامت بنفسها بحمايتهم، ووقعت في الفخ، تحت مسمى “السياسة الشرعية” و”الضحك على المجتمع الدولي”. وبالنتيجة؛ فإنّ بيان تاسيس الغرفة لا يتطلع إلى قتالٍ داخلي، وإنما توجيه البندقية، إلى “الروس ونظام اﻷسد وإيران” وحصرها في الثلاثي السابق. الجوﻻني يتحسس رأسه: ورغم ما سبق، فإن قيادات تحرير الشام، الجوﻻني، وأبو ماريا القحطاني (ميسرة الجبوري، الذراع اﻷمني للجوﻻني)، بدا عليهما عدم اﻻرتياح، وفق التسريبات اﻷخيرة، وما يغرد به القحطاني على معرفه في “تيلغرام”، من غمزٍ ولمز في الغرفة، وإشاراتٍ إلى كونها ﻻ تريد “اﻻستقرار” في المنطقة، مع وصف بعض المتمين لها بـ”الغلو”، تعتبر رسالة واضحة ومقدمة لتحرك مقبل تحت مسمى “دواعش جدد”. فالقحطاني؛ يقول موريّا أن الغرفة ستكون سببًا في قصف واستهداف “ما بقي من المحرر”، وهذا الكلام يخالف أبجديات التيار الجهادي، الذي يرى أن النظام والروس خرقوا الهدنة وﻻ أمان لهم، والواقع والخروقات تبيّن ذلك، وفق تقارير “استجابة سوريا” وغيرها. ويُعتقد أن هاجس السلطة أصاب الجوﻻني في مقتل، ويسعى اﻷخير ﻻستئصال منافسيه على الساحة، تماهيّا وتماشيّا، للأسف، مع عقلية “البعث” كما يشير حتى نشطاء الثورة ومحللون معارضون، مستخدمًا النصوص الشرعية، بعد ليها توظيفها على مقاسه، من مرقعيه. بالتالي؛ فإن إمكانية المواجهة قائمة، لكن مع “تحرير الشام” ربما، كأول عقبة تواجهها غرفة “فاثبتوا”، ونجاحها في المناورة وإبعاد شبح اﻻقتتال سيحسب لها لاحقًا، وسيزيد رصيدها الشعبي. رسائل الغرفة: ومن خلال مطالعة في نص بيان التأسيس للغرفة تتضح مجموعة من الرسائل، في مقدمتها؛ قراءة الواقع العسكري وتوقع المواجهة القريبة مع ميليشيا اﻷسد، توجيه رسالة للغرب والداخل باﻻستقلالية، لدفع شبح “تصنيفها ضمن قوائم اﻹرهاب”، وهذا بحدِّ ذاته ركزت عليه في نقطة عدم اﻻندماج واﻻكتفاء بالدخول في تحالفات، مع الشركاء على اﻷرض. كما أنّ من جملة رسائل الغرفة، “الدفاع المشترك” وإن لم يصرّح به على العلن، لكنه، سيكون ضرورة حتمية لمواجهة تحرير الشام، التي لا يتوقع أن تترك اﻷمر على حاله، فإن لم يكن باﻻقتتال، فالسعي إلى تفكيك الغرفة، لاحقًا. وأخيرًا؛ ستشكل الغرفة “غطاءً” للمستقلين، والراغبين في اﻻنخراط ضمن العمل العسكري، ومواجهة ميليشيا أسد، بعيدًا عن التوازنات السياسية واﻹقليمية، وغيرها مما صدّعت رأس الشارع، وانتهت إلى تقليص الرقعة الجغرافية، بحجة السياسة. ويذكر أن عدة تشكيلات عسكرية أعلنت عن تحالفها ضمن غرفة عسكريّة حملت اسم “فاثبتوا”، يوم الجمعة 12 حزيران/يونيو الجاري. ونصّ بيان التأسيس على أنّ إنشائها جاء بهدف “دفع صيال المعتدين وكسرِ مؤامرات المحتلين”. وتضم الغرفة خمسة فصائل هي؛ “تنسيقية الجهاد ولواء المقاتلين الأنصار وجماعة أنصار الدين وجماعة أنصار الإسلام وتنظيم حراس الدين”. ومن المتوقع أن تتركز أعمال الغرفة والفصائل ذاتها، على العمليات العسكرية، دون اﻻلتفات إلى إدارة المحرر الذي أسهم كما هوا واضح في ضرب مصداقية الفصائل المعارضة اﻷخرى، التي فشلت اقتصاديًا وإداريّا وشعبيًا، وانشغلت في صراع داخلي، أنساها “إسقاط اﻷسد وقتاله”. وفي حال نجحت بأول ضرباتها العسكرية، فإنّ المعادلة العسكرية الجديدة ستفرض على الساحة تصوّر سياسي جديد، لتشكيل المنطقة، وخلطا للأوراق الدولية، بالمجمل. بالمحصلة؛ التيار الجهادي المعاصر، يقوم على فكرة “حرب العصابات” ومحاصرته أو استئصاله، غير ممكنة لأسباب شرعية وكونية، وهي أبرز نقاط قوته، وإعادة تشكيله، كلما تمت محاصرته وخنقه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى