مقالات

حُكومَة أبو القاسم

محمود الجاف

كاتب وصحفي عراقي
عرض مقالات الكاتب

أبو القاسم الطنبوري : هو أحد التُجار الذين عاشوا في بغداد وكان يتَّسمُ بالبُخل رغم غِناه . كانت مصيبته مع حذائه الذي كاد أن يُفقدهُ عقلهُ كما يجري لنا الآن مع حكوماتنا،  فقد أصبح لعنة عليه لأنه كلما تمزق جزء منه قام بترقيعه، وخياطته ومع مُرور الوقت أصبح ثقيلا مُتعِبا بشكل كبير . مثلما تفعل أمريكا وإيران مع الدُمى القابعَة في المَنطقة الغبراء بالضَبط ، فهُم الآن ثِقالٌ على نُفوسنا وقُلوبنا كالصخور الجاثمة على الصُدور،  ويَبدو أن دار السلام على موعد مع شهرزاد وحكايات جديدة رغم أننا مهما كتبنا لن تَمتلِئ صفحات التاريخ، لأن بغداد هي مُلتقى الحضارات ومركز الصراع العالمي وبَوابَة الدُخول إلى الأمتين العَربية والإسلامية . صراعٌ كبيرٌ بينَ الخَير والشَر غلفوه بإطار الدين الجديد الذي تمَت صياغتهُ في أقبية المُخابرات المُظلمة للصهيونية العالميةإ وجَهزوهُ في مَعابد المَجوس، وجاءوا بأفكار الخُميني الدجال المَليئة بالظُلم والقَهر والإباحية ومَنَحوها القُدسية ثُم سَرقوا من خلالها كُل شَيء …

الطَنبوري  عابهُ أصحابه وأصرّوا على أن يتخلص من حذائه فرماهُ في مرمى القمامة،  وكان قد اشترى مِسكاً رائعاً ثمينا وضعهُ في زُجاجات فائقة الجَمال أخفاها في الغُرفة وخرج لبعض شأنه . ومن سوء حظه أن رجلا رأى حذاءهُ مُلقى بجانب النفايات فقال : سأردهُ إليه، ولما قرع الباب، ولم يُجبهُ أحد، وكانت النافذة مفتوحة قذفهُ مِنها فكسر الزجاجات وانسكَبَ ما فيها … وحينَ عاد أبو القاسم إلى البيت وشاهدَ الحذاء جُنَّ جنونهُ وقرر أن يَرميه في النَهر. . في ذات الوقت كان هنالك صياداً قد ألقى شباكهُ فعلق بها وعندما وجدهُ قال : لابد أن أعيدهُ إليه، وقد فعل … فرماه هذه المرة في الحش (المجاري بلغة عصرنا) وعاد إلى بيته، وبعد مُرور يومين طفحَت على الطريق حتى آذت الناس ( مثل صخرة عبعوب ) فأتوا بعمال التنظيف، فوجدوا الحذاء فرفعوا أمره إلى القاضي فحبسهُ وجلدهُ وأعادهُ إليه، فقال : ليس هُناك حل إلا دفنه . وفي ساعة مُتأخرة من الليل أخذ يحفر قرب جدار،  فسمع الناس الصوت فظنوا أنه سارق يُريد نقبهُ فأبلغوا الشرطة، وجاءوا فوجدوه، فسألوهُ عن السبب ؟

قال : لأدفن الحذاء ؛ ولأن عذرهُ غير مُقنع رفع أمرهُ إلى القاضي الذي جلدهُ وسجنهُ أيضا وأعادهُ إليه …

فقرر الذهاب إلى الحمَّام العام وتركهُ هناك وعاد إلى بيته . وصادف وجود الأمير الذي غَضب عندما عرف أن حذاءهُ سُرِق، وتساءل من الفاعل ؟

قالوا : ننتظر وصاحب آخر حذاء هو الجاني فلم يبق إلا حذاءه الذي عرفهُ الناس، ومُباشرة إلى المحكمة والتهمة ( 4 ) إرهاب، وقبل أن يطرق الباب غرّمه الحاكم قيمة الحذاء، وجلده وأعادهُ إليه وقال له : خذه يا حَبَّاب، وأخيراً قرر أن يذهب إلى الصحراء ويدفنهُ،  ولكنهُ فوجىء بالحرس يأخذونهُ إلى القاضي وقالوا له : عثرنا على المُجرم، ثُم تبينَ أنهُم كانوا قد وَجدوا رجلاً مقتولاً تحته كيس من الذهب في هذا المكان فقالوا : إن القاتل لابد أن يعود فاختبوا وراقبوا حتى جاء، أقسم لهم الأيمان أنهُ لم يقتل أحدا وأقام الشُهود، والبينات والحُجَج ولكنهُم ثقبوا أرجلهُ بالدريلات  وأطفؤوا أعقاب السجائر في جسده، ومع الذُلّ والتَهديد، والوعيد اعترف على الجَريمة وكُل مَقتول جَديد ؟

لكن في النهاية ثبتَت براءتهُ، وأطلق سراحهُ بعد تأديبه ودفعه المَزيد من الدفاتر فقال للقاضي : يا سيدي اكتب صكاً بيني وبينَ هذا الحذاء أني بريءٌ منه فقد أفقرني وفعل بي الأفاعيل، وجعل نهاري عذابا وليلي طويل حتى بلَلَت دُموعي هذا المنديل، وصار مضرب المثل لما يعسر التخلص منهُ فيقال مثل حذاء الطنبوري .

ولكون حالنا يُشبهُ حاله أقترح أن نكتب صكا نُعلنُ فيه براءتنا من هؤلاء السياسيين، أو نفعل كما فعل الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف عندما نزع حذاءهُ، وضرب به على منبر الجمعية العامة للأمم المُتحدة مُتوعدًا ومُهددا الدول الإمبريالية، أو مثلما فعل مُنتظر الزيدي عندما ضرب بوش والمالكي بفردتي حذائه.

أما أنتم أيها السياسيون فأنا أعتقد أن نهايتكُم ستكون أحذية يرتديها الناس مثل جورج باروت . الذي كان رئيس عصابة عام 1878 م وبعد أن قام بعملية فاشلة للسطو على قطار استطاع الهرب مما جعل العمدة ومُساعدهُ يُطاردونهُ حتى وصلوا إليه لكنهُ قتلهُم . رُصدت على إثر ذلك مُكافأة وصلت قيمتها إلى ثلاثين ألف دولار لكنهُ كان دائمًا يهرُب قبل القبض عليه .

وفي إحدى الليالي الوردية التي تشبه حفلات ( أبو مازن ) تناول الخمر حتى فقد صوابهُ فألقي القبض عليه، وحُكم عليه بالإعدام لكنه حاول الهُروب من السجن وكاد أن ينجح،  وعندما علم الأهالي، اقتحموا سجنهُ وأخذوهُ إلى الميدان العام وأعدموه .

بعدها تكفل بالجثة طبيب يُدعى أوزبورن، لأنه كان يُريد إثبات أن الجماجم الخاصة بالمُجرمين تختلف تشريحيًا عن بقية الناس لذا قام بقطع جُمجمته، وأعطى الجزء العلوي منها إلى مُساعدته التي كانَت تبلُغ منَ العُمر حينها خَمسة عشر عامًا، ثم عمل من جلد وجه باروت قناع لعيد الهالوين والباقي صنعَ منهُ حذاء !

نعم . قام أحد صانعي الأحذية بعمل حذاء لهُ مع الحقيبة الطبية التي يستخدمها في عمله، أما باقي الأشلاء فقد وضعها داخل برميل وغطاها بالملح …

والسؤال المهم الآن هو : إذا كان قتل اثنين فقط وسرَق القليل من المال، وكان هذا مصيرهُ هكذا، فما الذي يستحقهُ حُكامَنا الآن ؟

لقد دخلوا طريقا لن يعودوا عنه أبدا، وفي الحالتين انتهَت حياتهم . إما بالقلق والخَوف والتَرقُّب من النهاية المأساوية التي يَتوَقعونها ويعرفونها جيدا أو بالموت بالشكل الذي لن نرى شبيها له، وفي الحاليتين سيلعنهُم التاريخ …

وأخيرا لا تفرحوا بالكاظمي، لأنهُ يشبه المالكي، وعادل والعبادي فجميعهم ينتمون إلى ذات النادي ويسوقونا إلى نفس الوادي .

ولن يُحرر بلادي إلا القائد الذي يُمكنهُ أن يُعيد السُنَّة والشيعَة والأكرادِ عراقيي الهوية، وحينئذ سينتصر في هذه القضية …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى