مقالات

هل تعي السعودية انها تأكل ذاتها بمقدراتها..؟!

محمد الخامري

كاتب ومحلل سياسي يمني
رئيس تحرير صحيفة إيلاف اليمنية
عرض مقالات الكاتب

قبل أكثر من أربعين عاماً؛ وفي قرية نوفل لوشاتو الوادعة جداً، خارج العاصمة الفرنسية باريس؛ تم طبخ سيناريو محكم للمنطقة العربية أو قل للشرق الأوسط؛ يتم تنفيذه حالياً بخطوات محسوبة بالقلم والمسطرة كما يُقال، حيث عملت الاستخبارات العالمية أواخر سبعينيات القرن الماضي على إعادة العجوز الخميني إلى إيران وتمكينه من قيادة ما سمي بالثورة الإسلامية بعد تحليقه فوق طهران لأكثر من ساعة وفق الصحفي البريطاني في البي بي سي جون سمبسون؛ الذي رافقه في ذات الطائرة، ثم تم السماح له بالهبوط بعد إنهاء المفاوضات التي كانت تجري مع المسيطرين على الأرض، واستمرت إلى آخر دقيقة..!!

بعد وصول الخميني إلى إيران بأيام معدودة تم تفجير المنزل الذي كان يقيم فيه قرب العاصمة الفرنسية باريس؛ والذي كان عبارة عن غرفة عمليات ساخنة للاستخبارات العالمية لأكثر من ١١٧ يوماً أواخر العام ٧٨ والعام الذي يليه؛ في حادث لم يأخذ حيزًا كبيرًا في الإعلام، وتم التكتم عليه تماماً كأي عملية استخباراتية في إطار مخطط مرسوم للسيطرة على المنطقة..!!

تم إدخال العراق القوي والمتقدم والمزدهر مطلع ثمانينيات القرن الماضي في حرب استنزافية محسوبة لمدة ثماني سنوات مع إيران، دفع فيها الخليج عموماً والسعودية تحديداً مئات المليارات قيمة أسلحة كانت تورد للعراق بمسوغ القضاء على إيران التي تريد ابتلاع الخليج، لتنتهي الحرب بقرار مجلس الأمن رقم 598، الذي قبله الطرفان بعودة القوات المسلحة الخاصة بالطرفين إلى ما قبل الحرب وفق اتفاقية الجزائر الموقعة بينهما عام 1975 والتي كان الرئيس صدام حسين قد ألغاها بداية الحرب؛ واعتبر حينها مياه شط العرب كاملة جزءاً من المياه الإقليمية العراقية..!!

بعدها، وفي ذات الإطار والمخطط؛ تم التغرير بالرئيس الراحل صدام حسين وإدخاله الكويت، لتقوم الحرب الثانية بالخليج ويواجه العراق أكثر من ثلاثين دولة؛ دمرته وأعادته من قوة عربية صاعدة إلى ما تحت الصفر، والمفارقة أن من دفع ومول دمار العراق وإنهاء دوره المحوري كقوة عربية لا يستهان بها؛ هي ذاتها من كانت تدعمه ضد إيران.. دول الخليج..!!

العام ٢٠٠٣ قررت أميركا احتلال العراق والقضاء على صدام حسين الذي انتهى دوره في ابتزاز البقرة الحلوب ممثلة في الخليج وتحديدا السعودية، وربما لخروجه عن السيطرة والتوجيه غير المباشر بسبب شعوره بأنه أصبح قوة لا تقهر، وسوء تقديره، وكانت أسوأ حرب عرفتها البشرية في العصر الحديث بالنسبة للمدنيين، استمرت ما بين شد وجذب وفواتير سلاح وتغطية مواقف دولية وأممية تحملها الخليج، ولازال يسددها على شكل فواتير مجدولة حتى اليوم..

وفي النهاية انسحبت أميركا من العراق في 15 ديسمبر 2011م، وأنزلت علمها الأمريكي في بغداد، وغادر آخر جندي أمريكي العراق في 18 ديسمبر 2011م..

المفاجأة التي لم تكن متوقعة، ولايمكن مجرد التفكير فيها؛ أنه تم تسليم العراق رسمياً لإيران وباتت أذرعتها العراقية تهدد الخليج رغم أنها أسد بلا اسنان كما يظن الخليجيون..!!

انتهت لعبة العراق عام ٢٠١١ ودخلنا مرحلة الربيع العربي الذي تم تفصيله على دول الخليج وفق مقاسات مختلفة لضمان الاستنزاف الأمثل لها، ما بين داعم وممول وراعي للربيع العربي، وبين معارض وممول وراعي للثورة المضادة لها، ولازالت المسرحية جارية إلى اليوم في أكثر من دولة عربية..

في هذه المرحلة كان المخطط أشمل وأكبر من الاستنزاف المالي؛ إذ إن الهدف تعدى ذلك إلى تشظي وتفتيت القرار والصف العربي عموما، والخليجي خصوصاً ما بين مؤيد ومعارض، ولهذا فوائد مالية أكبر واستنزاف أكثر لتلك الدول التي دخلت مرحلة سباق التسلح وشراء المواقف الدولية والصرف على مصانع الأسلحة وشركات العلاقات العامة عابرة القارات..

حرب اليمن واحد من الحروب الاستنزافية التي دخلتها دول الخليج والسعودية تحديداً لمحاربة إيران، والتصعيد الجاري في الخليج واستدعاء أساطيل وقطع بحرية غير مسبوقة لإيقاف المد الفارسي؛ وكلها تسير في ذات الاتجاه..!!

أخيراً وكي لا أطيل كثيرا، هل تعي السعودية أنها وصلت إلى مرحلة الثور الأسود الذي قال أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض، فقد تم عزلها عن عمقها الاستراتيجي ومحيطها السني، بتسليم العراق لإيران، وتفكيك مجلس التعاون الخليجي بعد الأزمة الخليجية، وضرب علاقتها مع ‎تركيا في مسألة خاشقجي و ما قبلها، وإدخالها المستنقع الموحل في حرب ‎اليمن، وما بقي إلا القليل للانقضاض عليها، والمبررات كثيرة والأخطاء التي وقعت فيها أكثر.. لا أعتقد أنها تدرك ذلك، لأن كل المؤشرات تقول إنها مستمرة في غيها، ولن تفيق إلا على زلزال مدمر يهزها من الداخل، وأعتقد أنه بات وشيكاً..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى