بحوث ودراسات

اعترافات تائبين من غُلاة الشِّيعة على تجاوزات بني جلدتهم 2 من 4

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

عقيدة الشِّيعة وتبرير الإرهاب باسم الدِّين

تكاد نبرة التأسُّف لا تفارق لسان حال موسى الموسوي في طرحه تجاوزات فقهاء الشِّيعة في حق الله وعباده المسلمين، باسم عقائد تبيح سفك الدماء تُغلَّف بستار ديني، وعن هذا يلخِّص رأيه عن تورُّط الشِّيعة في أعمال إرهابيَّة بقوله “الشِّيعة هي الطَّائفة الإسلاميَّة الوحيدة الَّتي سلَّمت زعامتها المذهبيَّة بلا قيد وشرط كي تركلها بأقدامها في ساحات الوغى مرَّة وساحات الغيلة والإرهاب مرَّة أخرى” (ص119). ويستعرض الموسوي تاريخ الشِّيعة مع الغيلة والإرهاب منذ عقود، موضحًا أنَّ التطرُّف العقائدي والفتاوى الباطلة من أهم أسبابه، والتي كان وراءها “فقهاء أعلام ومجتهدون عظام” (ص120). يضرب الموسوي المثل بحادثة اغتيال الشَّاه ناصر الدِّين عام 1311 هجريًّا، على يد ميرزا رضا الكرماني، بتوجيه من معلِّمه جمال الدِّين الأفغاني، ويعتبر الكاتب تلك الحادثة بداية لسلسلة من الاغتيالات المذهبيَّة والصراعات الدمويَّة بدافع عقائدي لم تتوقَّف إلى يومنا هذا. ويتساءل الموسوي عن تبرير ولاية الفقيه في إيران العنف الممارس باسم الدِّين، وتكتُّمها عليه، بل وفخرها به “يا ترى كيف تستطيع دولة أن تكسب الاحترام الدُّولي والثِّقة العالميَّة وتحترمها شعوبها الآمنة الحرَّة وهي تتظاهر بأنَّها دولة عقائديَّة اتَّخذت المذهب الشِّيعي شعارًا لها، وهي تفتخر بالإرهابيين وتتَّخذ صورهم رمزًا لنظامها؟” (ص121). تعقيبًا على ما قاله الموسوي، تجدر الإشارة إلى نموذج قاسم سليماني، قائد فيلق القُدس الَّذي اغتالته الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة في 3 يناير 2020م؛ إذ كانت تعتبره من أخطر المنخرطين في أعمال إرهابيَّة تستهدف مصالحها في منطقة الشَّرق الأوسط.

ومن المفارقات أنَّ منصَّة الجزيرة بودكاست التابعة لشبكة الجزيرة، نشرت في 12 مايو 2020م مقطعًا يمجِّد قاسم سليماني، يصفه بالشَّهيد والمجاهد، برغم ما سجَّله التَّاريخ المعاصر من انتهاكات ارتكبها الجنرال الرَّافضي الهالك ضدَّ أهل السُّنَّة، وبخاصَّة في سوريا والعراق. وبرغم المطالبات المتكرِّرة للاعتذار عمَّا ورد في المقطع، لم تقدم الشَّبكة الرَّائدة على الاعتذار أو تتراجع عن موقفها تجاه سليماني.

يثير الموسوي نقطة في غاية الأهميَّة، وهي أنَّ الاغتيال لم يُعرف في دولة الخلافة الرَّاشدة، وأنَّ المجوس هم من اتبدع ذلك، لمَّا تسلَّط أبو لؤلؤة، المجوسي الحاقد على مَن أسقطوا دولة الفُرس، على أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب، وأراد قتله، وفي هذا جاء في كتاب الموسوي (ص124-125):

يختتم الموسوي دراسته المستفيضة بالإشارة إلى أهميَّة تصحيح العقيدة الشِّيعيَّة، وتحريرها من البدع والممارسات الباطلة، مستهدفًا بدعواه “الأكثريَّة الساحقة من الطبقة الواعية المثقَّفة من أبناء الشِّيعة”، من أصحاب العقول المستنيرة، وليس مَن يهدد التصحيح “مجدهم وسلطانهم وكيانًا بنوا عليه آمالًا عريضة وسيعة طيلة قرون وقرون” (ص153). يعترف الموسوي بأنَّ إصلاح اعوجاج العقيدة الإماميَّة الاثني عشريَّة لن يتم في لمح البصر، خاصَّةً مع تدخُّل قوى الاستعمار الغربي في شؤون العالم الإسلامي، وتزكيتها روح الفُرقة والعصبيَّة والطائفيَّة.

رأي الموسوي في ثورة الخميني: ‘‘ثورة بائسة’’ تحايلت للاستئثار بالسُّلطة

الثَّورة البائسة-دكتور موسى الموسوي (طبعة عام 1427 ه، 2006م)

تتجدَّد في كتاب الثَّورة البائسة (طبعة عام 1427 ه، 2006م) نبرة التأسُّف والاستياء لدى الدكتور موسى الموسوي في تأريخه الشخصي للثورة الخمينيَّة، وتعبيره عن حقيقتها، كما رآها، وهو الشِّيعي الذي تربَّى في النجف الأشرف، وسط مراقد الأئمة، وتعلَّم في حوزات الملالي. بدلًا من مباركة الثورة الخمينيَّة، وتعديد مزاياها وأفضالها، وترديد الشعارات المؤيِّدة لها، يصف الموسوي الثورة بـ “الانحدار الخطير في تاريخ الإسلام”، شوَّه الشريعة السماويَّة، وقضى على معاني البطولة والفداء، ومحى الفضائل الأخلاقيَّة باسم الإسلام، والإسلام منه براء (ص6). الأكثر من ذلك أنَّ الموسوي يعتقد أنَّ نجاح مساعي ملالي إيران في تنفيذ باقي مخططهم ينذر بطامَّة كبرى ستعصف بالعالم بأسره؛ لأنَّ ما ارتكبه هذا النظام الثيوقراطي من جرائم في حقِّ البشريَّة ما لم يقترفه القتل لأهداف سياسيَّة على مرِّ العصور. باسم التخلُّص من “المفسدين في الأرض”، قُتل الأبرياء؛ وباسم “التعزير الشَّرعي”، ارتُكب التعذيب؛ وباسم “حماية المستضعفين”، جرى النهب والسلب؛ وباسم حماية “مصالح الأمَّة”، كُتمت أصوات المعارضة؛ وباسم “حماية مكاسب الإسلام”، شاع التجسس على المواطنين؛ وباسم حماية “مكاسب الثَّورة الإسلاميَّة”، شاعت الفوضى وانتُهكت الأعراض؛ وموالاة غير المسلمين باعتبارهم “أصدقاء الثَّورة الإسلاميَّة” (ص6-7). ويعبِّر الموسوي عن رأيه في الثَّورة مجملًا في قوله “وهكذا نرى أنَّ الحدود الفاصلة بين الأخلاق الفاضلة والرَّديئة قد انقلبت رأسًا على عقب فأصبح الشَّر خيرًا والقتل حياتًا والظلم إحسانًا، وأبشع صور الحُكم في تاريخ الإنسان نموذجًا لمدينة فاضلة طالما دعا إليها أفلاطون والفارابي” (ص7).

يحدد الموسوي السبب الأساسي فيما أسماه “الانحدار الخطير في تاريخ الإسلام” ليكون الغزو الفكري اللئيم، المستند إلى شرائع باطلة، شيطانيَّة المصدر، الذي سرى إلى عقول البسطاء، فأعمى أبصارهم، ووجَّههم إلى طريق الشرِّ، وهو يظنون أنَّه طريق الخير ونشر العدل وإحقاق الحقِّ بتطبيق الشَّرع. من هنا، يسعي الموسوي إلى كشف الحقائق المرتبطة بالثَّورة الخمينيَّة، وبلورة أسباب نشر العُنف، وهو يسرد “قصَّة شعب قُدِّر له البؤس والشَّقاء في ظلِّ التيجان والعمائم على السواء…قصَّة الإسلام ومحنته العظيمة…” (ص7).

سقوط الشاه ونجاح الثورة الشَّعبيَّة

يبدأ الموسوي القصَّة بالإشارة إلى عجز الشَّاه محمَّد رضا بهلوي عن إخماد ثورة الشَّعب الإيراني عام 1979 ميلاديًّا، معتبرًا أنَّ تلك الثورة كانت المرحلة الثَّانية لثورة عام 1953، التي أيَّدت رئيس الوزراء الإيراني الأسبق محمَّد مصدَّق، صاحب المشاريع الإصلاحيَّة المعارضة لمصالح المنتفعين من الرأسماليين، وهزَّت عرش الشَّاه لبضعة أشهر، ولكنَّها أجهضت على يد الولايات المتَّحدة في انقلاب، ليس على الحاكم الظالم، إنَّما على رئيس الوزراء المُصلح، فيما عُرف بمشروع أياكس/أجاكس (TPAJAX Project). ووفق ما تنشره موسوعة ويكيبيديا الرقميَّة، اعترفت وكالة الاستخبارات المركزيَّة الأمريكيَّة، سي آي إيه، عام 2013 بمسؤوليَّاتها عن ذلك المشروع، نقلًا عن مقال نشرته وكالة سي إن إن إنترناشونال.

لم يفلح جيش الشَّاه، ولا جهاز مخابراته، وما أوتي جُنده من سلاح وعتاد في إخماد ثورة الشَّعب الإيراني، الذي خرج للمطالبة بالحريَّة في مواجهة الظلم والإرهاب والقمع وتردِّي الأوضاع الاقتصاديَّة وعبث الأيادي الغربيَّة بمصير المسلمين. يثير الموسوي نقطة في غاية الأهميَّة، وهي سلب حقوق المواطنين في ظل نهب مقدَّرات البلاد، حيث عاش ثمانون بالمائة من الإيرانيين في بؤس وشقاء، برغم عائدات النفط الهائلة لبلادهم.

يوضح الموسوي أهم الأسباب التي أدَّت إلى سقوط الشَّاه بهلوي ونظامه، بادئًا بالسياسات الأمريكيَّة التي اعتمدها، وأشعلت الثورة ضدَّه. اعتقد الشَّاه في البداية أنَّه من الممكن إخماد الثَّورة من خلال التحايل وإقناع الشعب بتغييره نهجه القمعي، كما طلبت منه أمريكا، لكنَّ الغضب كان قد تجاوز الحدَّ حينها، كما يشير الموسوي. واعترف الشَّاه نفسه في مذكَّراته، أنَّ الأمريكان لم يجتهدوا في إنقاذه، لمَّا تأكَّدوا من عدم جدوى ذلك، فاتَّصلوا بالخميني وجماعته، لمَّا وجدوهم بديلًا نافعًا يخدم مصالحهم بأن “يقضي على الشيوعيَّة بسيف الإسلام”، وإن كان نظام ملالي الشِّيعة متزمِّتًا، ومستندًا إلى عقيدة مغالية منحرفة عن صحيح الإسلام (ص20). يضيف الموسوي أنَّ نظام الملالي اعترف بإجرائه محادثات مع الأمريكان قبيل سقوط الشَّاه، الذي كان مصابًا بالسرطان وولي عهده حديث السنِّ، برغم زعم هذا النظام بمعاداة أمريكا. ومن بين المفارقات أن سُئل مهدي بازركان، أوَّل رئيس حكومة في إيران بعد سقوط الشَّاه، عن سبب عدم إلغاء الصفقات العسكريَّة بين بلاده وأمريكا، المقدَّرة بمليارات الدولارات، فأجاب أنَّ الأمر يحتاج إلى دراسة عميقة، يفرضها حجم تلك الصفقات وقيمتها العالية، تفاديًا للخسائر.

ملابسات سقوط النظام الملكي

اجتمعت فئات الشَّعب بأكمله على إسقاط حُكم كثم على صدره ألفين وخمسمائة عامٍ، وشارك في الثورة تيَّار ملالي الشِّيعة، ومعهم جماعة عليٍّ شريعتي، الذي سبقت الإشارة إلى دوره في مساعي تجديد الفكر الإسلامي على النهج الغربي، بإدخال فلسفات وعقائد مخالفة لصحيح الدين، سعيًا إلى مسايرة ركب الحداثة الغربيَّة. ومن اللفت أنَّ الاختيار قد وقع على روح الله الخميني، ليكون زعيمًا للثورة، والذي كان حينها منفيًّا بسبب معارضته للشَّاه، وبخاصَّة علاقته الصريحة بدولة إسرائيل. نال الخميني حماية الحكومة الفرنسيَّة بعد وصوله إلى مطار أورلي في أكتوبر من عام 1978 ميلاديًّا، وبدأت إذاعة بي بي سي الفارسيَّة، التابع لبريطانيا، بثَّ كل ما كان يلقيه الخميني من خُطب. يعتقد الموسوي أنَّ لتلك الإذاعة دوًا في طمأنة الجماهير إلى أنَّ بريطانيا تحمي ثورتهم، وقد كانت الإذاعة الفارسيَّة الوحيدة التي اهتم الإيرانيُّون بمتابعتها. وفي مطلع فبراير من عام 1979، هبطت طائرة الخميني، التابعة للخطوط الجويَّة الفرنسيَّة-Air France، وهو حدث يخلِّده الإيرانيُّون من أتباع الخميني، الذي كان بمثابة رسول لديهم.

الاحتفال بالذِّكرى الثلاثين على وصول الخميني إلى إيران ونجاح ثورته

وصل الخميني إلى طهران، وكان في استقباله في مطار مهرآباد الدُّولي حوالي ستة ملايين شخص، “ولم يُسقط سلاح الجو الإيراني طائرة البوينج التي كانت تقلِّه في سماء إيران، ومع أنَّ قائدها كان يحمل في قلبه الولاء الكامل للشاه، لم يُقدم على هذا الأمر، الذي كان آخر بارقة أمل لإنقاذ النظام الشاهنشاهي في نظر المخلصين للنظام“، كما يعلِّق الموسوي، في إشارة منه إلى تواطؤ الجيش ضدِّ الشَّاه، إيذانًا بتحقيق ما يصب في صالح التيَّار الجديد (ص31). عاد الجيش إلى ثكناته، وأُعلن مهدي بازركان أوَّل رئيس حكومة لإيران في مارس من عام 1979، ليتبدد أمل الجماهير، التي انتظرت تطهير البلاد من الفساد الذي خلَّفه التواطؤ مع الغرب، على يد حلفاء جدد للغرب، فقُضي على حُلم التغيير وتحسين الأوضاع إلى يومنا هذا.

حيلة الخميني وزمرته في الوصول إلى الحُكم

يطرح الموسوي سؤالًا مفصليًّا، وهو “كيف استولت الزُّمرة الخمينيَّة على السُّلطة؟ وما هي الأسباب التي أدَّت إلى تلك الخدعة الكبرى في تاريخ إيران؟“، ويفرد لذلك فصلًا كامله عنونه ‘‘الماكرون’’ (ص34). ويجد أستاذ الشريعة الردَّ في تأمُّل ومراجعة دقيقين لتاريخ النضال الشعبي الإيراني بقيادة ملالي الشِّيعة في مواجهة الاستعمار الغربي، منذ عام 1891 ميلاديًّا، وحتَّى الثورة الخمينيَّة عام 1979. بعد الإشارة إلى دور فقهاء إيران في الوقوف في وجه الاستبداد الملكي المتواطئ مع الاستعمار، يقف الموسوي عند شخصيَّة الخميني، الذي يشير إلى خيبة أمل الجماهير فيه بسبب تبيُّن كذبه؛ إذ “لم يخطر ببال الشعب الإيراني أنَّ زعيمًا من زعمائه الرُّوحيين، يناضل لأجل الاستيلاء على الحُكم والسُّلطة، لا سيَّما إذا كان ذلك الزَّعيم يؤكِّد أكثر من مرَّة بأنَّه لا يطمع في الحُكم، بل لا يخطر في باله أيضًا. كأنَّ الشعب الإيراني لم يفكِّر قط أنَّ زعيمًا دينيًّا مثل الخميني، يكذب بهذه الفضاحة أمام العالم، وعندما يصل إلى مآربه يجعل الوعود كلَّها تحت قدميه” (ص35-36). يلفت الموسوي الانتباه إلى حقيقة هامَّة، وهي أنَّ الخميني لم يكن الزعيم الديني الوحيد في تلك الثورة، بل كان هنا كثيرون ممن وقفوا في وجه الاستبداد، لكنَّهم سرعان ما عادوا إلى منازلهم بعد وصول الخميني إلى السُّلطة، ثمَّ صاروا معارضين له، ومن بين هؤلاء الإمام السيد كاظم الشريعتمداري والإمام القُمِّي والإمام الزنجاني والإمام الطالقاني، ممن اعترضوا على استئثار الخميني وزمرته، دون سائر ملالي الشِّيعة، بالحُكم، وتزويرهم الانتخابات وتعدِّيهم على الدستور. ويعلِّق الموسوي على ذلك بقوله “ما يُقال من استيلاء رجال الدِّين على السُّلطة في إيران بصورة عامَّة إنَّما هو في واقعه وحقيقته لا يطابق حقيقة الأمر، بل هناك طبقة خاصَّة من بين رجال الدِّين استطاعت أن تستولي على الحُكم وتحتكر السُّلطة لنفسها، والصِّراع بين الحاكمين من أهل العمائم والمحكومين من الطَّبقة نفسها على أشدِّه في إيران”  (ص36).

يعتقد الموسوي أنَّ الخميني، ومعه زمرته، استغلُّوا أحلام التصحيح وتحسين الأوضاع التي بناها الإيرانيُّون، وسطوا على تلك الأحلام، بأن حاكوا خدعة كشفتها الأيَّام. لم يكشف الخميني عن طمعه في فرض سيطرته على الحُكم، مكتفيًا باستغلال نظريَّة النيابة العامَّة عن الإمام الغائب، بعد أن طوَّرها لتأخذ مفهوم ‘‘ولاية الفقيه’’، كما هو معروف اليوم، في صورة منصب مرشد الثورة الإيرانيَّة. غير أنَّ عمل سرًّا على السيطرة على: الحرس الثوري، واللجان الثوريَّة في المساجد، والمحاكم الثوريَّة لمحاسبة الفاسدين، والإذاعة والتلفزيون. وتعتبر بداية السطو المعلن للخميني وزمرته على الحُكم، عند تأسيس تلك الزمرة الحزب الجمهوري الإسلامي بعد خمسة أشهر من سقوط الشَّاه، والتدخُّل الاحتكاري في وضع دستور رسَّخ الاستبداد وكرَّس انفراد الملالي بالحُكم، بأن أعطى للولي الفقيه “الجبروت والاستبداد والسُّلطة المطلقة الإلهيَّة على البشر” (ص38). يواصل الموسوي وصف ذلك الدستور بقوله (ص39):

يثور شعب للخلاص من ملك يستبدُّ به مناقضًا للدُّستور، وإذا به يبتلى بفقيه حاكم يستبدُّ به بنصِّ الدُّستور، وهكذا أدخل الخميني اسمه في الدُّستور بصفته مرشدًا للثَّورة والفقيه الَّذي يحقُّ له حُكم البلاد وأعطى لنفسه صلاحيَّات أكثر ممَّا كان الشَّاه يتمتَّع بها في الدُّستور القديم مائة مرَّة؛ فأعطى لنفسه الحقَّ في عزْل رئيس الجمهوريَّة نصْب الوزراء وعزلهم واختيار المدَّعي العام ورئيس المحكمة العليا، كما نصَّب نفسه القائد الأعلى للقوَّات المسلَّحة.

زوَّر الحزب الجمهوري الإسلامي الانتخابات البرلمانيَّة ليحصل على أغلبيَّة تسمح لزمرة الخميني بالسَّيطرة على الحُكم، لكنَّ العسب انتبه لذلك، ونزل في الميادين يطالب بإبطال النتائج، وانحاز إليه رئيس الجمهوريَّة المنتَخب أبو الحسن بني صدر، الذي جاء برغبة الشَّعب، ودون رغبة الخميني، كما يصف الموسوي، الذي أضاف أنَّ الخميني استغل سيطرته على الإعلام، في الترويج لنزاهة تلك الانتخابات. كانت إعادة الانتخابات نذيرًا بنهاية زمرة الخميني، فبذلت تلك الزُّمرة ما كان في وسعها لضمان عدم الإعادة وتمرير النتائج، وكان لها ما أرادت. عيَّنت زمرة الخميني رئيس البرلمان، وأطاحت بأوَّل رئيس جمهوريَّة منتَخَب، وسيطرت على مقاليد الحُكم، فنشأ بذلك نظام الملالي العاضِّ على الحُكم إلى يومنا هذا. غير أنَّ هذا الانتصار المؤزَّر مني بهزيمة نكراء عند تفجير مكتب رئيس الوزراء الإيراني السابق محمد جواد باهنر في 30 أغسطس 1981، ومقتل الرئيس الجديد محمد علي رجائي، ورئيس الوزراء محمد جواد باهنر، ومعهما 78 عضوًا بارزًا في الحزب الجمهوري الإسلامي، فيما عُرف بـ ‘‘تفجير هفت تير’’، الذي أُسندت المسؤوليَّة عنه إلى حركة مجاهدي الخلق، وهي منظَّمة ثوريَّة تأسست عام 1965 لإسقاط الحُكم الملكي، واستمرَّ عملها بعد الثورة الخمينيَّة، بعد معارضتها النظام الجديد، وفق ما تنشره موسوعة ويكيبيديا الرقميَّة. تفجَّر الوضع، ونشب صراع دموي بين أنصار الرئيس المخلوع أبو الحسن بني صدر وأفراد من حركة مجاهدي الخلق من ناحية، وزُمرة الخميني، ليسقط قرابة ثلاثة آلاف شخص، وتحدث العديد من التفجيرات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى